الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا (17) بُدَّ لها من أن تَرْجِعَ. وهذا لأنَّها لا بُدَّ لها من السَّفَرِ بغيرِ مَحْرَمٍ، فَمُضِيُّها إلى قَضَاءِ حَجِّها أَوْلَى. لكنْ إن كان حَجُّها تَطَوُّعًا، وأمْكَنَها الإِقَامَةُ فى بَلَدٍ، فهو أوْلَى من سَفَرِها بغيرِ مَحْرَمٍ.
فصل:
وليس لِلرَّجُلِ مَنْعُ امْرَأتِه من حَجَّةِ الإسْلامِ. وبهذا قال النَّخَعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وهو الصَّحِيحُ من قَوْلَىِ (18) الشَّافِعِىِّ. وله قَوْلٌ آخَرُ، له مَنْعُها منه. بنَاءً على أن الحَجَّ على التَّرَاخِى. ولَنا، أنَّه فَرْضٌ، فلم يكنْ له مَنْعُها منه، كصوْمِ رمضانَ، والصَّلَوَاتِ الخَمْسِ. ويُسْتَحَبُّ أن تَسْتَأْذِنَه فى ذلك. نَصَّ عليه أحمدُ. فإنْ أذِنَ، وإلَّا خَرَجَت بغيرِ إذْنِه. فأمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ، فله مَنْعُها منه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن أحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ أنَّ له مَنْعَها من الخُرُوجِ إلى الحَجِّ التَّطَوُّعِ. وذلك لأنَّ حَقَّ الزَّوْجِ وَاجِبٌ، فليس لها تَفْوِيتُه بما ليس بوَاجِبٍ، كالسَّيِّدِ مع عَبْدِه. وليس له مَنْعُها من الحَجِّ المَنْذُورِ؛ لأنَّه واجِبٌ عليها، أشْبَه حَجَّةَ الإِسلامِ.
فصل: ولا تَخْرُجُ إلى الحَجِّ فى عِدَّةِ الوَفاةِ. نَصَّ عليه أحمدُ. قال: ولها أن تَخْرُجَ إليه فى عِدَّةِ الطَّلَاقِ المَبْتُوتِ. وذلك لأنَّ لُزُومَ المَنْزِلِ، والمَبِيتَ فيه (19)، واجِبٌ فى عِدَّةِ الوَفاةِ، وقُدِّمَ على الحَجِّ، لأنَّه يَفُوتُ، والطَّلَاقُ المَبْتُوتُ لا يَجِبُ فيه ذلك. وأمَّا عِدَّةُ الرَّجْعِيَّة، فالْمَرْأَةُ فيه بمَنْزِلَتِها فى صُلْبِ (20) النِّكَاحِ، لأنَّها زَوْجَةٌ. وإذا خَرَجَتْ لِلْحَجِّ، فَتُوُفِّىَ زَوْجُها، وهى قَرِيبَةٌ، رَجَعَتْ لِتَعْتَدَّ فى مَنْزِلِها، وإن تَبَاعَدَتْ، مَضَتْ فى سَفَرِها. ذَكَرَهُ الخِرَقِىُّ فى مَوْضِعٍ آخَرَ.
(17) سقطت "لا" من: الأصل، أ.
(18)
فى ب، م:"قول".
(19)
سقط من: أ.
(20)
فى ب، م:"طلب".
541 -
مسألة؛ قال: (فَمَنْ فَرَّطَ فِيهِ (1) حَتَّى تُوُفِّىَ، أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِه حَجَّةٌ وعُمْرَةٌ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مَن وَجَبَ عليه الحَجُّ، وأمْكَنَه فِعْلُه، وَجَبَ عليه على الفَوْرِ، ولم يَجُزْ له تَأْخِيرُه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ. وقال الشَّافِعِىُّ: يَجِبُ الحَجُّ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، وله تَأْخِيرُه؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمَّرَ أبا بكرٍ على الحَجِّ (2)، وتَخَلَّفَ بالمَدِينَةِ، لا مُحَارِبًا، ولا مَشْغُولًا بشىءٍ، وتَخَلَّفَ أكْثَرُ الناسِ قادِرِينَ على الحَجِّ، ولأنَّه إذا أخَّرَه ثمَّ فَعَلَه فى السَّنَةِ الأُخْرَى لم يَكُنْ قَاضِيًا له، دَلَّ على أنَّ وُجُوبَه على التَّرَاخِى. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (3). وقولُه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (4). والأمْرُ على الفَوْرِ. وَرُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"مَنْ أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ (5) ". رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ، وأبو دَاوُدَ، وابنُ مَاجَه (6). وفى رِوَايَةِ أحمدَ، وابن مَاجَه: "فَإنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ
(1) سقط من: الأصل، أ.
