الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشمس وضحاها، وفي الثَّانية: سورة: والضُّحى.
لكنَّ الحديث ضعيف، وهو حسن العمل به فيهما، مناسب لها، والله أعلم.
ولا شكَّ أنَّ عدد ركعات صلاة الضُّحى له أكثر وأقل وأوسط، فبلغ الحاكم في كتابهِ المذكور بأكثرها إلى اثنتي عشرة ركعة، وهذا الحديث بيان لأقلِّها، وهو ركعتان، والوسط ما بينهما، وله درجات، وهي سنَّة مستحبَّة محثوث عليها بلا شك، وعدم مواظبته صلى الله عليه وسلم عليها لا يدل على عدم استحبابها؛ فإن الاستحباب يقوم بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أنَّ تتظافر عليه الأدلة، بل ما واظب عليه صلى الله عليه وسلم وتترجح مرتبته على هذا، وعلى ما لم يواظب عليه ظاهرًا.
وأمَّا النَّوم على الوتر، فتقدَّم الكلام عليه في الحديث الثَّاني من باب الوتر، في تقديمه وتأخيره، ورد فيه حديث يقتضي الفرق بين من يثق بنفسه القيام آخر اللَّيل، وبين من لم يثق، فعلى هذا تكون وصيته صلى الله عليه وسلم هذه مخصوصة بمن حاله كحال أبي هريرة رضي الله عنه ومن وافقه، والله أعلم.
وفي هذا الحديث: استحباب وصية العالم أصحابه بالمندوبات وفعلها.
وفيه: استحباب صيام ثلاثة أَيَّام من كلِّ شهر.
وفيه: استحباب ركعتين من الضُّحى كل يوم.
وفيه: شرعية الوتر، وأنه يفعل قبل النوم، على ما بينَّاه، والله أعلم.
* * *
الحديث الرَّابع
عَنْ محمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قالَ: سألتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: أَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وزاد مسلم: وَرَبِّ الكَعْبَةِ! (1).
أمَّا محمَّدُ بنُ عبد الله بنِ جعفرٍ؛ فهو تابعيٌّ قرشيٌّ مخزوميٌّ مكِّيٌّ، ثقة، قليل
(1) رواه البخاري (1883)، كتاب: الصوم، باب: صوم يوم الجمعة، ومسلم (1143)، كتاب: الصيام، باب: كراهة صيام يوم الجمعة منفردًا، إلا أنه قال:"نعم ورب هذا البيت".
الحديث، وثَّقه أبو زُرعة وابنُ معين، وقال ابن سعد: كان ثقة، وقال ابن معين: مشهور، وقال أبو حاتم: لا بأس بحديثه.
روى له البخاري ومسلم وغيرهما، واسم أبي جدِّه جعفرِ: رفاعةُ بن أميَّة بن عابد -بالباء الموحَّدة- بنِ عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأمُّه زينبُ بنت عبد الله بن السَّائب بن أبي السَّائب المخزومي، وسمع أيضًا عبدَ الله بن عمر، وأبا هريرة، وعبد الله بنَ عمرِو بن العاص، وغيرهم، وروى عنه جماعة (1).
وأمَّا جابر، فتقدَّم ذكره.
وهذا الحديث نص صريح في النَّهي عن صوم يوم الجمعة بمفرده، كيف وقد أقسم جابر في جوابه عن نهي النَّبي صلى الله عليه وسلم عن صومه بربِّ الكعبة، وأما بمفرده جمعًا بينه وبين الأحاديث الصَّحيحة الثابتة في عدم كراهة صومه، إذا صام يومًا قبله أو بعده، أو كان صوم يصومه عادة بنذر أو غيره، وأمَّا إذا لم يكن من ذلك، فهو مكروه، وبه قال من الصَّحابة رضي الله عنهم: أبو هريرة، وسلمان، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، وأصحابه، وقال مالك: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يُقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامُه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحرَّاه (2)، وقد قيل: إنَّ الَّذي كان يتحرَّى صومه: محمَّد بن المنكدر، وهو الَّذي رىه مالك، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسُّنّة مقدمة على ما رآه هو وغيره، والنَّهي ثابت من غير نسخ له، فتعين القول به.
ومالك رحمه الله معذور؛ حيث لم تبلغه هذه السُّنَّة، ولو بلغته، لقال بها، كيف وهو - رحمه الله تعالى - يقول: كل أحد مأخوذ من قوله ومتروك، إلا
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 475)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 175)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/ 13)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 356)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 101)، و"تهذيب الكمال" للمزي (25/ 433)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (9/ 216).
(2)
انظر: "الموطأ" للإمام مالك (1/ 311).
