الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتَشْرِيفًا، وتَكْرِيمًا، ومَهَابَةً، وبِرًّا، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ كَثِيرًا، كما هُوَ أهْلُه، وكما يَنْبَغِى لِكَرَمِ وَجْهِه، وعِزِّ جَلَالِهِ، الحَمْدُ للهِ الذى بَلَّغَنِى بَيْتَهُ، ورَآنِى لذلك أهْلًا، والحَمْدُ للهِ على كلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إنَّكَ دَعَوْتَ إلى حَجِّ بَيْتِكَ الحَرَامِ، وقد جئتُكَ لذلك، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّى، واعْفُ عَنِّى، وأصْلِحْ لى شَأْنِى كُلَّه، لَا إلهَ إلَّا أنْتَ. قال الشَّافِعِىُّ، فى "مُسْنَدِهِ" (7): أخْبَرَنَا سَعِيدُ بنُ سالِمٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا رَأَى البَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وقال:"اللَّهُمَّ زِدْ هذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا، وتكْرِيمًا (8)، وتَعْظِيمًا، ومَهابَةً، وَبِرًّا، وزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ، مِمَّنْ حَجَّهُ واعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا، وتَكْرِيمًا، وتَعْظِيمًا، وَبِرًّا". ورَوَى (9) بإسْنَادِهِ عن سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، أنَّه كان حين يَنْظُرُ إلى البَيْتِ، يقول:"اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلَامُ، ومِنْكَ السَّلَامُ حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلامِ". قال بعضُ أصْحَابِنَا: يَرْفَعُ صَوْتَهُ بذلك.
فصل:
وإذا دَخَلَ المَسْجِدَ، فذَكَرَ فَرِيضَةً أو فَائِتَةً، أو أُقِيمَتِ الصلاةُ المَكْتُوبَةُ، قَدَّمَهُما على الطَّوَافِ، لأنَّ ذلك فَرْضٌ، والطَّوَافُ تَحِيَّةٌ، ولأنَّه لو أُقِيمَتِ الصلاةُ فى أثْناءِ طَوَافِه، قَطَعَهُ لأجْلِها، فلَأن يَبْدَأ بها أوْلَى. وإن خَافَ فَوْتَ رَكْعَتَىِ الفَجْرِ، أو الوِتْرِ، أو أُحْضِرَتْ جِنَازَةٌ، قَدَّمَها؛ لأنَّها سُنَّةٌ يُخَافُ فَوتُها، والطَّوَافُ لا يَفُوتُ.
610 - مسألة؛ قال: (ثُمَّ أتَى الْحَجَرَ الْأسْوَدَ، إنْ كَانَ، فَاستَلَمَهُ إنِ اسْتَطَاعَ، وقَبَّلَهُ)
مَعْنَى "اسْتَلَمَهُ" أى مَسَحَهُ بِيَدِه (1)، مَأْخُوذٌ من السَّلَامِ، وهى الحِجَارَةُ، فإذا مَسَحَ الحَجَرَ قِيلَ اسْتَلَمَ، أى: مَسَّ السَّلَامَ. قالَه ابنُ قُتَيْبَةَ (2). والمُسْتَحَبُّ
(7) ترتيب مسند الشافعى 1/ 339.
(8)
سقط من الأصل.
(9)
ترتيب مسند الشافعى 1/ 338.
(1)
فى م زيادة: "أى".
(2)
فى غريب الحديث 1/ 221.
لمن دَخَلَ المَسْجِدَ أن لا يُعَرِّجَ على شىءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالبَيْتِ، اقْتِدَاءً بِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإنَّه كان يَفْعَلُ ذلك، قال جابِرٌ فى حَدِيثِه الصَّحِيحِ: حتى أتَيْنَا البَيْتَ معه، استَلَمَ الرُّكْنَ، فرَمَلَ ثَلَاثًا، ومَشَى أرْبَعًا (3). وعن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عن عائشةَ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ مَكَّةَ، تَوَضَّأَ، ثم طَافَ بِالبَيْتِ. مُتَّفَقٌ عليه (4). ورَوَى ذلك عُرْوَةُ عن أبى بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعبدِ اللهِ بن عمرَ، ومُعاوِيَةَ، وابنِ الزُّبَيْرِ، والمُهَاجِرِينَ (5)، وعائشةَ، وأسْماءَ، ابنَتَىْ أبى بكرٍ، ولأنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ المَسْجِدِ الحَرامِ، فاسْتُحِبَّ البدايةُ (6) به، كما اسْتُحِبَّ لِدَاخِلِ غيرِه من المَسَاجِدِ أن يُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ. ويَبْتَدِئُ الطَّوَافَ بِالحَجَرِ الأسْوَدِ، فَيَستَلِمُه، وهو أن يَمْسَحَهُ بِيَدِه، ويُقَبِّلَهُ. قال أسْلَمُ: رَأيْتُ عمرَ بنَ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللهُ عنه، قَبَّلَ الحَجَرَ، وقال: إنِّى لأَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، ولَوْلَا أنِّى رَأَيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قبَّلَكَ ما قبَّلْتُكَ. مُتَّفَقٌ عليه (7). ورَوَى ابنُ مَاجَه (8)، عن ابنِ
(3) تقدم تخريجه فى صفحة 156.
