الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه رِوايَتانِ؛ إحْدَاهما، يجوزُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّها حَجَّةٌ لا تَلْزَمُه بِنَفْسِه، فجَازَ أن يَسْتَنِيبَ فيها، كالمَعْضُوبِ (8). والثانية، لا يجوزُ. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه قادِرٌ على الحَجِّ بِنَفْسِه، فلم يَجُزْ أن يَسْتَنِيبَ فيه، كالفَرْضِ.
فصل:
فإن كان عاجِزًا عنه عَجْزًا مَرْجُوَّ الزَّوَالِ، كالمَرِيضِ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُه، والمَحْبُوسِ، جازَ له أن يَسْتَنِيبَ فيه؛ لأنَّه حَجٌّ لا يَلْزَمُه، عَجَزَ عن فِعْلِه بنَفْسِه، فَجازَ له أن يَسْتنِيبَ فيه، كالشَّيْخِ الكَبِير، والفَرْقُ بينَه وبينَ الفَرْضِ، أَن الفَرْضَ عِبادَةُ العُمْرِ، فلا يَفُوتُ بِتَأْخِيرِه عن هذا العامِ، والتَّطَوُّعُ مَشْرُوعٌ فى كلِّ عَامٍ، فيَفُوتُ حَجُّ هذا العامِ بِتَأْخِيرِه، ولأنَّ حَجَّ الفَرْضِ إذا ماتَ قبلَ فِعْلِه، فُعِلَ بعد مَوْتِه، وحَجَّ التَّطَوُّعِ لا يُفْعَلُ، فيَفُوتُ.
فصل: وفى الاسْتِئْجَارِ على الحَجِّ، والأذانِ، وتَعْلِيمِ القُرْآنِ والفِقْهِ، ونَحْوِه، ممَّا يَتَعَدَّى نَفْعُه، ويَخْتَصُّ فاعِلُه أن يكون من أَهْلِ القُرْبَةِ، رِوَايَتانِ: إحْداهُما، لا يجوزُ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ، وإسحاقَ. والأُخْرَى، يجوزُ. وهو مذهبُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وابْنِ المُنْذِرِ، لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أَحَقُّ ما أخَذْتُمْ عَلَيْهِ أجْرًا كِتَابُ اللهِ". رَوَاهُ البُخَارِىُّ (9). وأخَذَ أصْحابُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم الجُعْلَ على الرُّقْيَةِ بكِتَابِ اللهِ، وأخْبَرُوا بذلك النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَصَوَّبَهُم فيه (10). ولأنَّه يجوزُ أَخْذُ
(8) المعضوب: الضعيف والزمن لا حراك به.
(9)
فى: باب ما يعطى فى الرقية. . . إلخ، من كتاب الإِجارة، معلقا، وفى: باب الشرط فى الرقية بقطيع من الغنم، من كتاب الطب. صحيح البخارى 3/ 121، 7/ 171.
(10)
سقطت كلمة "فيه" من: أ. والحديث أخرجه البخارى، فى: باب ما يعطى فى الرقية. . .، من كتاب الإِجارة، وفى: باب فاتحة الكتاب، من كتاب فضائل القرآن، وفى: باب الرقى بفاتحة الكتاب، وباب النفث فى الرقية، من كتاب الطب. صحيح البخارى 3/ 122، 6/ 231، 7/ 170، 173. ومسلم، فى: باب جواز أخذ الأجرة على الرقية. . .، من كتاب الطب. صحيح مسلم 4/ 1727، 1728. وأبو داود، فى: باب فى كسب الأطباء، من كتاب البيوع، وفى: باب كيف الرقى، من كتاب الطب. سنن أبى داود 2/ 238، 340. والترمذى، فى: باب ما جاء فى أخذ الأجر على التعويذ، من أبواب الطب. عارضة الأحوذى 4/ 218 - 223. وابن ماجه، فى: باب أجر الراقى، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 729. والإِمام أحمد، فى: المسند 3/ 2، 10، 44، 50، 83، 5/ 211.
النَّفَقَةِ عليه، فجازَ الاسْتِئْجَارُ عليه، كبِناءِ المساجِدِ والقَنَاطِرِ. ووَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُولَى أنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ كان يُعَلِّمُ رَجُلًا القُرْآنَ، فأهْدَى لَه قَوْسًا، فسَألَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له:"إنْ سَرَّكَ أنْ تَتَقَلَّدَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ، فَتَقَلَّدْهَا"(11). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِعُثمانَ بن أبى العَاصِ: "وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا، لَا يَأْخُذُ عَلَى أذَانِهِ أَجْرًا"(12). ولأنَّها عِبادَةٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُها أن يكونَ من أهْلِ القُرْبَةِ، فلم يَجُزْ أخْذُ الأُجْرَةِ عليها، كالصلاةِ، والصَّوْمِ. وأمَّا الأحادِيثُ التى فى أخْذِ الجُعْلِ والأُجْرَةِ، فإنَّما كانت فى الرُّقْيَةِ، وهى قَضِيَّةٌ فى عَيْنٍ، فتَخْتَصُّ بها. وأمَّا بِناءُ المَساجِدِ، فلا يَخْتَصّ فَاعِلُه أن يكونَ من أَهْلِ القُرْبَةِ، ويجوزُ أن يَقَعَ قُرْبَةً وغيرَ قُرْبَةٍ، فإذا وَقَعَ بأُجْرَةٍ لم يكنْ قُرْبَةً، ولا عِبَادَةً، ولا يَصِحُّ (13) هاهُنا أن يكونَ غيرَ عِبادَةٍ، ولا يجوزُ الاشْتِرَاكُ فى العِبادَةِ، فمتى فَعَلَهُ مِن أجْلِ الأُجْرَةِ خَرَجَ عن كَوْنِه عِبَادَةً، فلم يَصِحَّ، ولا يَلْزَمُ مِن جَوَازِ أَخْذِ النَّفَقَةِ جَوَازُ أَخْذِ الأُجْرَةِ، بِدَلِيلِ القَضاءِ والشَّهادَةِ والإِمامَةِ، يُؤْخَذُ عليها الرِّزْقُ من بَيْتِ المالِ، وهو نَفَقَةٌ فى المَعْنَى، ولا يجوزُ أخْذُ الأُجْرَةِ عليها. وفائِدَةُ الخِلَافِ، أنَّه متى لم يَجُزْ أَخْذُ الأُجْرَةِ عليها، فلا يكونُ إلَّا نَائِبًا مَحْضًا، وما يُدْفَعُ إليه من المالِ يكونُ نَفَقَةً لِطرَيقِه، فلو ماتَ، أو أُحْصِرَ، أو مَرِضَ، أو ضَلَّ الطَّرِيقَ، لم يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ لِمَا أنْفَقَ. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه إِنْفاقٌ بإذْنِ صَاحِبِ المالِ، فأشْبَهُ ما لو أذِنَ له فى سَدِّ بَثْقٍ (14) فَانْبَثَقَ ولم يَنْسَدَّ. وإذا نَابَ عنه آخَرُ، فإنَّه يَحُجُّ من حَيْثُ بَلَغَ النائِبُ
(11) أخرجه أبو داود، فى: باب فى كسب المعلم، من كتاب البيوع: سنن أبى داود 2/ 237. وابن ماجه، فى: باب الأجر على تعليم القرآن، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 730. والإِمام أحمد، فى: المسند 5/ 315.
(12)
تقدم تخريجه فى 2/ 70.
(13)
فى م: "يصلح".
(14)
البثق: موضع اندفاع الماء من نهر ونحوه.