صاحب هذا القبر -يشير إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم (1)؟!
قال الداودي -وكان من أصحاب مالك-: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، ولو بلغه، لم يخالفه (2).
واختلف العلماء في علَّة النَّهي عن صوم يوم الجمعة، والحكمة، فروي عن علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه -، وأبي ذر رضي الله عنهما: أنَّهما قالا: إنَّه يوم عيد وطعام وشراب، فلا ينبغي صيامه، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأورد الطَّحاوي في ذلك حديثًا مسندًا، غير أنَّ في سنده مقالًا، وبيَّنه بعضهم، ولفظه أنَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصوموا يوم الجمعة" فإنَّه يومُ عيد، إلا أَنْ تَصِلوه بأيام" (3)، يريد به: بعض الأَيَّام.
وقال بعضهم: يوم الجمعة يومُ دعاء وذكر وعبادة؛ من الغسل، والتبكير إلى الصَّلاة، وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذِّكر بعدها؛ لقول الله عز وجل:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة: 10]، وغير ذلك من العبادات في يومها، ويستحبُّ الفطر فيه؛ ليكون أعون له على هذه الوظائف، وأدائها بنشاط وانشراح لها، والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير صوم الحاج يوم عرفة بعرفة؛ فإنَّ السُّنَّة فيه الفطر؛ لهذه الحكمة.
فإن قيل: لو كان الأمر كما ذكرتم من العلَّة والحكمة، لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده؛ لبقاء هذا المعنى، والجواب أنه يحصل له بفضيلة الصوم الَّذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في [وظائف] يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النَّهي عن إفراد صوم
(1) انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (8/ 93).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 19)، و"حاشية ابن القيم على السنن"(7/ 47)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 179).
(3)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 79)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(237)، وابن حبان في "صحيحه"(3610)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الجمعة، وقال بعضهم: سببه خشية أنَّ يستمر على صومه، فيعتقد فرضه، وهذا منتقض بصوم الأيام الَّتي حضَّ الشرع على صيامها؛ فإنها مشروعة الصِّيام والمواظبة عليها من غير كراهة، ولم تترك لخوف اعتقاد وجوبها، كيف وهو صلى الله عليه وسلم لم يبيِّن هذا المعنى هنا كما بيَّنه في قيام رمضان؟! ولما زال المعنى، اتفق الصَّحابة رضي الله عنهم على قيامه.
وأجمع المسلمون على فعله من غير اعتقاد وجوبه، وبيَّن ذلك عمر رضي الله عنه، وهو مستمر إلى الآن من غير نكير.
وقيل: خشية أنَّ يعظم بالصوم، كما عظَّمت اليهود والنَّصارى السَّبت والأحد من ترك العمل، وهذا باطل؛ فإنَّ تعظيم يوم الجمعة ثابت مبيَّن في الكتاب والسُّنَّة بأمور كثيرة، ولا يلزم من تعظيمه بالصَّوم لو كان مشروعًا التَّشبُّهُ بالسَّبتية والأحدية، فإنَّهم لا يعظمونه بذلك، لم يكن نهيه صلى الله عليه وسلم عن صومه ملزومًا بالتشبه بهم، ولا لازمًا، بل لأمر اطلع عليه صلى الله عليه وسلم، كيف وهم يعظِّمون سبتهم وأحدَهم بالأكل والشُّرب؛ فقد روى أبو حاتم بن حبَّان في "صحيحه" عن أم سلمة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله أكثرَ ما كان يصوم من الأيام، يوم السَّبت والأحد، وكان يقول:"إنَّهما عيدانِ للمشركينَ، وأنا أريدُ أنْ أخالفَهم"(1).
ومعلوم أنَّ يوم العيد يومُ أكل وشرب، ويترك العمل والسعي في مصالحهم، وقد كانوا أمروا بيوم الجمعة كما أمرنا به، فخالفوا وبدَّلوا، فجعل عليهم غضبًا وتغليظًا، وتعظيم يوم الجمعة معروت عندهم، لكنَّهم غيَّروا وبدَّلوا.
والَّذي يقع التَّشبُّه بهم فيه ترك العمل، كما يفعله المصريون في هذه الأزمنة؛ فإنَّهم تشبَّهوا فيه بسبت اليهود، وكان صلى الله عليه وسلم يزور قباء كلَّ سبت، والله أعلم.
وفي الحديث دليل على جواز الحلف من غير استحلاف؛ لتحقق الأمر.
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(3616)، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 323)، والنسائي في "السنن الكبرى"(2776)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2167)، والطبراني في "المعجم الكبير"(23/ 283)، والحاكم في "المستدرك"(1593).