الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أحمدُ، في رِوَايَةِ أبِى طَالِبٍ: إذا تَزَوَّجَتْ بغيرِ وَلِىٍّ، لم يكن لِلْوَلِىِّ أن يُزَوِّجَها من غيرِه حتَّى يُطَلِّقَ. ولأنَّ تَزْوِيجَها من غيرِ طَلَاقٍ يُفْضِى إلى أن يَجْتَمِعَ لِلْمَرْأةِ زَوْجَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ منهما يَعْتَقِدُ حِلَّها.
فصل:
وتُكْرَهُ الخِطْبَةُ لِلْمُحْرِمِ، [وخِطْبَةُ المُحْرِمَةِ، ويُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ](11) أن يَخْطُبَ لِلْمُحِلِّينَ؛ لأنَّه قد جاء في بعضِ ألْفَاظِ حَدِيثِ عثمانَ: "لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، ولا يُنْكِحُ، ولا يَخْطُبُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (12). ولأنَّه تَسَبُّبٌ إلى الحَرامِ، فأشْبَهَ الإِشَارَةَ إلى الصَّيْدِ. والإِحْرَامُ الفَاسِدُ كَالصَّحِيحِ فى مَنْعِ النِّكَاحِ، وسَائِرِ المَحْظُورَاتِ، لأنَّ حُكْمَهُ بَاقٍ فى وُجُوبِ ما يَجِبُ في الإحْرَامِ، فكذلك ما يَحْرُمُ به.
فصل: ويُكْرَهُ أن يَشْهَدَ فى (13) النِّكاحِ؛ لأنَّه مُعاوَنَةٌ على النِّكاحِ، فأشْبَهَ الخِطْبَةَ. وإن شَهِدَ أو خَطَبَ، لم يَفْسُدِ النِّكَاحُ. وقال بعضُ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ: لا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ المُحْرِمين؛ لأنَّ فى بعض الرِّوَايَاتِ: "ولا يَشْهَدُ". ولَنا، أنَّه لا مَدْخَلَ لِلشَّاهِدِ في العَقْدِ، فأشْبَهَ الخَطِيبَ (14)، وهذه اللَّفْظَةُ غيرُ مَعْرُوفَةٍ، فلم يَثْبُتْ بها حُكْمٌ. ومتى تَزَوَّجَ المُحْرِمُ، أو زَوَّجَ، أو زُوِّجَتْ مُحْرِمَةٌ، لم يَجِبْ بذلك فِدْيَةٌ؛ لأنَّه عَقْدٌ فسَدَ لأجْلِ الإِحْرامِ، فلم تَجِبْ به فِدْيَةٌ، كَشِرَاءِ الصَّيْدِ.
596 - مسألة؛ قال: (فَإنْ وَطِئ المُحْرِمُ فى الفَرْجِ فأَنْزَلَ، أو لَمْ يُنْزِلْ، فَقَدْ فَسَد حَجُّهُمَا، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ إنْ كَانَ استَكْرَهَهَا، وإنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ، فعَلَى كُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا بَدنَةٌ)
(11) مكان هذا فى الأصل: "وهو".
(12)
تقدَّم تخريجه فى صفحة 163.
(13)
سقط من: م.
(14)
فى أ، ب، م:"الخطبة".
أمَّا فَسادُ الحَجِّ بِالجِماعِ فى الفَرْجِ، فليس فيه اخْتِلَافٌ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ الحَجَّ لا يَفْسُدُ بإتْيَانِ شىءٍ فى حال الإِحْرَامِ إلَّا الجِمَاعَ. والأَصْلُ فى ذلك ما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ، فقال: إنِّى وَقَعْتُ بِامْرَأَتِى، ونحن مُحْرِمَانِ. فقال: أفْسَدْتَ حَجَّكَ، انْطَلِقْ أنتَ وأهْلُكَ مع النَّاسِ، فَاقْضُوا ما يَقْضُونَ، وحِلَّ إذا حَلُّوا، فإذا كان فى العام المُقْبِلِ فَاحْجُجْ أنتَ وامْرَأَتُكَ، واهْدِيَا هَدْيًا، فإن لم تَجِدَا، فصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فى الحَجِّ، وسَبْعَةً إذا رَجَعْتُمْ. وكذلك قال ابنُ عَبَّاسٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرو (1). ولم نعْلَمْ لهم فى عَصْرِهم مُخَالِفًا. رَوَى حَدِيثَهم (2) الأَثْرَمُ فى "سُنَنِه"(3)، وفى حَدِيثِ ابنِ عَبّاسٍ:"ويَتَفَرَّقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ، حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا". [قال ابنُ المُنْذِرِ: قولُ ابنِ عَبَّاسٍ أعْلَى شىءٍ رُوِىَ فى مَن وَطِئ فى حَجِّهِ](4). ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه. وبه قال ابنُ المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ولا فَرْقَ بين ما قبلَ الوُقُوفِ وبعدَه. وقال أبو حنيفةَ: إن جَامَعَ قبلَ الوُقُوفِ فَسَدَ حَجُّهُ، وإن جَامَعَ بعدَه لم يَفْسُدْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"الْحَجُّ عَرَفَةُ"(5). ولأنَّه مَعْنًى يَأْمَنُ به الفَوَاتَ، فأَمِنَ به
(1) فى ب، م:"عمر". خطأ.
