الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
623 -
مسألة؛ قال: (وإنْ (1) نَسِىَ الرَّمَلَ فِى بَعْضِ سَعْيِهِ، فَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الرَّمَلَ فى بَطْنِ الوَادِى سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَعَى، وسَعَى أصْحَابُه، فرَوَتْ صَفِيَّةُ بنتُ شَيْبَةَ، عن أُمِّ وَلَدِ شَيْبَةَ، قالتْ: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْعَى بين الصَّفَا والمَرْوَةِ، [وهو يقولُ] (2):"لَا يُقْطَعُ الْأبْطَحُ إلَّا شَدًّا". وليس ذلك بِوَاجِبٍ، ولا شىءَ على تَارِكِه؛ فإنَّ ابن عمرَ، قال: إن أسْعَ بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، فقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْعَى، وإن أمْشِ، فقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِى، وأنا شَيْخٌ كَبِيرٌ. رَوَاهُما ابنُ مَاجَه (3)، ورَوَى هذا أبو دَاوُدَ (4). ولأنَّ تَرْكَ الرَّمَلِ فى الطَّوَافِ بِالبَيْتِ لا شىءَ فيه، فبَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ أوْلَى.
فصل:
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فى السَّعْىِ، فرُوِىَ عن أحمدَ أنَّه رُكْنٌ، لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به. وهو قَوْلُ عائشةَ، وعُرْوَةَ، ومَالِكٍ، والشَّافِعِىِّ؛ لما رُوِىَ عن عائشةَ، قالت: طَافَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وطَافَ المُسْلِمُونَ -يَعْنِى بين الصَّفَا والمَرْوَةِ- فكانتْ سُنَّةً، فَلَعَمْرِى ما أتَمَّ اللهُ حَجَّ مَن لم يَطُفْ بين الصَّفَا والمَرْوَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (5). وعن حَبِيبَةَ بنتِ أبِى تَجْرَاةَ (6)، إحْدَى نِسَاء بنِى عَبْدِ الدَّارِ،
(1) فى ب، م:"ومن".
(2)
فى ب، م:"ويقول".
(3)
فى: باب السعى بين الصفا والمروة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 995.
كما أخرج الأول النسائى، فى: باب السعى فى بطن المسيل، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 194.
(4)
فى: باب أمر الصفا والمروة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 439.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى السعى. . .، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 97. والنسائى، فى: باب المشي بينهما، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 193، 194. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 60، 61، 120.
(5)
فى: باب بيان أن السعى بين الصفا والمروة ركن. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 928، 929.
كما أخرجه البخارى، فى: باب يفعل فى العمرة ما يفعل فى الحج، من كتاب العمرة. صحيح البخارى 3/ 7. وابن ماجه، فى: باب السعى بين الصفا والمروة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 994، 995.
(6)
فى ب، م:"شجراء" تصحيف. وهى العبدرية، يقولون: إنهم من الأزد حلفاء بنى عبد الدار،
صحابية. انظر ترجمتها فى: الطبقات الكبرى، لابن سعد 8/ 180، وحاشية المشتبه 112.
قالت: دَخَلْتُ مع نِسْوَةٍ من قُرَيْشٍ دَارَ آل أبى حُسَيْنٍ، ننْظُرُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَسْعَى بين الصَّفَا والمَرْوَةِ، وإنَّ مِئْزَرَهُ ليَدُورُ فى وَسَطِه مِن شِدَّةِ سَعْيِه، حتى إنِّى لَأَقُولُ: إنِّى لأَرَى رُكْبَتَيْهِ. وسَمِعْتُه يَقُولُ: "اسْعُوا، فَإنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْىَ". رَوَاهُ ابنُ مَاجَه (7). ولأنَّه نُسُكٌ فى الحَجِّ والعُمْرَةِ، فكان رُكْنًا فيهما، كالطَّوَافِ بِالبَيْتِ. ورُوِىَ عن أحمدَ أنَّه سُنَّةٌ، لا يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عَبَّاسٍ، وأنَسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، وابنِ سِيرِينَ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (8). ونَفْىُ الحَرَجِ عن فَاعِلِهِ دَلِيلٌ على عَدَمِ وُجُوبِه، فإنَّ هذا رُتْبَةُ المُبَاحِ، وإنَّما ثَبَتَ سُنِّيَّتُه بِقَوْلِه:{مِنْ شَعَائِر اللهِ} . وَرُوِىَ أنَّ فى مُصْحَفِ أُبَىٍّ وابنِ مسعودٍ: "فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا". وهذا إن لم يَكُنْ قُرْآنًا فلا يَنْحَطُّ عن رُتْبَةِ الخَبَرِ؛ لأنَّهما يَرْوِيَانِه عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّه نُسُكٌ ذو عَدَدٍ لا يَتَعَلَّقُ بِالبَيْتِ، فلم يَكُنْ رُكْنًا كَالرَّمْىِ. وقال القَاضِى: هو وَاجِبٌ. ولَيْسَ بِرُكْنٍ، إذا تَرَكَهُ وَجَبَ عليه دَمٌ. وهو مذهبُ الحسنِ، وأبي حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ. وهو أوْلَى؛ لأنَّ دَلِيلَ مَن أوْجَبَهُ دَلَّ على مُطْلَقِ الوُجُوبِ، لا على كَوْنِه لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به. وقَوْلُ عائشةَ فى ذلك مُعَارَضٌ بِقَوْلِ مَنْ خَالَفَها مِن الصَّحَابَةِ. وحَدِيثُ بِنْتِ أبي تَجْرَاةَ، قال ابنُ المُنْذِرِ: يَرْوِيهِ عبْدُ اللهِ بن المُؤَمَّل، وقد تَكَلَّمُوا فى حَدِيثِه. ثم إنَّه (9) يَدُلُّ على أنَّه مَكْتُوبٌ، وهو الوَاجِبُ. وأمَّا الآيَةُ فإنَّها نَزَلَتْ لمَّا تَحَرَّجَ نَاسٌ من السَّعْىِ فى الإسلامِ، لِمَا كانوا يَطُوفُونَ بينهما فى الجَاهِلِيَّةِ، لأجْلِ صَنَمَيْنِ كانا على الصَّفَا والمَرْوَةِ. كذلك قالت عائشةُ.
(7) ليس فى سنن ابن ماجه، وقد نبه إلى هذا الألبانى، فى إرواء الغليل 4/ 270. والحديث أخرجه البيهقى، فى: باب وجوب الطواف بين الصفا والمروة، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 97، 98. والإمام أحمد، فى: المسند 6/ 422. والدارقطنى، فى: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 256. والحاكم، فى: باب ذكر حبيبة بنت أبى تجراة، من كتاب معرفة الصحابة. المستدرك 4/ 70.
(8)
سورة البقرة 158.
(9)
فى أ، ب، م:"هو".