الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإن تَرَكَ الوُقُوفَ عندَها والدُّعاءَ، تَرَكَ السُّنَّةَ، ولا شىءَ عليه. وبذلك قال الشَّافِعِىُّ، وأبو حنيفةَ، وإسحاقُ (23)، وأبو ثَوْرٍ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا، إلَّا الثَّوْرِىَّ. قال: يُطْعِمُ شيئا، وإن أرَاقَ دَمًا أحَبُّ إلىَّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ، فيكونُ نُسُكًا. ولَنا، أنَّه دُعَاءُ وُقُوفٍ مَشْرُوعٍ (24)، فلم يَجِبْ بِتَرْكِه شىءٌ، كحالَةِ رُؤْيَةِ البَيْتِ، كسَائِرِ الأدْعِيَةِ، ولأنَّها إحْدَى الجَمَرَاتِ، فلم يَجِب الوُقُوفُ عندَها والدُّعَاءُ، كالأُولَى، والنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ الوَاجِبَاتِ والمَنْدُوباتِ، وقد ذَكَرْنَا (25) الدَّلِيلَ على أن هذا نَدْبٌ.
فصل: والأوْلَى أن لا يَنْقُصَ فى الرَّمْىِ عن سَبْعِ حَصَيَاتٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. فإن نَقَصَ حَصَاةً أو حَصاتَيْنِ، فلا بَأْسَ، ولا يَنْقُصُ أكْثَرَ من ذلك. نَصَّ عليه. وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ، وإسحاقَ. وعنه: إن رَمَى بِسِتٍّ نَاسِيًا: فلا شىءَ عليه، ولا يَنْبَغِى أن يَتَعَمَّدَهُ، فإن تَعَمَّدَ ذلك، تَصَدَّقَ بِشَىءٍ. وكان ابنُ عمرَ يقولُ: ما أُبَالِى رَمَيْتُ بِسِتٍّ أو سَبْعٍ. [وقال ابنُ عَبَّاسٍ: ما أَدْرِى رَمَاهَا النبىُّ صلى الله عليه وسلم بِسِتٍّ أو سَبْعٍ](26). وعن أحمدَ، أنَّ عَدَدَ السَّبْعِ شَرْطٌ. ويُشْبِهُ (27) مَذْهَبَ الشَّافِعِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم رَمَىَ بِسَبْعٍ. وقال أبو حَيَّةَ: لا بَأْسَ بما رَمَى به الرَّجُلُ مِن الحَصَى. فقال عبدُ اللهِ بن عَمْرٍو: صَدَقَ أبو حَيَّةَ. وكان أبو حَيَّةَ بَدْرِيًّا. ووَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُولَى ما رَوَى ابنُ أبِى نُجَيْحٍ، قال: سُئِلَ طاوُسٌ عن رجلٍ تَرَكَ حَصَاةً؟ قال: يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ أو لُقْمَةٍ. فذَكَرْتُ ذلك لِمُجاهِدٍ، فقال: إن أبا عبد الرحمنِ لم يَسْمَعْ قَوْلَ سَعْدٍ، قال سَعْدٌ: رَجَعْنَا من
(23) سقط من: الأصل.
(24)
فى أ، ب، م زيادة:"له".
(25)
فى أ، ب، م:"ذكر".
(26)
سقط من: الأصل.
(27)
فى أ، ب، م:"ونسبه إلى".
الحَجَّةِ مع رَسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، بَعْضُنَا يقولُ: رَمَيْتُ بِسِتٍّ. وبَعْضُنَا يقولُ: بِسَبْعٍ. فلم يَعِبْ ذلك بَعْضُنا على بَعْضٍ. رَوَاهُ الأثْرَمُ، وغيرُه (28). ومتى أخَلَّ بِحَصاةٍ وَاجِبَةٍ من الأُولَى، لم يَصِحَّ رَمْىُ الثانيةِ حتى يُكْمِلَ الأُولَى، فإن لم يَدْرِ من أىِّ الجِمَارِ تَرَكها، بَنَى على اليَقِينِ. وإن أخَلَّ بِحَصَاةٍ غيرِ وَاجِبَةٍ، لم يُؤثِّرْ تَركُها.
