الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه، أو له مانع ضروري شرعي، أو غيره؛ من دخوله لسفر واعتكاف، والله أعلم.
وقد ذكرنا جواز اعتكاف المرأة كالرَّجل، لكن إن كانت مزوَّجة، فلا يجوز إلا بإذن الزَّوج، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، فلو أذن لها، ثمَّ منعها، فهل له ذلك؟ فيه خلاف للعلماء:
قال الشَّافعي، وأحمد، وداود: له ذلك في زوجته ومملوكته في اعتكاف التَّطوُّع، وإخراجهما منه، ومنعهما مالك، وجوَّز أبو حنيفة إخراجَ المملوكة دون الزَّوجة، والله أعلم.
* * *
الحديث الثَّالث
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ في الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً، -وَفِي رِوَايةٍ: يَوْمًا- في المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ:"فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ"(1).
ولم يذكر بعض الرُّواة: يومًا ولا ليلة.
أمَّا النَّذر، فهو واحد النُّذور، يقال: نذرت أنذُر وأنذِر بكسر الذال وضمها.
وأمَّا الجاهلية، فهي ما قبل الإسلام، سُمُّوا بذلك لكثرة جهالاتهم، وتطلق الجاهلية على كل من فعل ما يخالف الإسلام والشَّرع.
وأمَّا المسجد الحرام، فكان فناء حول الكعبة وفضاءً للطائفين، ولم يكن له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر [جدار] يحيط به، وكانت الدُّور محدقة به، وبين الدُّور أبواب يدخل النَّاس من كلِّ ناحية منها، فلمَّا استخلف عمر رضي الله عنه، وكثر النَّاس، وَسَّع المسجدَ، واشترى دُورًا وهدمَها وزادَها
(1) رواه البخاري (1938)، كتاب: الاعتكاف، باب: إذا نذر في الجاهلية أنَّ يعتكف ثم أسلم، ومسلم (1656)، كتاب: الأيمان، باب: نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم.
فيه، واتَّخذ للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة، وكانت المصابيح توضع عليه. وكان عمر رضي الله عنه أؤل من اتَّخذ الجدار للمسجد الحرام، ثمَّ تتابع الناس على عمارته وتوسيعه؛ كعثمان، وابن الزُّبير رضي الله عنهم، ثمَّ عبد الملك بن مروان، ثمَّ ابنه الوليد، ثمَّ المنصور، ثمَّ المهديِّ، واستقر بناؤه على ذلك إلى وقتنا.
ويجوز الطَّواف في جميع ذلك، وكذلك الاعتكاف.
ولو وسِّع المسجد شيئًا آخر، جاز الطَّواف والاعتكاف في جميعه.
واعلم أنَّ المسجد الحرام يطلق، ويراد به هذا المسجد، وهذا هو الغالب، وقد يراد به الحرم، وقد يراد به مكَّة، وقيل هذان الأمران في قول الله عز وجل:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أحكام:
فنها: لزوم النَّذر للقربة، وقد يستدلُّ بعمومه للزوم الوفاء بكلِّ منذور.
ومنها: صحَّة النَّذر من الكافر، وهو وجه في مذهب الشَّافعي، والأشهر: لا يصحُّ؛ لأن النَّذر قربة، والكافر ليس من أهل القرب، فعلى هذا؛ يحتاج إلى تأويل هذا الحديث -في أمره بالوفاء بالنذر- على أنَّ المراد به نيَّة فعل الاعتكاف في الجاهلية، فأطلق عليه أنَّه منذور؛ لشبهه به، وقيامه مقامه في فعل ما نواه من الطَّاعة.
وعلى هذا؛ يكون قوله: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ" من مجاز الحذف، أو من مجاز التَّشابه، لكنَّ ظاهر الحديث خلافه، فإن دلَّ دليل أقوى من هذا الظاهر على أنَّه لا يصحُّ اعتكاف الكافر، احتيج إلى هذا الدليل، وإلَّا فلا، وقد حمل من قال: النَّذر لا يصحُّ من الكافر الأمرَ في حديث عمر رضي الله عنه على الاستحباب، فظاهر الأمر يقتضي الوجوب، كيف ونصَّ الشَّافعي رحمه الله على كراهة الابتداء بالنَّذر، ووجوب الوفاء به، بلاخلاف، وأنَّه لا يصحُّ بالنيَّة،