الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحادي والعشرون: تبدأ الخطب بحمد الله تعالى، والثناء عليه.
الثاني والعشرون: شرعية قول: "أما بعد" في الخطب بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تكرر ذكرها في الأحاديث الصحيحة، وقد قيل: إنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]، وقد أهملها الخطباء في هذه الأزمان وغيرها، فينبغي أن يتفطن لها، ويعمل بها.
الثالث والعشرون: التغليظ في إزالة المنكر، والمبالغة في تقبيحه.
الرابع والعشرون: جواز السجع في الكلام غير المتكلف له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "كَتابُ اللهِ أَوْثَقُ، وشرطُ الله أَحَقُّ"، ومعنى "كِتابُ اللهِ أَوْثَقُ، وَشرطُ اللهِ أحقُّ"؛ أي: أَحقُّ بالاتباع من الشروط المخالفة لحكم الشرع، ومعنى "وشرط الله أوثق"؛ أي: باتباع حدوده، والوقوف عندها، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: أنهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ، فَأعْيَا، فَأرادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، فَلَحِقَني النبي صلى الله عليه وسلم، وَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، قَالَ:"بِعْنِيه بِأوقِيَّةٍ"، قَالَ: لَا، ثم قَالَ:"بعْنِبهِ"، فَبِعْتُهُ بِأوقِيّةِ، واسْتثنَبْتُ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي، فَلَما بَلَغتُ، أتينُهُ بِالجَمَلِ، فنقدَنِي، ثم رَجَعتُ، فَأرْسَلَ في إثْرِي، فَقَالَ:"أترَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ"(1).
أمّا جابر بنُ عبد الله رضي الله عنهما فتقدم الكلام عليهما.
وأمّا حديثه هذا: فقد وقع في لفظه اختلاف كثير في مقدار ما اشتراه به، وفي
(1) رواه البخاري (2569)، كتاب: الشروط، باب: إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى، جاز، ومسلم (715)، كتاب: المساقاة، باب: بيع البعير واستثناء ركوبه، وهذا لفظ مسلم.
اشتراط ركوبه إلى المدينة وعدمه، وجعل بعض الناس ذلك مانعًا من الاحتجاج به.
وجمع القاضي عياض رحمه الله بينها، وذكر سبب اختلاف الرواة له، وبيَّن ذلك أحسنَ بيان، فمن أراد ذلك، فليأخذه من كتابه "إكمال المعلم لشرح مسلم"، أو ممن نقله عنه.
وكانت قصة جابر وبيع جمله -في المحقق- غزوة ذات الرقاع، سنة خمس من الهجرة.
قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد المحقق المدقق رحمه الله: إذا اختلفت الروايات، وكانت الحجة ببعضها دون بعض، توقف الاحتجاج، قال: وهذا صحيح بشرط تكافؤ الروايات وتقاربها، أما إذا كان الترجيج واقعًا لبعضها؛ إما لأنه رواه أكثر أو أحفظ، فينبغي العمل بها؛ إذ الأضعفُ لا يكون مانعًا من العمل بالأقوى، والمرجوحُ لا يمنع التمسكَ بالراجح، فتمسك بهذا الأصل؛ فإنه واقع في مواضع عديدة:
منها: أن المحدثين يعلِّلون الحديث بالاضطراب، ويجمعون الروايات العديدة، فيقوم في الذهن منها صورة توجب التضعيف، والواجب أن ينظر إلى تلك الطرق، فما كان منها ضعيفًا، أسقط عن درجة الاعتبار، ولم يجعل مانعًا من التمسك بالصحيح القوي، قال: ولتمام هذا مواضع أخر. هذا آخر كلامه، وهو نفيس، والله أعلم (1).
أَما قولُه: "بِعْنِيهِ بِوَقِيّةٍ"؛ فهكذا هو ثابت في الروايات في هذا الحديث وغيره، وهي لغة صحيحة سبق ذكرها، ويقال: أوقية، كما قاله جابر في هذا الحديث، وهي أشهر في اللفظة.
قولُهُ: "واسْتثنيْتُ حُمْلَانَهُ" -بضم الحاء- أي: الحمل عليه.
قولُه: "فَأرْسَلَ في إثْرِي"؛ -هو بكسر الهمزة وسكون الثاء وبفتحهما-: لغتان.
قولُه: "أتراني مَاكَسْتُك؟ "؛ قال أهل اللغة: المماكسة: المكالمة في النقص
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 173 - 174).
من الثمن، وأصلها: النقص، ومنه: مكس الظالم، وهو ما ينتقصه ويأخذه من أموال الناس (1).
وفي هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، ومعجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إن جمل جابر لما أعيا، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وضربه، فسار أسرع ما كان بعد الإعياء.
وفيه: تفقد الأمير والكبير والعالم أحوال أصحابه، وسؤالهم عن أحوالهم، وإعانتهم عليها بما تيسر من حال أو مال، أو دعاء في السفر والحضر.
وفيه: استعمال مكارم الأخلاق في ذلك؛ بأن يجعل ما يفعله من الإعانة على سبيل المعاوضة، ليطيب خاطرَ من يفعل ذلك معه، ويكون قصده بذلك ثواب الآخرة؛ كما فعل صلى الله عليه وسلم مع جابر في جَمَلِه، وإعطائه إياه وثمنه.
وفيه: جواز المحاورة في البيع وثمنه، والمناقصة حال المساومة، وأما بعد العقد واستقرار الثمن والمثمن، فلا تجوز المماكسة، وهي حرام بلا خلاف.
وفيه: جواز طلب البيع ممن لم يعرض سلعته للبيع.
وفيه: المبادرة إلى الوفاء، وإن كان وجب على سبيل المكارمة باطنًا.
وفيه: تربية الأصحاب والأتباع بحسن المعاملة، وتنبيههم على ذلك بالقول في حسن فعله.
وفيه: حجة لأحمد، ومن قال بقوله في جواز بيع الدابة بشرط ركوب البائع إياها بنفسه، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال مالك: يجوز ذلك إذا كانت مسافة الركوب قريبة، وحمل هذا الحديث على ذلك، وقال الشافعي، وأبو حنيفة، وآخرون: لا يجوز ذلك، سواء قلت المسافة [أو] كَثُرت، ولا ينعقد البيع، واحتجوا بنهيهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع الثنيا (2)، وعن بيع
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 379)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 349)، و "شرح مسلم" للنووي (11/ 31)، "تهذيب الأسماء واللغات" له أيضًا (3/ 318).
(2)
رواه مسلم (1536)، كتاب: البيوع، باب: النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة، عن=