(2)
سقط من: م.
(3)
وروى حديثهم البيهقى، فى: باب ما يفسد الحجّ، من كتاب الحجّ. السنن الكبرى 5/ 167، 168.
(4)
سقط من: أ.
(5)
أخرجه أبو داود، فى: باب من لم يدرك عَرَفَة، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 451، 452. والترمذى، فى: باب تفسير سورة البقرة، الآية {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ
…
}، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذي 11/ 98، 99. والنسائى، فى: باب فرض الوقوف بعرفة، من كتاب مناسك الحجّ. المجتبى 5/ 206. وابن ماجه، فى: باب من أتى عَرَفَة. . .، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1003. والدارمى، فى: باب بما يتم الحجّ، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 59. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 309، 310، 335. والبيهقى، فى: باب من أدرك الحجّ. . .، من كتاب الحجّ. السنن الكبرى 5/ 173. والدارقطنى، فى: باب المواقيت، من كتاب الحجّ. سنن الدارقطنى 2/ 241.
الفَسادَ، كالتَّحَلُّلِ. ولَنا، أنَّ قَوْلَ الصَّحابَةِ الذين رَوَيْنَا قَوْلَهم، مُطْلَقٌ فى مَن وَاقَعَ مُحْرِمًا، ولأَنَّه جِماعٌ صَادَفَ إحْرَامًا تَامًّا، فأفْسَدَهُ، كما قبلَ الوُقُوفِ. وقَوْلُه عليه السلام:"الحَجُّ عَرَفَةُ" يَعْنِى: مُعْظَمه. أو أنَّه رُكْنٌ مُتَأكَّدٌ فيه. ولا يَلْزَمُ مِن أَمْنِ الفَوَاتِ أَمْنُ الفَسَاد، بِدَلِيلِ العُمْرَةِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه يَجِبُ على المُجَامِعِ بَدَنَةٌ. رُوِىَ ذلك عن ابْنِ عَبَّاسٍ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، ومُجاهِدٍ، ومالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأبي ثَوْرٍ. وقال الثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ: عليه بَدَنَةٌ، فإن لم يَجِدْ فشَاةٌ. وقال أصْحَابُ الرَّأْىِ: إن جَامَعَ قبلَ الوُقوفِ فَسَدَ حَجُّهُ، وعليه شَاةٌ، وإن كان بعدَه فعليه بَدَنَةٌ، وحَجُّهُ صَحِيحٌ؛ لأنَّه قبلَ الوُقُوفِ معنًى يُوجِبُ القَضَاءَ، فلم يَجِبْ به بَدَنَةٌ، كالفَوَاتِ. ولَنا، أنَّه جِمَاعٌ صَادَفَ إحْرَامًا تَامًّا، فوَجَبَتْ به البَدَنَةُ، كبَعْد الوُقُوفِ، ولأنَّه قَوْلُ مَن سَمَّيْنَا من الصَّحابَةِ، ولم يُفَرِّقُوا بين قبْلَ (6) الوُقُوفِ وبعدَه. وأمَّا الفَواتُ فهو مُفَارِقٌ لِلْجِماعِ بِالإِجْماعِ، ولذلك لا يُوجِبُونَ فيه الشَّاةَ، بِخِلافِ الجِماعِ. وإذا كانت المَرْأَةُ مُكْرَهَةً على الجِمَاعِ، فلا هَدْىَ عليها، ولا على الرَّجُلِ أن يُهْدِىَ عنها. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه جِمَاعٌ يُوجِبُ الكَفَّارَةَ، فلم تُوجَبْ (7) حالَ الإِكْرَاهِ أَكْثَرُ مِن كَفَّارَةٍ واحِدَةٍ، كما فى الصيامِ. وهذا قولُ إسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وعن أحمدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: أنَّ عليه أن يُهْدِىَ عنها. وهو قولُ عَطاءٍ، ومالِكٍ؛ لأنَّ إفْسادَ الحَجِّ وُجِدَ منه فى حَقِّهِما، فكان عليه لإفْسَادِهِ حَجَّهَا هَدْىٌ، قِيَاسًا على حَجِّهِ. وعنه ما يَدُلُّ على أنَّ الهَدْىَ عليها؛ لأنَّ فَسَادَ الحَجِّ ثَبَتَ (8) بِالنِّسْبَةِ إليها، فكان الهَدْىُ عليها، كما لو طَاوَعَتْ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ أنَّ الهَدْىَ عليها، يَتَحَمَّلُهُ الزَّوْجُ عنها، فلا يكونُ رِوَايَةً ثَالِثَةً. فأمَّا حالَ المُطَاوَعَةِ، فعلى كلِّ واحِدٍ منهما
(6) سقط من: ب، م.
(7)
فى م: "تجب به".
(8)
فى الأصل: "يثبت".