(4)
أخرجه البخارى، فى: باب من طاف بالبيت، وباب الطواف على وضوء، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 186، 187، 192، 193. ومسلم، فى: باب بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 907.
(5)
فى حاشية الأصل زيادة: "سليمان" أى: "والمهاجر بن سليمان". وهو خطأ، ففى صحيح مسلم 2/ 907، أن عروة قال: ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك.
(6)
فى ب، م:"البداءة".
(7)
أخرجه البخارى، فى: باب تقبيل الحجر، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 186. ومسلم، فى: باب استحباب تقبيل الحجر. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 925، 926.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب تقبيل الحجر، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 433، والنسائى، فى: باب تقبيل الحجر، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 180. وابن ماجه، فى: باب استلام الحجر، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 981.
(8)
فى: باب استلام الحجر، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 982.
كما أخرجه الحاكم، فى: باب استلام الحجر وتقبيله والبكاء، من كتاب المناسك. المستدرك 1/ 454. وانظر ما قاله الزيلعى فيه، فى نصب الراية 3/ 38.
عمرَ، قال: اسْتَقْبَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الحَجَرَ، ثم وضَعَ شَفَتَيْهِ عليه يَبْكِى طَوِيلًا، ثم الْتَفَتَ، فإذا هو بِعمرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللهُ عنه، يَبْكِى، فقال:"يا عمرُ، هاهُنَا تُسْكَبُ العَبَرَاتُ". وقَوْلُ الخِرَقِىِّ: "إن كان" يَعْنِى إن كان الحَجَرُ في مَوْضِعِه لم يُذْهَبْ به، كما ذَهَبَ به القَرَامِطَةُ (9) مَرَّةً، حين ظَهَرُوا على مَكَّةَ، فإذا كان ذلك، والْعِيَاذُ بِاللهِ، فإنَّه يَقِفُ مُقَابِلًا لِمَكَانِه، ويَسْتَلِمُ الرُّكْنَ. وإن كان الحَجَرُ مَوْجُودًا في مَوْضِعِه، اسْتَلَمَهُ وقَبَّلَهُ. فإن لم يُمْكِنْهُ اسْتِلَامُهُ وتَقْبِيلُه، قامَ حِيَالَه، أى بحِذَائِه، واسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِه، فكَبَّرَ، وهَلَّلَ. وهكذا إن كان رَاكِبًا، فقد رَوَى البُخَارِىُّ (10)، عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: طَافَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم على بَعِيرٍ، كلَّما أتَى الحَجَرَ أشارَ إليه بِشىءٍ في يَدِهِ، وكَبَّرَ. ورُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال لِعمرَ:"إنَّكَ لَرَجُلٌ شَدِيدٌ، تُؤْذِى الضَّعِيفَ إذَا طُفْتَ بِالبَيْتِ، فَإِذَا رَأَيْتَ خَلْوَةً مِنَ الحَجَرِ فَادْنُ مِنْهُ، وإلَّا فَكَبِّرْ، ثُمَّ امْضِ"(11). فإن أمْكَنَهُ اسْتِلَامُ الحَجَرِ بِشىءٍ في يَدِه، كالعَصَا ونَحْوِها، فَعَلَ، فقد رَوَى ابنُ عَبّاسٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَافَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ (12). وهذا كله
(9) القرامطة: فرقة من الشيعة، قادهم أبو طاهر الجنابى سنة سبع عشرة وثلاثمائة إلى الحرم في يوم التروية، فقتل الحجاج قتلا ذريعا، وأخذ الحجر الأسود إلى قصبة حكمه هجر، واستعاده المسلمون بعد اثنتين وعشرين سنة. الكامل 8/ 207. سير أعلام النبلاء 15/ 320.
(10)
في: باب من أشار إلى الركن. . .، وباب التكبير عند الركن، وباب المريض يطوف راكبا، من كتاب الحج، وفي: باب الإشارة في الطلاق. . .، من كتاب الطلاق. صحيح البخاري، 2/ 186، 190، 7/ 66.
كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في الطواف راكبا، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 41. والنسائي، في: باب استلام الركن بمحجن، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 185، 186. والدارمى، في: باب الطواف على الراحلة، من كتاب المناسك. سنن الدارمي 2/ 43. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 264.
(11)
أخرجه البيهقى، في: باب الاستلام في الزحام، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 80. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 28. وعبد الرزاق، في: باب الزحام على الركن، من كتاب الحج. المصنف 5/ 36. وانظر: نصب الراية 3/ 39.
(12)
المحجن: عصا محنية الرأس. والحديث أخرجه البخاري، في: باب استلام الركن بالمحجن، من كتاب الحج. صحيح البخاري 2/ 185. ومسلم، في: باب جواز الطواف على بعير. . .، من كتاب الحج. =