657 -
مسألة؛ قال: (ويَفْعَلُ فِى الْيَوْمِ الثَّانِى كَمَا فَعَلَ (1) بِالْأَمْسِ، فَإنْ أحَبَّ أنْ يَتَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ، خَرَجَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَإنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ بِهَا، لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَرْمِىَ مِنْ (2) غَدٍ بَعْدَ الزَّوَالِ، كَمَا رَمَى بالْأمْسِ)
وجُمْلَتُه أنَّ الرَّمْىَ فى اليومِ الثانِى كالرَّمْىِ فى اليومِ الأوَّلِ، فى وَقْتِه وصِفَتِه وهَيْئَتِه، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. فإنْ أحَبَّ التَّعَجُّلَ فى يَوْمَيْنِ، خَرَجَ قبلَ الغُرُوبِ (3). وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ مَن أرَادَ الخُرُوجَ من مِنًى، شَاخِصًا عن الحَرَمِ، غيرَ مُقِيمٍ بمَكَّةَ، أن يَنْفِرَ بعدَ الزَّوَالِ فى اليَوْمِ الثَّانِى من أيَّامِ التَّشْرِيقِ، فإن أحَبَّ الإقامَةَ بمَكَّةَ، فقال أحمدُ: لا يُعْجِبُنِى لمن يَنْفِرُ النَّفْرَ الأوَّلَ أن يُقيمَ بمَكَّةَ. وكان مَالِكٌ يقولُ فى أهْلِ مَكَّةَ: مَن كان له عُذْرٌ فله أن يَتَعَجَّلَ فى يَوْمَيْنِ، فإن أرَادَ التَّخْفِيفَ عن نَفْسِه من أمْرِ الحَجِّ فلا. ويَحْتَجُّ مَن ذَهَبَ إلى هذا بقَوْلِ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه: مَن شَاءَ مِن النَّاسِ كلِّهم أن يَنْفِرَ فى النَّفْرِ الأوَّلِ، إلَّا آل خُزَيْمَةَ، فلا يَنْفِرُونَ إلَّا فى النَّفْرِ الآخِرِ. جَعَلَ أحمدُ وإسحاقُ مَعْنَى قَوْلِ عمرَ: إلَّا آل
(28) أخرجه النسائي، فى: باب عدد الحصى التى يرمى بها الجمار، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 223.
(1)
فى أ، ب، م:"يفعل".
(2)
فى الأصل: "فى".
(3)
فى الأصل: "المغرب".
خُزَيْمَةَ. أى أنَّهم أهْلُ حَرَمٍ (4). والمَذْهَبُ جَوازُ النَّفِيرِ فى النَّفْرِ الأوَّلِ لكلِّ أحَدٍ. وهو قولُ عامَّةِ العُلَماءِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (5). قال عَطاءٌ: هى لِلنَّاسِ عَامَّةً. ورَوَى أبو دَاوُدَ، وابنُ مَاجَه (6)، عن عبدِ الرحمنِ بن يَعْمُرَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"أيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ". قال ابنُ عُيَيْنَةَ: هذا أجْوَدُ حديثٍ رَوَاهُ سفيانُ. وقال وَكِيعٌ: هذا الحَدِيثُ أمُّ المَناسِكِ، وفيه زِيَادَةٌ أنا اخْتَصَرْتُه. ولأنَّه دَفْعٌ من مَكانٍ، فاسْتَوَى فيه أهْلُ مَكَّةَ وغَيْرُهم، كالدَّفْعِ من عَرَفَةَ [ومن مُزْدَلِفَة](7). وكلامُ أحمدَ فى هذا أرَادَ به الاسْتِحْبابَ، مُوَافَقَةً لِقَوْلِ عمرَ، لا غير. فمن أحَبَّ التَّعْجِيلَ فى النَّفْرِ الأوَّلِ، خَرَجَ قبلَ غُرُوبِ الشمس، فإن غَرَبَتْ قبلَ خُرُوجِه من مِنًى لم يَنْفِرْ، سواءٌ كان ارْتَحَلَ أو كان مُقِيمًا فى مَنْزِلِه، لم يَجُزْ له الخُرُوجُ. هذا قولُ عمرَ، وجابِرِ بن زيدٍ، وعَطاءٍ، وطَاوُسٍ، ومُجاهِدٍ، وأبانَ بن عثمانَ، ومَالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ: له أن يَنْفِرَ ما لم يَطْلُعْ فَجْرُ اليَوْمِ الثَّالِثِ؛ لأنَّه لم يَدْخُل [وَقْتُ رَمْىِ](8) اليومِ الآخرِ، فجازَ له النَّفْرُ كما قبلَ الغُرُوبِ. ولنا، قَوْلُه تعالى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} . واليوْمُ اسْمٌ لِلنَّهارِ، فمن أدْرَكَهُ اللَّيْلُ (9) فما تَعَجَّلَ فى يَوْمَيْنِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: وثَبَتَ عن ابنِ (10) عمرَ أنَّه قال: مَن أْدْرَكَهُ المَساءُ فى اليَوْمِ الثانِى، فلْيُقِمْ إلى الغَدِ حتى
(4) فى ب، م زيادة:"مكة".
(5)
سورة البقرة 203.
(6)
أخرجه أبو داود، فى: باب من لم يدرك عرفة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 451، 452. وابن ماجه، فى: باب من أتى عرفة. . .، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1003.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 4/ 309، 310، 335.
(7)
في الأصل، أ:"ومزدلفة".
(8)
سقط من: ب، م.
(9)
فى الأصل: "بالليل".
(10)
سقط من: أ، ب، م.