الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَحِيحًا فهَلَكَ، أو تَعَيَّبَ بغَيرِ تَفْرِيطِه، لم يَلْزَمْه أكثرُ ممَّا كان وَاجِبًا فى الذِّمَّةِ؛ لأنَّ الزَّائِدَ لم يَجِبْ فى الذِّمَّةِ، وإنَّما تَعَلَّقَ بِالعَيْنِ، فسَقَطَ بِتَلَفِها كأصلِ (15) الهَدْىِ، إذا لم يَجِبْ بغيرِ التَّعْيينِ. وإن أتْلَفَه، أو تَلِفَ بِتَفْرِيطِه، لَزِمَهُ مثلُ المُعَيَّنِ؛ لأنَّ الزَّائِدَ تَعَلَّقَ به حَقُّ اللهِ تعالى، وإذا فَوَّتَهُ لَزِمَهُ ضَمَانُه، كالهَدْىِ المُعَيَّنِ ابْتِدَاءً.
فصل:
ويَحْصُلُ الإيجابُ بِقَوْلِه: هذا هَدْىٌ. أو بِتَقْلِيدِه وإشْعارِهِ نَاوِيًا به الهَدْىَ. وبه (16) قال الثَّوْرِيُّ، وإسحاقُ. ولا يَجِبُ بِالشِّراءِ مع النِّيَّةِ، ولا بِالنِّيَّةِ المُجَرَّدَةِ، فى قولِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ بِالشِّراءِ مع النِّيَّةِ. ولَنا، أنَّه إزالةُ مِلْكٍ على وَجْهِ القُرْبةِ، فلم يجِبْ بالنِّيَّةِ، كالعِتْقِ والوَقْفِ.
فصل: إذا غَصَبَ شَاةً، فذَبَحَها عن الوَاجِبِ عليه، لم يُجْزِهِ، سَوَاءٌ رَضِىَ مَالِكُها أو لم يَرْضَ، أو عَوَّضَه عنها أو لم يُعَوِّضْهُ. وقال أبو حنيفةَ: يُجْزِئُه إن رَضِىَ مَالِكُها. ولَنا، أنَّ هذا لم يَكُنْ قُرْبَةً فى ابْتِدائِه، فلم يَصِرْ قُرْبَةً فى أثْنائِه، كما لو ذَبَحَه لِلْأَكْلِ ثم نَوَى به التَّقْرِيبَ، وكما لو أعْتَقَ ثم نَوَاه عن كَفَّارَتِهِ.
694 -
مسألة؛ قال: (وَإِنْ كَانَ سَاقَهُ تَطَوُّعًا، نَحَرَهُ فى (1) مَوْضِعِهِ، وَخلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أهْلِ رُفْقَتِهِ، وَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مَن تَطوَّعَ بِهَدْىٍ غيرِ واجِبٍ، لم يَخْلُ من حالَيْنِ؛ أحدُهما، أنْ يَنْوِيَه هَدْيًا، ولا يُوجِبُه (2) بِلِسانِه ولا بإشْعارِهِ وتَقْلِيده، فهذا لا يَلْزَمُه إمْضاؤُه،
(15) فى ب، م:"لأصل".
(16)
فى أ، ب، م:"وبهذا".
(1)
سقط من: أ، ب، م.
(2)
فى أ، ب، م:"يوجب"، ومثل ذلك فى الموضع التالى.
