الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، وليس فى هذا كله اخْتِلَافٌ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: لا يجوزُ لباسُ شىءٍ مِن المَخِيطِ عندَ جَمِيعِ أهْلِ العِلْمِ، وأجْمَعُوا على أنَّ المُرَادَ بهذا الذُّكُورُ دُونَ النِّساءِ.
572 - مسألة؛ قال: (فَإنْ لم يَجِدْ إزَارًا، لَبِسَ السَّرَاوِيلَ، وَإنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، لَبِسَ الخُفَّيْنِ، ولَا يَقْطَعْهُما، ولَا فِدَاءَ عَلَيْهِ)
لا نَعْلَمُ خِلافًا بين أهْلِ العِلْمِ، فى أنَّ لِلْمُحْرِمِ أن يَلْبَسَ السَّراوِيلَ، إذا لم يَجِدِ الإزارَ، والخُفَّيْنِ إذا لم يَجِدْ نَعْلَيْنِ. وبهذا قال عَطاءٌ، وعِكْرِمَةُ، والثَّوْرِىُّ، ومَالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وغَيْرُهم. والأصْلُ فيه ما رَوَى ابن عَبَّاسٍ، قال: سمعتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ، يقولُ:"مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَس الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَس سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ". مُتَّفَقٌ عليه (1). ورَوَى جابِرٌ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذلك. أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1). ولا فِدْيَةَ عليه فى لُبْسِهما عندَ ذلك، فى قَوْلِ مَن سَمَّيْنَا، إلَّا مَالِكًا وأبا حنيفةَ، قالا: على كُلِّ (2) مَن لَبِسَ السَّرَاوِيلَ الفِدْيَةُ؛ لِحديثِ ابنِ عمرَ الذى قَدَّمْناهُ (3). ولأنَّ ما وَجَبَتِ الفِدْيَةُ بِلُبْسِه مع وُجُودِ الإزَارِ، وَجَبَتْ مع عَدَمِه، كالقَمِيصِ. ولَنا، خَبَرُ ابنِ عَبّاسٍ، وهو صَرِيحٌ فى الإباحةِ، ظَاهِرٌ فى إسْقِاطِ الفِدْيَةِ، لأنَّه أُمرَ بِلُبْسِه، ولم يَذْكُرْ فِدْيَةً، ولأنَّه يَخْتَصُّ لُبْسُه بِحالَةِ عَدَمِ غَيْرِه، فلم تَجِبْ به فِدْيَةٌ، كالخُفَّيْنِ المَقْطُوعَيْنِ. وحديثُ ابنِ عمرَ مَخْصُوصٌ بِحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ وجابِرٍ. فأمَّا القَمِيصُ فيُمْكِنُه أن يَتَّزِرَ به من غير لُبْسٍ، ويَسْتَتِرَ، بِخِلافِ السَّرَاوِيلِ.
فصل:
وإذا لَبِسَ الخُفَّيْنِ، لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ، لم يَلْزَمْهُ قَطْعُهما، فى المَشْهُورِ عن أحمدَ، ويُرْوَى ذلك عن علىِّ بن أبِى طالِب، رضِىَ اللهُ عنه. وبه قال عَطاءٌ،
(1) تقدم تخريجه فى صفحة 76.
(2)
سقط من: أ، ب، م.
(3)
فى الصفحة السابقة.
وعِكْرِمَةُ، وسَعِيدُ بن سَالِمٍ القَدَّاحُ (4). وعن أحمَدَ، أنَّه يَقْطَعُهما، حتى يَكُونا أسْفَلَ من الكَعْبَيْنِ، فإنْ لَبِسَهما من غيرِ قَطْعٍ، افْتَدَى. وهذا قولُ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، ومالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"فَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَس الخُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ". مُتَّفَقٌ عليه (5)، وهو مُتَضَمِّنٌ لِزيادَةٍ على حديثِ ابنِ عَبّاسٍ، وجابِرٍ، والزِّيادَةُ من الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. قال الخَطَّابِىُّ (6): العَجَبُ من أحمدَ فى هذا، فإنَّه لا يَكادُ يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُه، وقَلَّتْ سُنَّةٌ لم تَبْلُغْهُ. واحْتَجَّ أحمدُ بِحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، وجابِرٍ: مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ". مع قولِ علىٍّ رَضِىَ اللهُ عنه: قَطْعُ الخُفَّيْنِ فَسَادٌ، يَلْبَسُهما كما هما. مع مُوافَقَةِ القِياس، فإنَّه مَلْبُوسٌ أُبِيحَ لِعَدَمِ غيرِه، فأشْبَهَ السَّرَاوِيلَ، وقَطْعُه لا يُخْرِجُهُ عن حَالَةِ الحَظْرِ (7)، فإنَّ لُبْسَ المَقْطُوعِ مُحَرَّمٌ مع القُدْرَةِ على النَّعْلَيْنِ، كلُبْسِ الصَّحِيحِ، وفيه إتْلافُ مَالِه، وقد نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عن إضَاعَتِه. فأمَّا حديثُ ابنِ عمرَ، فقد قِيلَ إنَّ قَوْلَه:"ولْيَقْطَعْهُما" مِن كلامِ نَافِعٍ. كذلك رَويْنَاهُ فى "أمالِى أبى القَاسِمِ بن بِشْرَانَ"(8)، بإسْنادٍ صَحِيحٍ، أنَّ نَافِعًا قال بعدَ رِوَايَتِه لِلْحَدِيثِ: وْليَقْطَع الخُفَّيْنِ أسْفَلَ من الكَعْبَيْنِ. ورَوَى ابنُ أبى موسى، عن صَفِيَّةَ بنت أبِى عُبَيْدٍ، عن عائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَخَّصَ لِلْمُحْرِمِ أنْ يَلْبَسَ الخُفَّيْنِ، ولا يَقْطَعَهُما، وكان ابنُ عمرَ يُفْتِى
(4) أبو عثمان سعيد بن سالم القداح المكى، روى عن الثورى، وروى عنه الشافعى، وهو ثقة، توفى قبل المائتين. تهذيب التهذيب 4/ 35.
(5)
تقدم فى الصفحة قبل السابقة.
(6)
فى معالم السنن 2/ 176، 177.
(7)
فى النسخ: "الخطر".
(8)
أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد اللَّه بن بشران الأموى، المحدث الثقة، توفى سنة ثلاثين وأربعمائة، ونسخة أماليه فى الظاهرية. تاريخ التراث العربى 1/ 1/ 478.