المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

على خلاف ما ذكره الفقهاء في صلاة الكسوف؛ من عدم - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ٢

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الذكر عقيب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السفر وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السَّابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصِّيام وغيره

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السَّادس

- ‌الحديث السَّابع

- ‌الحديث الثَّامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأَوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثَّالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثَّالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب ما يَلْبسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّياب

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌بَابُ الفِدْيةِ

- ‌باب حُرمة مكَّة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌باب دخول مكَّة وغيره

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثَّالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التَّمتُّع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحجِّ إلى العُمْرَةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب المُحْرِم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نُهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السَّلَمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الرِّبَا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

الفصل: على خلاف ما ذكره الفقهاء في صلاة الكسوف؛ من عدم

على خلاف ما ذكره الفقهاء في صلاة الكسوف؛ من عدم إعادتها إذا صليت ولم تنجل؛ لوجهين:

أحدهما: أنه أمر بمطلق الصلاة، لا بالصلاة على هذا الوجه المخصوص، ومطلق الصلاة شائع إلى حين الانجلاء.

الثاني: لو سلمنا أن المراد الصلاة الموصوفة بالوصف المذكور، لكان لنا أن نجعل هذه الغاية لمجموع الأمرين؛ أعني: الصلاة والدعاء، ولا يلزم من كونهما غاية لمجموع الأمرين أن يكونا غاية لكل واحد منهما على انفراده بخلاف، فجاز أن يكون الدعاء ممتدًا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة على الوجه المخصوص مرة واحدة، ويكون غاية المجموع (1).

وفي الحديث دليل على: التنبيه بالاعتبار بآيات الله وحدوث ظهورها، وعلى عظيم قدرته وإلهيته سبحانه وتعالى، وعلى أن الكواكب وغيرها لا فعلَ لها ولا تأثيرَ، وإنما هي علامات، وعلى الرجوع إلى الله تعالى عند الحوادث المخالفة للعادة بالصلاة والدعاء، خصوصًا إذا خشي زوال نعم الله تعالى فيها، وعلى شرعية صلاة الكسوف، والتوجه إلى الله تعالى عنده، وعلى وجوب البيان للأمور، خصوصًا إذا اعتقد خلاف الصواب فيها، وعلى الاجتهاد في السؤال لله تعالى، والعبادة حال وجود الحوادث حتى تزول.

* * *

‌الحديث الثالث

عَنْ عَائشِةَ رضي الله عنها: أنهَا قَالَتْ: خُسِفَتِ الشمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالناسِ، فَأطَالَ القِيَامَ، ثُمَّ رَكعَ فأطالَ الرُّكُوعَ، ثُم قَامَ فأطالَ القِيَامَ، وَهُوَ دُونَ القِيَام الأَولِ، ثُم رَكَعَ فَأطالَ الركُوعَ، وَهُوَ دُونَ الركوعِ الأَولِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأطَالَ السجُودَ، ثُم فَعَلَ في الركْعَةِ الأخْرَى

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 138).

ص: 726

مِثْلَ مَا فَعَلَ في الركْعَةِ الأولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ الناسَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"إنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإذَا رَأيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللهَ، وَكبِّروا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا"، ثُمَّ قَالَ:"يا أمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللهِ ما مِنْ أَحَدٍ أَغْير مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزنيَ أَمَتُهُ، يَا أمةَ مُحَمدٍ! واللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُم قَلِيلًا، وَلَبكَيْتُمْ كَثيرًا". وَفِي لَفْظٍ: فَاسْتكمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ (1).

