الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن عمْرَته، وأقَامَ على إحْرَامِه، وكان قَارِنًا. وقال الشَّافِعِىُّ: يجوزُ نَحْرُه بعدَ الإِحْرامِ بِالحَجِّ. قَوْلًا وَاحِدًا، وفيما قَبْلَ ذلك، بعدَ حِلِّهِ من العُمْرَةِ، احْتَمالانِ؛ وَوَجْهُ جَوَازِه أنَّه دَمٌ يَتَعَلَّقُ بِالإِحْرامِ، ويَنُوبُ عنه الصِّيامُ، فجازَ قبلَ يومِ النَّحْرِ، كَدَمِ الطِّيبِ واللِّباسِ، ولأنَّه يجوزُ إبْدَالُه قبلَ يومِ النَّحْرِ، فجازَ أدَاؤُه قبلَه، كسائِرِ الفِدْيَاتِ.
669 - مسألة؛ قال: (فَإنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَكُونُ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ)
لا نَعْلَمُ بين أهْلِ العِلْمِ خِلافًا، فى أنَّ المُتَمَتِّعَ إذا لم يَجِد الهَدْىَ، يَنْتَقِلُ إلى صِيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ فى الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذا رَجَعَ [وذلك لِقولِ اللهِ تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ] (1) تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (2). وتُعْتَبَرُ القُدْرَةُ فى مَوْضِعِه، فمتى عَدِمَه فى مَوْضِعِه جازَ له الانْتِقَالُ إلى الصِّيامِ، وإن كان قَادِرًا عليه فى بَلَدِهِ؛ لأنَّ وُجُوبَهُ مُوَقَّتٌ، وما كان وُجُوبُه مُوَقَّتًا اعْتُبِرَتِ القُدْرَةُ عليه فى مَوْضِعِه، كالماءِ فى الطَّهارَةِ، إذا عَدِمَه فى مَكَانِه انْتَقَلَ إلى التُّرَابِ.
فصل:
ولِكُلِّ واحِدٍ من صَوْمِ الثَّلَاثَةِ والسَّبْعَةِ وَقْتَانِ (3)؛ وَقْتُ جَوازٍ، وَوَقْتُ اسْتِحْبابٍ. فأمَّا وَقْتُ (3) الثَّلَاثَةِ، فَوَقْتُ الاخْتِيارِ لها أن يَصُومَهَا ما بين إحْرَامِه بِالحَجِّ وَيوْمِ عَرَفَةَ، ويكونُ آخِرُ الثَّلاثةِ يَوْمَ عَرَفَةَ. قال طَاوُسٌ: يَصُومُ ثلاثةَ أيَّامٍ،
(1) سقط من: ب، م.
(2)
سورة البقرة 196.
(3)
سقط من: الأصل.
آخِرُهَا (4) يَوْمُ عَرَفَةَ. وَرُوِىَ ذلك عن عَطاءٍ، والشَّعْبِىِّ، ومُجاهِدٍ، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ، وسَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، وعَلْقَمَةَ، وعَمْرِو بن دِينَارٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. ورُوِىَ عن (4) ابنِ عمرَ، وعائشةَ، أنَّه يَصُومُهُنَّ ما بين إهْلَالِه بِالحَجِّ ويَوْمِ عَرَفَةَ. وظَاهِرُ هذا أن يَجْعَلَ آخِرَها يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ غيرُ مُسْتَحَبٍّ. وكذلك ذَكَرَ القاضى، فى "المُحَرَّرِ"[مذهبَ أحمدَ](5). والمَنْصُوصُ عن أحمدَ الذى وَقَفْنَا عليه مثلُ قَوْلِ الخِرَقِىِّ، أنَّه يكونُ آخِرُها يَوْمَ عَرَفَةَ، وهو قَوْلُ من سَمَّيْنَا من العلماءِ، وإنَّما أحْبَبْنَا له صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ هاهنا، لِمَوْضِعِ الحاجَةِ. [وعلى هذا](6) القَوْلِ يُسْتَحَبُّ له تَقْدِيمُ الإِحْرامِ بالحَجِّ قبلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِيَصُومَها فى الحَجِّ، وإن صامَ منها شَيْئًا قبلَ إحْرَامِهِ بِالحَجِّ جازَ. نَصَّ عليه. وأمَّا وَقْتُ جَوازِ صِيامِها (7) فإذا أحْرَمَ بِالعُمْرَةِ. وهذا قَوْلُ أبى حنيفةَ. وعن أحْمَدَ أنَّه (8) إذا حَلَّ من العُمْرَةِ. وقال مَالِكٌ، والشَّافِعِىُّ: لا يجوزُ إلَّا بعدَ إحْرَامِ الحَجِّ. ويُرْوَى ذلك عن ابْنِ عمرَ. وهو قَوْلُ إسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} . ولأنَّه صِيَامٌ وَاجِبٌ، فلم يَجُزْ تَقْدِيمُه على وَقْتِ وُجُوبِه، كسَائِرِ الصِّيامِ الوَاجِبِ. ولأنَّ ما قَبْلَهُ وَقْتٌ لا يجوزُ فيه المُبْدَلُ، فلم يَجُزِ البَدَلُ، كقَبْلِ الإِحْرامِ بِالْعُمْرَةِ. وقال الثَّوْرِىُّ، والأوْزَاعِىُّ: يَصُومُهُنَّ من أَوَّلِ العَشْرِ إلى يَوْمِ عَرَفَةَ. ولَنا، أنَّ إحْرَامَ العُمْرَةِ أحَدُ إحْرَامَىِ التَّمَتُّعِ، فجازَ الصَّوْمُ بعدَه، كإِحْرَامِ الحَجِّ. فأمَّا قَوْلُه:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} . فقِيلَ: مَعْنَاهُ فى أشْهُرِ الحَجِّ، فإَّنه لا بُدَّ من إضْمَارٍ، إذْ كان الحَجُّ
(4) سقط من: أ، ب، م.
