الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَعْفٌ، يَرْوِيه ابنُ أبي فُدَيْكٍ، ومحمدُ بنُ إسحاقَ؛ وفيهما مَقَالٌ. ويَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ هذا بِبَيْتِ المَقْدِسِ دونَ غيرِه، لِيَجْمَعَ بين الصلاةِ في المَسْجِدَيْنِ في إحْرَامٍ واحِدٍ، ولذلك أحْرَمَ ابنُ عمرَ منه، ولم يكن يُحْرِم من غيرِه إلَّا من المِيقَاتِ. وقولُ عمرَ لِلضَّبِّيِّ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. يعني في القِرَانِ، والجَمْعِ بين الحَجِّ والعُمْرَةِ، لَا في الإِحْرَامِ من قَبْلِ المِيقَاتِ، فإنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الإِحْرَامُ من المِيقَاتِ، بَيَّنَ ذلك بِفِعْلِه وقَوْلِه، وقد بَيَّنَ أنَّه لم يُرِدْ ذلك إنْكَارُه على عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ إحْرَامَهُ من مِصْرِهِ. وأمَّا قولُ عمَرَ وعليٍّ، فإنَّما (10) قالا: إتْمَامُ العُمْرَةِ أنْ تُنْشِئَها من بَلَدِكَ. ومعناه أن تُنْشِئَ لها سَفَرًا مِن بَلَدِكَ، تَقْصِدُ له، ليس أن تُحْرِمَ بها من أهْلِكَ. قال أحمدُ: كان سفيانُ يُفَسِّرُه بهذا. وكَذَلِكَ فَسَّرَهُ به أحمدُ. ولا يَصِحُّ أن يُفَسَّرَ بِنَفْسِ الإِحْرامِ؛ لأنَّ (11) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابَه ما أحْرَمُوا بها مِن بُيُوتِهم، وقد أمَرَهم اللهُ بإتْمَامِ العُمْرَةِ، فلو حُمِلَ قَوْلُهم على ذلك لَكان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابُه تَارِكِينَ لِأمْرِ اللهِ. ثم إنَّ عمرَ وعليًّا ما كانا يُحْرِمَانِ إلَّا من المِيقاتِ، أفَتَرَاهما يَرَيَانِ أنَّ ذلك ليس بإتْمامٍ لهما (12) ويَفْعَلَانِه! هذا لا يَنْبَغِى أن يَتَوَهَّمَهُ أحَدٌ. ولذلك أنْكَرَ عمرُ على عِمْرَانَ إحْرَامَه من مِصْرِه، واشْتَدَّ عليه، وكَرِهَ أن يَتَسَامَعَ النّاسُ، مخَافَةَ أن يُؤْخَذَ به. أفَتَرَاهُ كَرِهَ إتْمَامَ العُمْرَةِ واشْتَدَّ عليه أن يَأْخُذَ الناسُ بالأفْضَلِ! هذا لا يجوزُ، فيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهما في ذلك على ما حَمَلَهُ عليه الأئِمَّةُ، واللهُ أعلمُ.
552 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أرَادَ الْإِحْرَامَ، فَجاوَزَ المِيقَاتَ غيرَ مُحْرِمٍ، رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنَ المِيقَاتِ، فإنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَانِه فعَلَيْه دَمٌ، وإنْ رَجَعَ مُحْرِمًا إلَى المِيقَاتِ)
(10) في ب، م:"فإنهما".
(11)
في م: "فإن".
(12)
في أ، ب، م:"لها".
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مَن جاوَزَ المِيقاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غيرَ مُحْرِمٍ، فعليه أن يَرْجِعَ إليه لِيُحْرِمَ منه، [إنْ أَمْكَنَه](1)، سواءٌ تَجاوَزَه عالِمًا به أو جاهِلًا، عَلِمَ تَحْرِيمَ ذلك أو جَهِلَه. فإنْ رَجَعَ إليه، فأَحْرَمَ منه، فلا شىءَ عليه. لا نَعْلَمُ في ذلك خِلَافًا. وبِه يقولُ (2) جابِرُ بن زيدٍ، والحسنُ، وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وغَيْرُهم؛ لأنَّه أحْرَمَ من المِيقاتِ الذي أُمِرَ بالإِحْرامِ منه، فلم يَلْزَمْهُ شىءٌ، كما لو لم يَتَجَاوَزْهُ. وإن أحْرَمَ مِن دون المِيقاتِ، فعليه دَمٌ، سواءٌ رَجَعَ إلى المِيقَاتِ أو لم يَرْجِعْ. وبهذا قال مالِكٌ، وابنُ المُبارَكِ. وظاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أنَّه إن رَجَعَ إلى المِيقَاتِ، فلا شىءَ عليه، إلَّا أن يكونَ قد تَلَبَّسَ بشيءٍ من أفْعالِ الحَجِّ، كالوُقُوفِ، وطَوَافِ القُدُومِ، فَيَسْتَقِرُّ الدَّمُ عليه؛ لأنَّه حَصَلَ مُحْرِمًا في المِيقَاتِ قبلَ التَلَبُّسِ بأفْعَالِ الحَجِّ، فلم يَلْزَمْهُ دَمٌ، كما لو أَحْرَمَ منه. وعن أبي حنيفةَ: إنْ رَجَعَ إلى المِيقاتِ، فَلَبَّى، سَقَطَ عنه الدَّمُ، وإنْ لم يُلَبِّ، لم يَسْقُطْ. وعن عَطاءٍ، والحسنِ، والنَّخَعِيِّ: لا شىءَ على مَن تَرَكَ المِيقاتَ. وعن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ: لا حَجَّ لمن تَرَكَ المِيقاتَ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"مَنْ تَرَكَ نُسُكًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ". رُوِىَ مَوْقُوفًا ومَرْفُوعًا (3). ولأنَّه أحْرَمَ دونَ مِيقَاتِه، فاسْتَقَرَّ عليه الدَّمُ، كما لو لم يَرْجِعْ، أو كما لو طافَ عندَ الشَّافِعِيِّ، أو كما لو لم يُلَبِّ عند أبي حنيفةَ، ولأنَّه تَرَكَ الإِحْرامَ مِن مِيقَاتِه، فلَزِمَهُ الدَّمُ، كما ذَكَرْنَا، ولأنَّ الدَّمَ وَجَبَ لِتَرْكِه الإِحْرامَ من المِيقاتِ، ولا يَزُولُ هذا بِرُجُوعِه ولا بِتَلْبِيَتِه،
(1) سقط من: أ.
(2)
في الأصل: "قال".
(3)
الموقوف أخرجه الإمام مالك، في: باب ما يفعل من نسى من نسكه شيئا، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 419. والمرفوع عزاه ابن حجر، في: باب المواقيت، من كتاب الحج، لابن حزم. تلخيص الحبير 2/ 229.