تقدم الكلام على بعض هذا الحديث في الحديث الأول والثاني، ونتكلم -إن شاء الله تعالى- على باقي ما يتعلق بهذا الحديث.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أمة محمد! ما من أحد أغيرُ من الله"، من زائدة، تقديره: ما أحدٌ، وثبت في "صحيح مسلم":"إنْ من أحدٍ"، وهي نافية بمعنى: ما، فعلى هذا، يجوز في أغير النصب خبر (إن) النافية؛ فإنها تعمل عمل (ما) عند الحجازيين، وعلى اللغة التميمية فيها: أغيرُ مرفوع على أنه خبر المبتدأ الذي هو أحد، فالوجهان جائزان، في رواية الكتاب في أغير النصب والرفع.

والغيرةُ في حقنا راجعة إلى تغير وانزعاج وهيجان يلحق الغَيْران عندما ينال شيءٌ من حرمه أو محبوباته يحمل على صيانتهم ومنعهم، وهذا التغير على الله تعالى مُحالٌ؛ إذ هو منزه عن كل تغير ونقص، لكن لما كانت ثمرة الغيرة صونَ الحريم ومنعَهم، وزجرَ القصد إليهم، أطلق ذلك على الله تعالى؛ إذ قد زجر وذم، ونصب الحدود، وتوعد بالعقاب الشديد من تعرض لشيء من محارمه، وهذا من باب التجوز، ومن باب تسمية الشيء باسم ما يترتب عليه.

ولا شك أن المنزهين لله تعالى عن سمات الحدث ومشابهة المخلوقين بين رجلين: إما ساكت عن التأويل، وإما مؤول على أن يراد شدة المنع والحماية من الشيء؛ فإن الغائر على الشيء مانعٌ له، حامٍ له، فالمنعُ والحماية من لوازم

(1) رواه البخاري (997)، كتاب: الكسوف، باب: الصدقة في الكسوف، ومسلم (901)، كتاب: الكسوف، باب: صلاة الكسوف.

ص: 727

الغيرة، فأطلق لفظ الغيرة عليهما من مجاز الملازمة، أو غير ذلك من الوجوه الشائعة في لسان العرب كما ذكرنا، والأمر في التأويل وعدمه في هذا قريب عند من يُسلِّم التنزيه؛ فإنه حكم شرعي؛ أعني: الجواز وعدمه، كما تؤخذ سائر الأحكام، إلا أن يدعي مدَّعٍ أن هذا الحكم ثبت بالتواتر عن صاحب الشرع -أعني: المنع من التأويل- ثبوتًا قطعيًّا، فخصمُه يقابله حينئذٍ بالمنع الصريح، وقد يتعدى بعض خصومه إلى التكذيب القبيح.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "يا أمة محمد! والله لو تعلمونَ ما أعلمُ، لَضحكتُم قليلًا، ولَبكيتُم كثيرًا" معناه: لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم، وشدة عقابه، وأهوال القيامة وما بعدها كما علمت، ترونَ النار كما رأيت في مقامي هذا، وفي غيره، لبكيتم كثيرًا، ولقلّ ضحككم؛ لفكركم فيما علمتموه.

ولما كانت النفوس مجبولةً على الإخلاد إلى الشهوات، والأخذ بالرخص وترك العزائم، وذلك كلُّه يوقعها في الخطر العظيم، ويحملها عليه، قابلها صلى الله عليه وسلم الطبيب الحاذق بما يصدُّها، لا بما يزيدها؛ فإن العلل المزمنة إن لم يبادر إليها بقطع مادة الداء بالدواء النافع القاطع لها، وإلا استحكمت العلة.

وقولها: "فاستكمل أربعَ ركعاتٍ وأربعَ سجداتٍ" أطلقت الركعات على عدد الركوع، وتقدم في الحديث الأول إطلاقها في ركعتين، وهو متمسَّك بعض المالكية في أنه لا يقرأ الفاتحة في الركوع الثاني؛ من حيث إنه أطلق على الصلاة ركعتين.

وفي الحديث أحكام:

منها: شرعية صلاة الكسوف في جماعة بإمام.

ومنها: شرعية طول القيام فيها، ولم يذكر في الحديث حد لطوله، لكن قال أصحاب الشافعي وغيرهم بطول القيام الأول نحوًا من سورة البقرة؛ لحديث ورد فيه.