(2)
حديث تأمير أبي بكر على الحجّ أخرجه البخارى، فى: باب ما يستر من العورة، من كتاب الصَّلاة، وفى: باب لا يطوف بالبيت عريان. . .، من كتاب الحجّ، وفى: باب كيف ينبذ إلى أهل العهد، من كتاب الجزية، وفى: باب حج أبي بكر بالناس فى سنة تسع، من كتاب المغازى، وفى: باب قوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} ، وباب قوله:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} وباب: {إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، فى تفسير سورة براءة، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 1/ 103، 2/ 188، 4/ 124، 5/ 212، 6/ 80، 81. ومسلم، فى: باب لا يحج البيت مشرك. . .، من كتاب الحجّ. صحيح مسلم 2/ 982. وأبو داود، فى: باب يوم الحجّ الأكبر، من كتاب المناسك. سنن أبو داود 1/ 451. والنسائى، فى: باب قوله عز وجل: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، من كتاب المناسك المجتبى 5/ 186، والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 3.
(3)
سورة آل عِمْران 97.
(4)
سورة البقرة 196.
(5)
فى الأصل، م:"فليعجل".
(6)
أخرجه الإِمام أحمد، فى: المسند 1/ 214، 225، 323، 355، وأبو داود، فى: باب حدَّثنا مسدد. . .، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 402. وابن ماجه، فى: باب الخروج إلى الحجّ، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 962.
المَرِيضُ، وتَضِلُّ الضّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحاجَةُ". قال أحمدُ: ورَوَاهُ الثَّوْرِىُّ، ووَكِيعٌ، عن أبِى إِسْرائِيلَ، عن فُضَيْلِ بن عَمْرٍو، عن سعيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن أخِيهِ الفَضْلِ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وعن علىٍّ رَضِىَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبْلِغُه إلَى بَيْتِ اللهِ، ولم يَحُجَّ، فَلَا عَلَيْهِ أنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا". قال التِّرْمِذِىُّ (7): لا نَعْرِفُه إلَّا من هذا الوَجْهِ، وفى إسْنَادِه مَقَالٌ: ورَوَى سَعِيدُ بن مَنْصُورٍ، بإسْنَادِه عن عبدِ الرحمنِ بن سَابِط، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ، ولمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإسْلَامِ، لَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضٌ حابِسٌ، أو سُلْطَانٌ جائِرٌ، أو حَاجَةٌ ظَاهِرةٌ، فَلْيَمُتْ عَلَى أىِّ حالٍ شَاءَ، يَهُودِيًّا، أو نَصْرَانِيًّا"(8). وعن عمرَ نحوُه من قَوْلِه. وكذلك عن ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّه عنهم. ولأنَّه أحَدُ أرْكانِ الإسلامِ، فكان وَاجِبًا على الفَوْرِ، كالصِّيامِ. ولأنَّ وُجُوبَه بِصِفَةِ التَّوَسُّعِ يُخْرِجُه عن رُتْبَةِ الوَاجِباتِ، لأنَّه يُؤَخَّرُ إلى غيرِ غَايَةٍ، ولا يَأْثَمُ بالمَوْتِ قبلَ فِعْلِه، لِكَوْنه فَعَلَ ما يَجُوزُ له فِعْلُه، وليس على المَوْتِ أمَارَةٌ يَقْدِرُ بعدَها على فِعْلِه. فأمَّا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّما فَتَحَ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وإنَّما أخَّرَهُ سَنَةَ تِسْعٍ، فيَحْتَمِلُ أنَّه كان له عُذْرٌ، من عَدَمِ الاسْتِطَاعَةِ، أو كَرِهَ رُؤْيَة المُشْرِكِينَ عُرَاةً حَوْلَ البَيْتِ، فأَخَّرَ الحَجَّ حتَّى بَعَثَ أبا بكرٍ يُنَادِى:"أنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، ولَا يَطُوفَ بالْبَيْتِ عُرْيَانٌ"(9). ويَحْتَمِلُ أنَّه أخَّرَهُ بأمْرِ اللهِ تعالى لِتَكُونَ حَجَّتُه (10) حَجَّةَ الوَدَاعِ فى السَّنَةِ التى اسْتَدَارَ فيها الزَّمَانُ كَهَيْئَتِه يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّموَاتِ والأَرْضَ، ويُصَادِفَ وَقْفَتُه (11) الجُمُعَةَ، ويُكْمِلَ اللهُ دِينَه.