وله أوْلادُه ونَمَاؤُه والرُّجُوعُ فيه متى شاءَ، ما لم يَذْبَحْهُ؛ لأنَّه نَوَى الصَّدَقَةَ بشىءٍ من مَالِه، فأشْبَهَ ما لو نَوَى الصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ. الثانى، أنْ يُوجِبَهُ بِلِسانِه، فيقولَ: هذا هَدْىٌ. أو يُقَلِّدَه أو يُشْعِرَه، يَنْوِى بذلك إهْداءَه، فيَصِيرَ وَاجِبًا مُتَعَيَّنًا (3)، يَتَعَلَّقُ الوُجُوبُ بِعَيْنِه دونَ ذِمَّةِ صاحِبِه، ويَصِيرَ فى يَدَىْ صَاحِبِه كالوَدِيعَةِ، يَلْزَمُه حِفْظُه وإيصالُه إلى مَحِلِّهِ، فإن تَلِفَ بغيرِ تَفْرِيطٍ منه، أو سُرِقَ (4)، أو ضَلَّ، لم يَلْزَمْهُ شىءٌ؛ لأنَّه لم يَجِبْ فى الذِّمَّةِ، إنَّما تَعَلَّقَ الحَقُّ بِالْعَيْنِ، فسَقَطَ بِتَلَفِهَا، كالوَدِيعَةِ. وقد رَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (5)، بإسْنادِه عن ابْنِ عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنهما، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقولُ:"مَنْ أهْدَى تَطَوُّعًا، ثَمَّ ضَلَّتْ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ البَدَلُ، إلَّا أنْ يَشَاءَ، فَإنْ كَانَ نَذْرًا، فَعَلَيْهِ البَدَلُ". وفى رِوايَةٍ، قال:"مَنْ أهْدَى تَطَوُّعًا، ثَمَّ عَطِبَ، فَإنْ شَاءَ [أبْدَلَ، وإنْ شَاءَ] (6) أكَلَ، وإنْ كَانَ نَذْرًا فَلْيُبْدِلْ". فأمَّا إن أتْلَفَهُ، أو تَلِفَ (7) بِتَفْرِيطِه، فعليه ضَمَانُه؛ لأنَّه أَتْلَفَ وَاجِبًا لغَيرِه، فضَمِنَه، كالوَدِيعَةِ. وإن خَافَ عَطَبَه، أو عَجَزَ (8) عن المَشْىِ وصُحْبَةِ الرِّفاقِ، نَحَرَه مَوْضِعَه، وخَلَّى بينه وبينَ المَساكِينِ، ولم يُبَحْ له أكْلُ شىءٍ منه، ولا لأحَدٍ من صَحابَتِه، وإن كانوا فُقَرَاءَ، ويُسْتَحَبُّ له أن يَضَعَ نَعْلَ الهَدْىِ المُقَلَّدَ فى عُنُقِه فى دَمِه، ثم يَضْرِبَ به صَفْحَتَه، لِيُعَرِّفَه الفُقَرَاءَ، فيَعْلَمُوا أنَّه هَدْىٌ، وليس بِمَيْتَةٍ، فيأْخُذُوه (9). وبهذا قال
(3) فى أ، ب، م:"معينا".
(4)
فى ب، م:"سوق".
(5)
فى: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 242.
(6)
سقط من: الأصل.
(7)
فى الأصل زيادة: "بغير".
(8)
فى الأصل: "عجزه".
(9)
فى الأصل: "فيأخذونه".
الشَّافِعِىُّ، وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ. ورُوِىَ عن ابنِ عمرَ أنَّه أكَلَ من هَدْيِهِ الذى عَطِبَ ولم يَقْضِ مَكَانَه. وقال مالِكٌ: يُبَاحُ لِرُفْقَتِه، ولِسَائِرِ النّاسِ، غيرِ صَاحِبِه أو سَائِقِه، ولا يَأْمُرُ أحَدًا يَأْكُلُ منه، فإن أكَلَ، أو أمَرَ من أكَلَ، أو حَزَّ شيئًا من لَحْمِه، ضَمِنَه. واحْتَجَّ ابنُ عبدِ البَرِّ لذلك، بما رَوَى هِشامُ بن عُرْوَةَ، عن أبِيهِ، عن نَاجِيَةَ بنِ (10) كَعْبٍ، صَاحِبِ بُدْنِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: يا رسولَ اللهِ، كيف أَصْنَعُ بما عَطِبَ من الهَدْىِ؟ قال:"انْحَرْهُ، ثُمَّ اغْمِسْ قَلَائِدَهُ فِى دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا صَفْحَةَ عُنُقِهِ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ"(11). قال: وهذا أصَحُّ من حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، وعليه العَمَلُ عند الفُقَهاءِ. ويَدْخُلُ فى عُمُومِ قَوْلِه:"وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ". رُفْقَتُه وغيرُهم. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عَبّاسٍ، أنَّ ذُؤَيْبًا أبا قَبِيصَةَ (12) حَدَّثَهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَبْعَثُ معه بالبُدْنِ (13)، ثم يقولُ:"إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَىْءٌ، فَخَشِيتَ عَلَيْهَا، فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِى دَمِهَا، ثمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْها أنْتَ ولَا أحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ". رَواهُ مُسْلِمٌ (14).
(10) فى أ، ب، م:"بنت". تحريف.
وناجية بن كعب بن جندب الخزاعى، روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان صاحب بدنه. انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب 10/ 399.
(11)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 408. والترمذى، فى: باب ما جاء إذا عطب الهدى ما يصنع به، من أبواب الحج. عارضة الاًحوذى 4/ 144. وابن ماجه، فى: باب فى الهدى إذا عطب، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1036. والدارمى، فى: باب سنة البدنة إذا عطبت، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 65. والإمام مالك، فى: باب العمل فى الهدى إذا عطب أو ضل، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 380. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 334.