ومنها: تطويل الركوع الأول، ولم يذكر -أيضًا- في الحديث له حد، وذكر

ص: 728

الشافعية أنه يطوله بقدر مئة آية، وذكر غيرهم أنه لا يطوله إلا بما لا يضر بمن خلفه.

ومنها: أن القيام الثاني يكون دون القيام الأول، وهو سنة هذه الصلاة، وهو مناسب لحكم الركعة الثانية في غيرها من الصلوات عند المحققين من العلماء أن يكون أقصر من الأولى، وكان السبب فيه أن النشاط في الركعة الأولى يكون أكثر، فناسب التخفيف في الثانية حذرًا من الملال.

واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر خلاف معنى هذه المناسبة في قيام الليل، فقالَ صلى الله عليه وسلم:"إذا قامَ أحدُكم من الليل، فليصلّ رَكعتينِ خفيفتين، ثم لْيُطَوّلْ ما شاء"(1)، وكانت المناسبة في ذلك استدراج النفس من التخفيف إلى حلاوة التثقيل، وهو التطويل، وكذلك ذكر العلماء مناسبة شرعية السنن الراتبة قبل الصلوات، وكذلك إذا اعتبرتَ مناسبةَ التنزيل للكتاب العزيز، وشرعية الأحكام وتكثيرها، فإنك تجدُها متدرجة من التخفيف والتقليل إلى التثقيل والتكثير؛ ليكونا أثبتَ وأبعدَ من الملال فيهما، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"خُذُوا من العملِ ما تُطيقون الدوامَ عليه"(2) الحديث، والله أعلم.

واعلم أن الفقهاء اتفقوا على القراءة في هذا القيام الثاني؛ أعني: الذين قالوا به، وجمهورهم، على قراءة الفاتحة، وقالوا: لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه، وقال محمد بن مسلمة من المالكية: لا تقرأ الفاتحة في القيام الثاني، وكأنه رآها ركعة واحدة زيد فيها ركوع، والركعة الواحدة لا تثنى فيها الفاتحة، فهذا يمكن أن يؤخذ من الحديث كما ذكرنا في قول عائشة: واستكمل أربع ركعات في أربع سجدات.

(1) رواه أبو داود (1323)، كتاب: الصلاة، باب: افتتاح صلاة الليل بركعتين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، دون قوله:"ثم ليطول ما شاء".

(2)

رواه البخاري (43)، كتاب: الإيمان، باب: أحب الدين إلى الله أدومه، ومسلم (782)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، عن عائشة رضي الله عنها بلفظ:"عليكم من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووم عليه وإن قلَّ".

ص: 729

وقولها: "فصلى أربع ركعات في ركعتين"، واتفق العلماء على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى أقصرُ من القيام الأول والركوع، وكذا القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الثانية يكون أقصر من الأول منهما.

واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية، هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى، أم هما سواء؟ فمن قال: تكون أقصر في ذلك كله، يجعل قوله صلى الله عليه وسلم:"وهو دون القيام الأول ودون الركوع الأول" عائدًا إلى مجموع الصلاة، وهو بعيد من لفظ الحديث، فإنها قالت: ثم فعل في الركعة الثانية مثلَ ما فعل في الركعة الأولى، والمثلية في الثانية تقتضي التسوية بينها وبين الأولى من غير تقصير عنها، والعلماء متفقون على شرعية إطالة القراءة والركوع فيها كما وردت به الأحاديث، فلو اقتصر على الفاتحة في كل قيام، وأدنى طمأنينة في كل ركوع، صحَّت صلاته، وفاته الفضيلة.

