الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: إنَّما الرَّفَثُ ما رُوجِعَ به النِّساءُ. وفى لَفْظٍ: ما قِيلَ من ذلك عندَ النِّساءِ. وكلُّ ما فُسِّرَ به الرَّفَثُ يَنْبَغِى لِلمُحْرِمِ أن يَجْتَنِبَهُ، إلَّا أنَّه فى الجِماعِ أظْهَرُ؛ لما ذَكَرْنَا من تَفْسِيرِ الأئِمَّةِ له بذلك، ولأنَّه قد جاءَ فى الكِتابِ فى مَوْضِعٍ آخَرَ، وأُرِيدَ به الجِماعُ، قال اللهُ تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (7) فأمَّا الفُسُوقُ: فهو السِّبَابُ؛ لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ". مُتَّفَقٌ عليه (8). وقِيلَ: الفُسُوقُ: المَعَاصِى. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ عمرَ، وعَطاءٍ، وإبراهيمَ. وقالوا أيضًا: الجِدَالُ: المِرَاءُ. وقال ابنُ عَبَّاسٍ: هو أن تُمَارِىَ صَاحِبَكَ حتى تُغْضِبَهُ. والمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِن ذلك كُلِّه، قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَجَّ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِه، كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". مُتَّفَقٌ عليه (9). وقال مُجاهِدٌ، فى قَوْلِه تعالى:{وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (10). أى: لا مُجَادَلَةَ، ولا شَكَّ فى الحَجِّ أنَّه فى ذِى الْحِجَّةِ. وقَوْلُ الجُمْهُورِ أَوْلَى.
569 - مسألة؛ قال: (ويُسْتَحَبُّ له قِلَّةُ الكَلَامِ، إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ، وقَدْ رُوِىَ عَنْ شُرَيْحٍ، أنَّه كَانَ إذَا أَحْرَمَ كَأنَّهُ حَيَّةٌ صَمَّاءُ)
(7) سورة البقرة 187.
(8)
أخرجه البخارى، فى: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، من كتاب الإيمان، وفى: باب ما يُنهى من السباب واللعن، من كتاب الأدب، وفى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدى كفارا. . ."، من كتاب الفتن. صحيح البخارى 1/ 19، 8/ 18، 9/ 63. ومسلم، فى: باب بيان قول النبى صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق. . ."، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 81.
كما أخرجه الترمِذى، فى: باب حدثنا محمود بن غيلان، من أبواب البر، وفى: باب ما جاء سباب المؤمن فسوق، من أبواب الإيمان. عارضة الأحوذى 8/ 152، 10/ 101. والنسائى، فى: باب قتال المسلم، من كتاب التحريم. المجتبى 7/ 111، 112. وابن ماجه، فى: باب فى الإيمان، من المقدمة، وفى: باب سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 1/ 27، 2/ 1299، 1300. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 176، 178، 385، 411، 417، 433، 439، 446، 454، 460.
(9)
تقدم تخريجه فى صفحة 19.
(10)
سورة البقرة 197.
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ قِلَّةَ الكلامِ فيما لا يَنْفَعُ مُسْتَحَبَّةٌ فى كل حالٍ، صِيَانَةً لِنَفْسِه عن اللَّغْوِ، والوُقُوعِ فى الكَذِبِ، وما لا يَحِلُّ، فإنَّ مَن كَثُرَ كَلَامُه كَثُرَ سَقَطُهُ، وفى الحديثِ، عن أبى هُرَيْرَةَ، عن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ"(1). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. مُتَّفَقٌ عليه. وعنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ المَرْءِ، تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"(2). رَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ، عن الزُّهْرِىِّ، عن أبِى سَلَمَةَ، عن أبِى هُرَيْرَةَ. وَرُوِىَ فى "المُسْنَدِ"(3)، عن الحسينِ بنِ علىٍّ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. وقال أَبو دَاوُدَ: أُصُولُ السُّنَنِ أرْبَعَةُ أحادِيثَ، هذا أحَدُها. وهذا فى حالِ الإحْرامِ أشَدُّ اسْتِحْبَابًا؛ لأنَّه حالُ (4) عِبادَةٍ واسْتِشْعَارٍ بِطَاعَةِ اللهِ عز وجل، فَيُشْبِهُ الاعْتِكافَ، وقد احْتَجَّ أحمدُ على ذلك، بأنَّ شُرَيْحًا، رحمه الله، كان إذا أحْرَم كَأنَّه حَيَّةٌ صَمَّاءُ. فيُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ أن يَشْتَغِلَ بِالتَّلْبيَةِ، وَذِكْرِ اللهِ تعالى، أو قِراءَةِ القُرْآنِ، أو أمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، أو نَهْى عن مُنْكَرٍ، أَو تَعْلِيمٍ لِجَاهِلٍ، أو يَأْمُرَ بِحَاجَتِه، أو يَسْكُتَ، وإن تَكَلَّمَ بما لا مَأثَمَ فيه، أو أنْشَدَ شِعْرًا لا يَقْبُحُ، فهو
(1) أخرجه البخارى، فى: باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، وباب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه. . .، من كتاب الأدب، وفى: باب حفظ اللسان. . .، من كتاب الرقاق. صحيح البخارى 8/ 13، 39، 125. ومسلم، فى: باب الحث على إكرام الجار. . .، من كتاب الإيمان، وفى: باب الضيافة ونحوها، من كتاب اللقطة. صحيح مسلم 1/ 68، 3/ 1353. وأبو داود، فى: باب فى حق الجوار، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 632. والترمذى، فى: باب حدثنا سويد. . .، من أبواب القيامة. عارضة الأحوذى 9/ 309. والإمام مالك، فى: باب جامع ما جاء فى الطعام والشراب، من كتاب صفة النبى صلى الله عليه وسلم. الموطأ 2/ 929. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 174، 267، 433، 4/ 31، 6/ 69، 384، 385.
(2)
تقدم تخريجه فى 4/ 480.
(3)
المسند 1/ 201. ولفظه فيه: "إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه".
كما أخرجه الترمذى، فى: باب حدثنا سليمان بن عبد الجبار، من أبواب الزهد. عارضة الأحوذى 9/ 196، 197.
(4)
سقط من الأصل.