الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الكسوف
الحديث الأول
عَنْ عَائشِةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: الصَّلاة جامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ، فَكَبَّرَ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ في رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ (1).
تقدم ذكر عائشة رضي الله عنها.
وقولها: خَسَفَتْ، يقال: خسفت -بفتح الخاء المعجمة وفتح السين المهملة-، ويقال: خُسِفَتْ -بضم الخاء، على ما لم يُسَمَّ فاعلُه-، يقال: كسفت الشمس والقمر، وكُسفا، وانكسفا، وخَسفا، وخُسِفا، وانخسفا، ست لغات.
وقيل: الكسوف مختص بالشمس، والخسوف بالقمر، وهو ظاهر في القرآن العزيز في سورة القيامة في قوله تعالى:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)} [القيامة: 7]، وقيل عكسه، وهو ضعيف، ويشهد لاختلاف اللغات اختلاف الألفاظ في الأحاديث الصحيحة، وكلها بمعنى واحد؛ فإنها كلها أطلقت على معنى واحد.
وفيل: الكسوف في أوله، والخسوف في آخره إذا اشتد ذهاب الضوء.
(1) رواه البخاري (1016)، كتاب: الكسوف، باب: الجهر بالقراءة في الكسوف، ومسلم (901)، كتاب: الكسوف، باب: صلاة الكسوف.
وقيل: الكسوف: ذهابُ النور بالكلية، والخسوفُ: تغير اللون (1).
قولها: فبعث مناديًا ينادي: الصلاةَ جامعةً، الصلاةَ جامعةً، منصوبان، الأول على الإغراء، والثاني على الحال.
وفي هذا الحديث أحكام:
الأول: المبادرة إلى الصلاة عند خسوف الشمس والسعي في أسبابها بالنداء لها والاجتماع.
الثاني: اهتمام الإمام بها والتحريض عليها.
الثالث: المبادرة إلى الاجتماع لها من غير تأخير.
الرابع: كونها سنةً مؤكدة، وذلك مجمَعٌ عليه؛ لبِدار النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وجمع الناس عليها، وإظهاره ذلك.
وحكم خسوف القمر كذلك عند الجمهور، وتردد مالك في الصلاة له، ولم يلحقها بكسوف الشمس في قول.
الخامس: لا يؤذَّن لها، ولا يُقام، اتفاقًا، وهذا الحديث يدل على أنه ينادى لها: الصلاةَ جامعةً، وهو حجة لمن استحبه.
السادس: أن السنة أن تصلَّي في جماعة، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء، وقال العراقيون: فرادى، وهذا الحديث وغيره حجة عليهم.
السابع: السنة في كيفيتها أن تُصلَّى ركعتين، في كل ركعة قيامان وركوعان وسجودان، وهو مذهب الشافعي، ومالك، والليث، وأحمد بن حنبل، وأبي ثور، وجمهور علماء الحجاز وغيرهم.
وقال الكوفيون: هما ركعتان كسائر النوافل، وهذا الحديث مع حديث جابر
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 246)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 85)، و"لسان العرب" لابن منظور (9/ 67).
وابن عباس وابن عمرو بن العاص حجة عليهم، مع أنه قد صح غيره أيضًا، وهو ثلاث ركعات، وأربع ركعات في ركعة واحدة، لكن قال ابن عبد البر: أحاديث قول الجمهور أصحُّ ما في الباب، وما باقي في الروايات المخالفة معللة ضعيفة (1).
قلت: وحديث جابر بن سمرة وأبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين (2)، الذي احتج به الكوفيون، مطلق، والروايات الصحيحة تبين المراد به، وبتقدير صحته، فالروايات الكثيرة أصح، ورواتها أحفظ وأضبط، ومن العلماء من اعتذر عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع رأسه ليختبر حال الشمس، هل انجلت أم لا؟ فإذا لم يرها انجلت، ركع.
وقال شيخنا أبو الفتح القاضي رحمه الله: وفي هذا التأويل ضعف إذا قلنا: سنتها ركعتان كسائر النوافل (3).
ومن العلماء من قال: اختلاف الروايات بحسب اختلاف حال الكسوف، ففي بعض الأوقات تأخرَ انجلاءُ الكسوف، فزاد عددَ الركوع، وفي بعضها أسرعَ الانجلاء، فاقتصرَ، وفي بعضها توسَّطَ بينهما، فتوسَّطَ في عدده.
واعترض الأولون على هذا بأن تأخر الانجلاء لا يعلم في أول الحال، ولا في الركعة الأولى، وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه، منويٌّ من أول الحال، وكان العلماء
(1) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (3/ 314)، قلت: وقد أطال رحمه الله في هذا الموضع من ذكر الحجج على قول الجمهور، فمن أراد الشفاء من هذا، طالعَه هناك فاشتفى. وقد نقل المؤلف رحمه الله هنا عبارة الإمام النووي في "شرح مسلم"(6/ 198) في حكاية كلام ابن عبد البر.
(2)
رواه البخاري (1014)، كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف القمر، عن أبي بكرة رضي الله عنه.
ورواه مسلم (913)، كتاب: الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 136).