(7) فى: باب ما جاء فى التغليظ فى ترك الحجّ، من أبواب الحجّ. عارضة الأحوذى 4/ 27. وانظر تلخيص الحبير 2/ 222، 223.
(8)
انظر تلخيص الحبير 2/ 222، 223.
(9)
تقدَّم تخريحه فى الصفحة السابقة.
(10)
سقط من: م.
(11)
فى أ، م:"وقفة".
ويُقال: إنَّه اجْتَمَعَ يَوْمَئِذٍ أعْيَادُ أهْلِ كُلِّ دِينٍ، ولم يَجْتَمِعْ قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ. فأمَّا تَسْمِيَةُ فِعْلِ الحَجِّ قَضَاءً، فإنَّه يُسَمَّى بذلك، قال اللهُ تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (12)، وعلى أنَّه لا يَلْزَمُ من الوُجُوبِ على الفَوْرِ تَسْمِيَةُ القَضاءِ؛ فإنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ على الفَوْرِ، ولو أخَّرَها لا تُسَمَّى قَضاءً، والقَضاءُ الوَاجِبُ على الفَوْرِ إذا أخَّرَهُ لا يُسَمَّى قَضاءَ القَضَاء، ولو غَلبَ على ظَنِّه فى الحَجِّ أنَّه لا يَعِيشُ إلى سَنَةٍ أُخْرَى، لم يَجُزْ له تَأْخِيرُه، فلو أَخَّرَهُ لا يُسَمَّى قَضاءً. إذا ثَبَتَ هذا عُدْنَا إلى شَرْحِ مَسْألَةِ الكِتَابِ، فنَقُولُ: متى تُوُفِّىَ مَنْ وَجَبَ عليه الحَجُّ ولم يَحُجَّ، وَجَبَ أن يُخْرَجَ عنه من جَمِيعِ مَالِه ما يُحَجُّ به عنه ويُعْتَمَرُ، سَوَاءٌ فَاتَه بِتَفْرِيطٍ أو بغيرِ تَفْرِيطٍ. وبهذا قال الحسنُ، وطَاوُسٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ، ومَالِكٌ: يَسْقُطُ بالمَوْتِ؛ فإنْ وَصَّى بها فهى من الثُّلُثِ. [وهذا قولُ](13) الشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ؛ لأنَّه عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَتَسْقُطُ بالمَوْتِ، كالصلاةِ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، أنَّ امْرأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عن أَبِيهَا، مَاتَ ولم يَحُجَّ؟ قال:"حُجِّى عَنْ أبِيكِ". وعنه، أنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أن تَحُجَّ، فماتَتْ، فأتَى أخوهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فسَأَلَهُ عن ذلك؟ فقال:"أرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُخْتِكَ دَيْنٌ، كُنْتَ (14) قَاضِيَهُ؟ " قال: نعم. قال: "فَاقْضُوا (15) اللهَ، فَهُوَ أحَقُّ بالقَضَاءِ"(16). رَوَاهُما النَّسَائِىُّ (17). ورَوَى هذا أبو دَاوُدَ الطَّيَالِيسىُّ، عن شُعْبَةَ، عن أبي بِشْرٍ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ولأنَّه حَقٌّ اسْتَقَرَّ عليه،
(12) سورة الحجّ 29.
(13)
فى م: "وبهذا قال".
(14)
فى ب، م:"أما كنت".
(15)
فى م زيادة: "دين".
(16)
فى المجتبى: "بالوفاء".
(17)
الأوَّل فى: باب الحجّ عن الميت الذى لم يحج، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 88. والثانى فى: باب الحجّ عن الميت الذى نذر أن يحج، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 87.