(12)
هو ذؤيب بن حلحلة، وقيل: ابن حبيب بن حلحلة، كان يسكن قُدَيْدًا، وهو موضع قرب مكة، وله دار بالمدينة، شهد الفتح، وعاش إلى زمن معاوية. أسد الغابة 2/ 182.
(13)
فى أ، ب، م:"البدن".
(14)
فى: باب ما يفعل بالهدى إذا عطب فى الطريق، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 963.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب فى الهدى إذا عطب، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1036. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 225.
وفى لَفْظٍ رَواهُ الإمامُ أحمدُ (15): "ويُخَلِّيها وَالنَّاسَ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ وَلَا أحَدٌ مِن أصْحَابِهِ". وقال سَعِيدٌ: حَدَّثنا إسماعيلُ بنُ إبْراهيمَ، عن أبى التَّيَّاحِ، عن مُوسَى ابن سَلَمَةَ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّه بَعَثَ بِثَمَانِى عَشَرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ، وقال:"إنِ ازْدَحَفَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَىْءٌ، فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اصْبِغْ نَعْلَهَا فِى دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا فِى صَفْحَتِها، وَلَا تَأْكُلْ أنْتَ وَلَا أحَدٌ مِنْ أهْلِ رُفْقَتِكَ"(16). وهذا صَحِيحٌ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيادَةِ، ومَعْنًى خَاصٍّ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه على عُمُومِ ما خالفَهُ، ولا تَصِحُّ التَّسْوِيَةُ بين رُفْقَتِه وبينَ سائِرِ النّاسِ؛ لأنَّ الإنْسانَ يُشْفِقُ على رُفْقَتِه، ويُحِبُّ التَّوْسِعَةَ عليهم، ورُبَّما وَسَّعَ عليهم مِن مُؤْنَتِه. وإنَّما مُنِعَ السَّائِقُ وَرُفْقَتُه من الأكْلِ منها؛ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فى حِفْظِهَا، فيُعْطِبَهَا لِيَأْكُلَ هو ورُفْقَتُه منها، فتَلْحَقه التُّهْمَةُ فى عَطَبِها لِنَفْسِه وَرُفْقَتِه، فَحُرِمُوها لذلك. فإن أكَلَ منها، أو باعَ، أو أَطْعَمَ غَنِيًّا، أو رُفْقَتَه، ضَمِنَه بِمِثْلِه لَحْمًا. وإن أَتْلَفَها، أو تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِه، أو خافَ عَطَبَها، فلم يَنْحَرْهَا حتى هَلَكَتْ، فعليه ضَمَانُها بما يُوصِلُه إلى فُقَرَاءِ الحَرَمِ؛ لأنَّه لا يَتَعَذَّرُ عليه إيصالُ الضَّمَانِ إليهم، بِخِلَافِ العَاطِبِ. وإن أطْعَمَ منها فَقِيرًا، أو أَمَرَهُ بالأكْلِ منها، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه أوْصَلَه إلى المُسْتَحِقِّ، فأشْبَه ما لو أطْعَمَ فَقِيرًا بعدَ بُلُوغِه مَحِلَّه (17)، وإن تَعَيَّبَ ذَبْحُه أجْزَأَه. وقال أبو حنيفةَ: لا يُجْزِئُه، إلَّا أن يَحْدُثَ العَيْبُ به بعدَ إضْجاعِهِ لِلذَّبْحِ. ولَنا، أنَّه لو عَطِبَ لم يَلْزَمْهُ شىءٌ، فالعَيْبُ أوْلَى؛ لأنَّ العَطَبَ يَذْهَبُ بِجَمِيعِه، والعَيْبُ يَنْقُصُه، ولأنَّه عَيْبٌ حَدَثَ بعدَ وُجُوبِهِ، فأشْبَه ما لو حَدَثَ بعدَ إضْجَاعِهِ. وإن تَعَيَّبَ بِفِعْلِ آدَمِىٍّ، فعليه ما
(15) فى المسند 4/ 225. ولفظه عنده: "ويخليهما للناس". فى حديثه عن بدنتين.
(16)
أخرجه مسلم بلفظ: "ست عشرة بدنة". فى: باب ما يفعل بالهدى إذا عطب. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 962. وأبو داود، فى: باب فى الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 408. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 217. كلهم عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وازدحف افتعل، أى وقف من التعب.
(17)
سقط من: أ، ب، م.