الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الفِدْيَةِ وجَزاءِ الصَّيْدِ
677 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ حَلَقَ أرْبَعَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا، عَامِدًا أوْ مُخْطِئًا، فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أوْ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أوْ ذَبْحُ شَاةٍ، أىَّ ذلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ)
الكلامُ فى هذه المسألةِ فى سِتَّةِ فُصُولٍ: الفصلُ (1) الأوَّل، أنَّ على المُحْرِمِ فِدْيَةً إذا حَلَقَ رَأْسَهُ. ولا خِلافَ فى ذلك. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على وُجوبِ الفِدْيَةِ علَى مَن حَلَقَ وهو مُحْرِمٌ بغير عِلَّةٍ. والأصْلُ فى ذلك قَوْلُه تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (2). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِكَعْبِ بن عُجْرَةَ: "لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟ " قال: نعم يا رسولَ اللهِ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "احْلِقْ رَأْسَكَ، وصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أوِ انْسُكْ شَاةً". مُتَّفَقٌ عليه (3). وفى لَفْظٍ: "أوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ". ولا فَرْقَ فى ذلك بين إزَالَةِ الشَّعْرِ بِالحَلْقِ، أو النُّورَةِ، أو قَصِّهِ (4)، أو غيرِ ذلك، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. الفصل الثانى، أنَّه لا فَرْقَ بين العامِدِ والمُخْطِئ، ومَن له عُذْرٌ ومَن لا عُذْرَ له، فى ظاهِرِ المذهبِ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ، ونحوُه عن الثَّوْرِىِّ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا فِدْيَةَ على النَّاسِى. وهو قَوْلُ إسْحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ؛
(1) سقط من: الأصل، ب، م.
(2)
سورة البقرة 196.
(3)
تقدم تخريجه فى صفحة 115.
(4)
فى أ، ب، م:"قصبة".
لِقَوْلِه عليه السلام: "عُفِىَ لأُمَّتِى عَنِ الخَطَأِ والنِّسْيَانِ"(5). ولَنا، أنَّه إتْلَافٌ، فاسْتَوَى عَمْدُهُ وخَطَأُهُ، كقَتْلِ الصَّيْدِ، ولأنَّ اللهَ تعالى أَوْجَبَ الفِدْيَةَ على مَن حَلَقَ رَأْسَهُ لأَذًى به وهو مَعْذُورٌ، فكان ذلك تَنْبِيهًا على وُجُوبِها على غيرِ المَعْذُورِ، ودَلِيلًا على وُجُوبِها على المَعْذُورِ بِنَوْعٍ آخَرَ، مِثْلُ المُحْتَجِمِ الذى يَحْلِقُ مَوْضِعَ مَحاجِمِه، أو شَعْرًا عن شَجَّتِه، وفى مَعْنَى النّاسِى النَّائِمُ الذى يَقْلَعُ شَعْرَهُ، أو يُصَوِّبُ شَعْرَهُ إلى تَنُّورٍ فيَحْرِقُ لَهَبُ النّارِ شَعْرَهُ، ونحوُ ذلك. الفصل الثالث، أنَّ الفِدْيَةَ هى أحدُ (6) الثَّلَاثَةِ المَذْكُورَةِ فى الآيةِ والخَبَرِ، أيُّها شاءَ فَعَلَ، لأنَّه أُمِرَ بها بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، ولا فَرْقَ فى ذلك بين المَعْذُورِ وغيرِه، والعَامِدِ والمُخْطِئ. وهو مذهبُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ. وعن أحمدَ، أنَّه إذا حَلَقَ لغير عُذْرٍ فعليه الدَّمُ، مِن غيرِ تَخْيِيرٍ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى خَيَّرَ بَشَرْطِ العُذْرِ، فإذا عُدِمَ الشَّرْطُ وَجَبَ زَوالُ التَّخْيِيرِ. ولنَا، أنَّ الحُكْمَ ثَبَتَ (7) فى غيرِ المَعْذُورِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا له، والتَّبَعُ لا يُخالِفُ أصْلَهُ، ولأنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ فيها إذا كان سَبَبُها مُبَاحًا ثَبَتَ كذلك إذا كان مَحْظُورًا، كجَزَاءِ الصَّيْدِ، ولا فَرْقَ بين قَتْلِه لِلضَّرُورَةِ إلى أكْلِه، أو لغيرِ ذلك، وإنَّما الشَّرْطُ لِجَوَازِ الحَلْقِ لا للتَّخْيِير. الفصل الرابع، أن القَدْرَ الذى يَجِبُ به الدَّمُ أرْبَعُ شَعَرَاتٍ فصاعِدًا، وفيه رِوَايَةٌ أُخْرَى، يَجِبُ فى الثَّلَاثِ ما فى حَلْقِ الرَّأْسِ. قال القاضى: هو المذهبُ. وهو قَوْلُ الحسنِ، وعَطاءٍ، وابنِ عُيَيْنَةَ، والشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّه شَعْرُ آدَمِىٍّ يَقَعُ عليه اسْمُ الجَمْعِ المُطْلَق، فجازَ أن يَتَعَلَّقَ به الدَّمُ كالرُّبْعِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَجِبُ الدَّمُ بدون رُبْعِ الرَّأْسِ؛ لأنَّ الرُّبْعَ يَقُومُ مَقَامَ الكُلِّ، ولهذا إذا رَأَى رَجُلًا يقول: رَأيْتُ فُلانًا. وإنَّما رَأَى إحْدَى جِهَاتِه. وقال مَالِكٌ: إذا حَلَقَ مِن رَأْسِه ما
(5) تقدم تخريجه فى: 1/ 146.
