الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: استحباب شيء من الكافور في الغسلة الأخيرة، وهو متفق عليه عند الشافعية ومالك وأحمد، وبه قال جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة: لا يستحب، وهذا الحديث حجة عليه.
ومنها: تبريك الرجل الصالح أقاربه وأصحابه بشيء من آثاره، خصوصًا في الموت وأسبابه، وقبول ذلك منه.
ومنها: جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل.
ومنها: استحباب مشط رأس الميت وضفره، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال الأوزاعي والكوفيون: لا يستحب المشط ولا الضفر، بل يرسل الشعر على جانبيها مفرقًا، وقال بعض أصحاب الشافعي بجعل الثلاث خلف ظهرها، وروى في ذلك حديثًا غريبًا أثبت استحبابه به.
ومنها: استحباب تقديم الميامن في غسل الميت وسائر الطهارات، ويلحق بذلك أنواع الفضائل.
ومنها: استحباب وضوء الميت، وهو عند الشافعية في أول الغسل كما في وضوء الجنب، وباستحباب وضوء الميت قال مالك والشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يستحب، والله أعلم.
* * *
الحديث السادس
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرفَةَ، إذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ، أو قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا"(1)، وفي رواية:"ولَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلا رَأْسَهُ"(2).
(1) رواه البخاري (1206)، كتاب: الجنائز، باب: الدفن في ثوبين، ومسلم (1206)، (2/ 15)، كتاب: الجنائز، باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات.
(2)
رواه مسلم (1206)، (2/ 866)، كتاب: الجنائز، باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات، بلفظ:"ولا تخمروا رأسه ولا وجهه".
قال المصنف رحمه الله: الوَقْصُ: كسر العنق.
تقدم الكلام على ابن عباس.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تحنطوه" فهو بالحاء المهملة؛ أي: لا تمسوه حَنوطًا، والحنوط -بفتح الحاء المهملة-، ويقال له: الحِناط -بكسر الحاء-، وهو أخلاط من طِيب يُجمع للميت خاصة، لا يستعمل في غيره (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تخمروا رأسه"؛ أي: لا تغطوه، والتخمير: التغطية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا" معناه: على هيئته التي مات عليها؛ ليكون ذلك علامة لحجه، ودلالة على فضيلته؛ كما يجيء الشهيد يوم القيامة وأوداجه تشخب دمًا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه" لم يقل مالك وأبو حنيفة ومن قال بقولهما: إن المحرم إذا مات لا يمتنع ستر رأسه ووجهه؛ لأنه بالموت انقطع عنه حكم الحياة؛ لانقطاع العبادة بزوال حكم التكليف هو القياس، وقال الشافعي وأصحابه: يباح ستر وجهه، ولا يحرم، ويحرم تغطية رأسه، ويبقى كما كان في الحياة، فيتأول الحديث على أن النهي عن تغطية الرأس الوجه ليس مقصودًا لذاته، بل لكونه لازمًا لتغطية الرأس غالبًا، والعمل بالحديث إذا صح مقدم على القياس، وهذا متعين، ويجعل مالك وأبو حنيفة أن هذا الحكم خاص بالمحرم المذكور في الحديث؛ حيث علله صلى الله عليه وسلم: بأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، ولا يعلم وجود ذلك في غير هذا المحرم لغير النبي صلى الله عليه وسلم، والحكم إنما يعم بعموم علته، لكن هذه العلة تقتضي الخصوصية، والأصل أن ما ثبت لشخص في زمنه صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يدل الدليل على خلافه، ولم يثبت خلافه، كيف وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يُبعث المرءُ على ما مات عليه"(2)، وهذا عام في كل صورة
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 203)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 450)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 130).
(2)
رواه مسلم (2878)، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: الأمر بحسن الظن بالله تعالى =