ومنها: استحبابُ إطالة السجود فيها، وظاهر مذهب مالك والشافعي أنه لا يطوله، بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات، وبه قال جمهور أصحاب الشافعي، والذي نص عليه المحققون، ونص عليه الشافعي رحمه الله في "البويطي"، وقاله أبو العباس بن سريج: أنه يطول كما يطول الركوع، ولفظ الشافعي في "البويطي": ثم خر ساجدًا، فسجد سجدتين تامتين طويلتين، يقيم في كل سجدة نحوًا مما أقام في ركوعه، لكن قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله في "المهذب" (1) بعد حكايته عن ابن سريج تطويله: إنه ليس بشيء؛ قال: لأن الشافعي لم يذكر ذلك، ولا نقل ذلك في خبر، ولو كان قد أطال النقل كما نقل في القراءة والسجود، وهذا الذي قاله غير مقبول؛ لعدم اطلاعه على الأخبار الصحيحة، ومنصوصات الشافعي الجديدة في ذلك؛ كحديث الكتاب في إطالة السجود، وفي حديث آخر عن عائشة أنها قالت: "ما

(1) انظر: "المهذب" للشيرازي (1/ 122).

ص: 730

سجدَ سجودًا أطولَ منه" (1)، وكذلك ثبت بطوله من حديث أبي موسى، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وقد تقدم نقلنا له عن مختصر "البويطي"، وهو من أجل أو أجل منصوصات الشافعي في كتبه الجديدة، والذي ذكره أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله من عدم ذكر الشافعي له إنما أراد في "مختصر المزني" فقط، لا غيره، والله أعلم.

ومنها: شرعية الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لقولها: "فخطب الناس، فحمِدَ الله وأثنى عليه"، وهو ظاهر الدلالة في أن لصلاة الكسوف خطبة، وبه قال الشافعي، وابن جرير، وفقهاء أصحاب الحديث، قالوا: استحب بعدها خطبتان، ولم ير ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد، وقال بعض أتباع مالك: لا خطبة لها، ولكن يستقبلهم، ويذكرهم، وهذا خلاف الظاهر من الحديث؛ لأنه ابتدأ بما يبتدئ به الخطيب من الحمد لله والثناء عليه، وما ذكر من أن المقصود الإخبار بأنهما:"آيتان من آيات الله" إلى آخره ردًّا على من قال: "إنهما ينكسفان لموت عظيم"، وقد قالوه عند موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، والإخبار عن الجنة والنار؛ حيث رآهما، وذلك يخصه صلى الله عليه وسلم دون غيره، كله ضعيف؛ فإن الخطب لا تنحصر مقاصدها بما يخص الخطيب، بل ما ذكر مطلوب للخطيب وغيره؛ فإن الحمد والثناء والموعظة شامل لذكر الجنة والنار، وكونهما آيتين من آيات الله، وذلك بعض مقاصد الخطبة؛ لأن المقصود لو سلم خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك.

ومنها: أن خطبة الكسوف لا تفوت بالانجلاء، بخلاف الصلاة.

ومنها: أن الخطبة يكون استفتاحها بالحمد لله تعالى، والثناء عليه دون شيء اَخر من الذكر والبسملة وغيرهما، ومذهب الشافعي وأحمد: أن لفظة الحمد لله متعينة، فلو قال معناها، لم تصح خطبته.

ومنها: شرعية صلاتها لخسوف القمر ككسوف الشمس في جماعة، وبه قال

(1) رواه البخاري (1003)، كتاب: الكسوف، باب: طول السجود في الكسوف.

ص: 731

الشافعي وفقهاء أصحاب الحديث، وروي عن جماعة من الصحابة وغيرهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا رأيتم ذلك، فصلُّوا" بعد ذكرهما من غير تفصيل في جماعة أو فرادى، وقد فعلها صلى الله عليه وسلم في جماعة في كسوف الشمس، فدل على أن كسوف القمر كذلك، وقال مالك وأبو حنيفة: لا تسن الجماعة في كسوف القمر، ولا أن تكون هيئتها كهيئة كسوف الشمس من تكرار الركوع وتطويلها، بل تسن صلاتها ركعتين فرادى كسائر الصلوات، والله أعلم.