(6)
فى ب، م:"إحدى".
(7)
سقط من: الأصل.
أماطَ به الأذَى وَجَبَ الدَّمُ. وَوَجْهُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّ الأرْبَعَ كَثِيرٌ، فوَجَبَ به الدَّمُ، كَالرُّبْعِ فصاعِدًا، أمَّا الثَّلَاثَةُ فهى آخِرُ القِلَّةِ، وآخِرُ الشَّىْءِ منه، فأشْبَه الشَّعْرَةَ والشَّعْرَتَيْنِ، والاسْتِدْلَالُ بأن الرُّبْعَ يَقَعُ عليه اسْمُ الكُلِّ غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ ذلك لا يَتَقَيَّدُ بِالرُّبْعِ، وإنَّما هو مَجَازٌ يَتَنَاوَلُ الكثيرَ والقَلِيلَ. الفصل الخامس، أنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ وغيرَه سَواءٌ فى: وُجُوبِ الفِدْيَةِ؛ لأنَّ شَعْرَ غيرِ الرَّأْسِ يَحْصُلُ بِحَلْقِه التَّرَفُّهُ والتَّنَظُّفُ، فأشْبَه الرَّأْسَ. فإنْ حَلَقَ من شَعْرِ رَأْسِه وبَدَنِه، ففى الجَمِيعِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وإن كَثُرَ. وإنْ حَلَقَ من رَأسِهِ شَعْرَتَينِ، ومن بَدَنِه شَعْرَتَيْنِ، فعليه دَمٌ وَاحِدٌ. هذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، واخْتِيارُ أبى الخَطَّابِ، ومذهبُ أكْثَرِ الفقهاءِ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ أنَّ فيها رِوَايَتَيْنِ؛ إحْداهما كما (8) ذَكَرْنَا. والثانية، أنَّه إذا قَلَعَ من شَعْرِ رَأْسِه وبَدَنِه ما يَجِبُ الدَّمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ منهما مُنْفَرِدًا، ففيهما دَمانِ. وهو الذى ذَكَرَهُ القاضى وابنُ عَقِيلٍ، لأنَّ الرَّأْسَ يُخَالِفُ البَدَنَ؛ لحُصُول (9) التَّحَلُّلِ بحَلْقِه (10) دُونَ البَدَنِ. ولَنا، أنَّ الشَّعْرَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فى البَدَنِ، فلم تَتَعَدَّد الفِدْيَةُ فيه، بِاخْتِلافِ مَوَاضِعِه، كسَائِرِ البَدَنِ وكَاللِّبَاسِ، ودَعْوَى الاخْتِلَافِ تَبْطُلُ بِاللِّبَاسِ، فإنَّه يَجِبُ كَشْفُ الرَّأْسِ دُونَ غيرِه، والجَزاءُ فى اللِّبْسِ فيهما واحِدٌ. الفصل السادس، أنَّ الفِدْيَةَ الوَاجبَةَ بِحَلْقِ الشَّعْرِ هى المَذْكُورَةُ فى حَدِيثِ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"احْلِقْ رَأْسَكَ، وصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، أو انْسُكْ شَاةً". وفى لَفْظٍ: "أوْ أطْعِمْ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ". مُتَّفَقٌ عليه (11). وفى لَفْظٍ: "أو أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ بَيْنَ كُلِّ مِسْكِينَيْنِ (12) صَاعٌ". وفى لَفْظٍ: "فَصُمْ ثَلَاثَةَ
(8) سقط من: الأصل.
(9)
فى أ، ب، م:"بحصول".
(10)
في ب، م:"به".
(11)
تقدم تخريجه فى صفحة 115.
(12)
فى الأصل: "مسكين".