(5)
سقط من: ب، م.
(6)
فى ب، م:"وهذا".
(7)
فى ب، م:"صومها".
(8)
سقط من: الأصل، أ.
أفْعَالًا لا يُصامُ فيها، إنَّما يُصامُ فى وَقْتِها، أو فى أشْهُرِها. فهو [كَقَولِ اللهِ] (9) تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ} (10). وأمَّا تَقْدِيمُه على وَقْتِ الوُجُوبِ، فيجوزُ إذا وُجِدَ السَّبَبُ، كتَقْدِيمِه الكَفَّارَةَ على الحِنْثِ (11)، وزُهُوقِ النَّفْسِ. وأمَّا كَوْنُه بَدَلًا، فلا يُقَدَّمُ على المُبْدَلِ، فقد ذَكَرْنَا رِوَايَةً فى جَوَازِ تَقْدِيمِ الهَدْىِ على إحْرَامِ الحَجِّ، فكذلك الصَّوْمُ. وأما تَقْدِيمُ الصَّوْمِ على إحْرَامِ العُمْرَةِ، فغيرُ جَائِزٍ. ولا نَعْلَمُ قَائِلًا بِجَوَازِه، إلا رِوَايَةً حَكَاها بعضُ أصْحابِنَا عن أحمدَ، وليس بِشىءٍ؛ لأنَّه (12) يُقَدِّمُ الصَّوْمَ على سَبَبِه وَوُجُوبِه، ويُخَالِفُ قَوْلَ أهْلِ العِلْمِ. وأحمدُ يُنَزَّهُ عن هذا. وأمَّا السَّبْعَةُ، فلها أيضا وَقْتانِ؛ وَقْتُ اخْتِيارٍ، وَوَقْتُ جَوازٍ. أمَّا وَقْتُ الاخْتِيارِ، فإذا رَجَعَ إلى أهْلِه؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ فِى الْحَجِّ وسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ". مُتَّفَقٌ عليه (13). وأمَّا وَقْتُ الجَوَازِ، فمنذُ تَمْضِى أيَّامُ التَّشْرِيقِ. قال الأثْرَمُ: سُئِلَ أحمدُ، هل يصومُ فى الطَّرِيقِ أو بمَكَّةَ؟ قال: كيف شاءَ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومَالِكٌ. وعن عَطاءٍ، ومُجاهِدٍ: يَصُومُها فى الطَّرِيقِ. وهو قَوْلُ إسحاقَ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: يَصُومُها (14) إذا رَجَعَ إلى أهْلِه؛ لِلْخَبَرِ. ويُرْوَى ذلك عن ابْنِ عمرَ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ. وقِيلَ عنه كَقَوْلِنا، كقَوْلِ إسحاقَ. ولَنا، أنَّ كُلَّ صَوْمٍ لَزِمَهُ، وجازَ فى وَطَنِه، جازَ قبلَ ذلك، كَسائِرِ الفُرُوضِ. وأمَّا الآيَةُ، فإنَّ اللهَ تعالى جَوَّزَ له تَأْخِيرَ الصِّيامِ الوَاجِبِ، فلا يَمْنَعُ ذلك الإِجْزَاءَ قبلَه، كتَأْخِيرِ صَوْمِ رمضانَ فى السَّفَرِ والمَرَضِ، بِقَوْلِه سُبْحَانَه:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (15). ولأنَّ الصَّوْمَ وُجِدَ
(9) فى ب، م:"فى قوله".
(10)
سورة البقرة 197.
(11)
فى النسخ: "الحدث". والتصويب من الشرح الكبير 2/ 179.
(12)
فى أ، ب، م زيادة:"لا".
(13)
تقدم تخريجه فى صفحة 241.
(14)
سقط من: أ.
(15)
سورة البقرة 185.