ومنها: جواز فعلها في أوقات الكراهة وغيرها عند رؤية الكسوف أيَّ وقت كان؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بها إذا رأوا كسوفها، وهو عام في كل وقت، وهو مذهب الشافعي وغيره، واختلف مذهب مالك في ذلك، فظاهر مذهبه: أنها لا تفعل إلا بعد جواز النافلة إلى الزوال، وقيل في مذهبه -أيضًا-: إنها لا تفعل إلا بعد صلاة العصر، ومنطوقُ الحديث بعمومه يردُّ ذلك.

ومنها: استحباب الصدقة عند رؤية الكسوف، وكذلك يستحب عند كل المخاوف؛ لاستدفاع البلاء والمحاذر.

ومنها: استحباب الدعاء والتوجه إلى الله تعالى واللجوء إليه عند المخاوف والشدائد، ولا شك أن الدعاء في الرجاء مطلوب للشرع بكونه سببًا لدفع البلاء والشدائد؛ فإنه ثبت في الصحيح مرفوعًا:"تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفْكَ في الشَّدةِ"(1)، وروى الترمذي من رواية أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أرادَ أن يستجيبَ اللهُ دعاءه عندَ الكَرْبِ والشدائد، فلْيُكْثِرْ من الدعاءِ في الرَّخاء"(2).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 307)، وعبد بن حميد في "مسنده"(636)، والطبراني في "المعجم الكبير"(11560)، والحاكم في "المستدرك"(6303)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 314)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(745)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1574)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

رواه الترمذي (3382)، كتاب: الدعوات، باب: ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، وأبو يعلى في "مسنده"(6396)، والحاكم في "المستدرك"(1997)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(1/ 414).

ص: 732

ومنها: أنه ينبغي ألا يفخم الإنسان نفسه، ولا يعظمها بالوصف المتصف به، بل يذكر نفسه باسمه الموضوع له؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخطبة:"يا أمة محمد! "، وكرره من غير أن يضيفهم إلى نبوته، ولا رسالته، ولا ياء الإضافة، كل ذلك تواضعًا وأدبًا، والله أعلم.

ومنها: الحث على اجتناب الزنا والمعاصي، وتفخيم العقوبة عليها وقبحها عند الله تعالى، ولا شك أن الزنا من الكبائر، لا يكفر بفعله كفرًا يخرجه عن الإسلام إلا أن يعتقد حلَّه، فيكفر إجماعًا، وينبغي اجتناب المعاصي كلِّها صغيرِها وكبيرها؛ فإنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَحْقِرَنَّ أحدكم صغيرَ الذنبِ، فربما به دخلَ النارَ"(1)، وكذلك لا ينبغي أن يحقر من الخير شيئًا؛ فإنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئًا ولو أن تَلْقى أخاكَ بوجهٍ طَليقٍ"(2)، والجامع لذلك كله قوله سبحانه وتعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40].

ومنها: الحث على قلة الضحك وكثرة البكاء، والتحقق بما الإنسان صائرٌ إليه، وما هو فيه، ولا شك أن كثرة الضحك وقلة البكاء مذمومان للشرع؛ فإنهما يدلان على قسوة القلب، وكثرة البطر، ومن الضحك ما هو محمود، وهو ما اقترن به مقصود شرع من تعجب بنعم الله تعالى، أو فرح للمسلمين، أو تجلد على الكافرين والمنافقين، ونحو ذلك، ومن البكاء ما هو مذموم؛ كالبكاء لإظهار الجزع، أو للرياء، أو لإضعاف المؤمنين، أو تحزنًا على المنافقين، أو

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 402)، والطيالسي في "مسنده"(400)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10500)، وفي "المعجم الأوسط"(2529)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 187)، عن ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ:"إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه".

(2)

رواه مسلم (2626)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، عن أبي ذر رضي الله عنه.

ص: 733