الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث أحكام:
منها: تحريم صوم يوم الفطر والأضحى.
ومنها: كراهة اشتمال الصَّماء.
ومنها: كراهة الاحتباء في ثوب واحد، وأمَّا الاحتباء بنصب الساقين وإلصاقهما بالإليتين، ووضع يده اليمنى على اليسرى عوضًا عن الثوب، فهو جائز، بل مستحبٌّ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس محتبيًا، وأمَّا الجلوس كذلك، ووضعُ اليدين على الأرض، فمنهيٌّ عنه؛ لما فيه من التشبُّه بالكلاب.
وأمَّا نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحبوة يوم الجمعة، والإمامُ يخطب؛ فلأنَّ الاحتباء يجلب النَّوم، فلا يسمع الخطبة، ويعرِّض طهارته للانتقاض.
ومنها: كراهة صلاة النَّفل المطلق بعد صلاة الصُّبح وصلاة العصر، وهذا متَّفق عليه، وأما صلاة ذات السبب؛ من قضاء فائتة، وتحيَّةِ مسجدٍ، ونحوهما، فلا يكره، وكراهة المطلق كراهة تحريم على أصحَّ الوجهين في مذهب الشَّافعي، فلا ينعقد، وتقدم الكلام على ذلك في باب المواقيت.
* * *
الحديث الثَّامن
عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدِّرِيِّ أَيْضًا رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وسلم: "مَن صَامَ يَوْمًا في سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(1).
اعلم أنَّ سبيل الله عز وجل في الأكثر من العرف هو الجِهاد، وأكثر استعماله في لفظ الشارع فيه، فإذا حُمل عليه، كانت الفضيلة فيه؛ لاجتماع فضيلة عبادتي الصَّوم والجهاد.
(1) رواه البخاري (2685)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل الصوم في سبيل الله، ومسلم (1153)، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق، وهذا لفظ البخاري.
ويحتمل أنَّ يراد بسبيل الله: طاعته، كيف كانت، ويعبر بذلك عن صحة القصد، والنِّية فيه، لكن الأول أقرب إلى العُرْفِ.
وقد ورد في بعض الأحاديث جعل الحج وسفره من سبيل الله، وفي الكتاب العزيز:{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: 100].
قال شيخُنا أبو الفتح القاضي رحمه الله (1): وهذا استعمال وضعي.
والخريف هنا: السَّنة، واحدة السنين، يريد به سبعين سنة، وقد يعبَّر بالسَّنة عن الفَصلِ المعروف، الَّذي هو وقت اختراف الثمار؛ لأنَّه إذا مرَّ الخريف، فقد مضتِ السَّنةُ؛ حيث لا يوجد في السَّنة إلا خريف واحد، وقد يعبر عن السَّنة ببعض فصولها، كالرَّبيع والمصيف والمشتى؛ إذ ليس في العام إلا فصل واحد منها، لكن قال بعضهم: تسميته بالخريف أولى؛ لأن فيه نهاية ما بدا في الفصول قبله؛ فإن الأزهار تبدو في الرَّبيع، وتتشكَّل في صورها في الصَّيف، وفيه يبدو وينضج أكثرها، ووقت الانتفاع بها أكلًا وتحصيلًا وادخارًا هو الخريف، وهو معظم المقصود من السَّنة، فكأنَّه المقصود بالذكر عن السَّنة دون غيره، والله أعلم.
ثم المراد بالوجه: جملةُ الشخص الصَّائم في سبيل الله، وعبَّر به عن الجملة؛ لأنه أشرف ما فيه.
ثم قوله: "يومًا" إن أريد به واحد الأيام، كان دليلًا على استحباب صومه، سواء أردنا بسبيل الله: الجهاد، والطاعة؛ حيث لا يحصل به ضعف المجاهد عن جهاده ولا طاعته، وإن أردنا به: جنس الصَّوم، وأنَّه لا يتقيد بعدد، فينبغي أنَّ يكون بحيث لا يضعف به عن مقصوده من عمله في الجهاد أو الطَّاعة، والله أعلم.
وأمَّا المباعدة عن النَّار في هذا الحديث، فهي بحيث لا يحس بها، ولا يجد
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 247).
ألمها، وعبَّر بالسبعين خريفًا عن ذلك؛ مبالغة في المباعدة عنها، والله أعلم.
وفي الحديث: الحثُّ على الصوم المطلق في كل موطن، حتى في الجهاد وغيره، على ما بيَّنَّاه.
وفيه: الحث على اجتماع الفضل في الطَّاعات، وأنَّه إذا أمكن الجمع فيها، كان أفضل؛ تكثيرًا للأجور.
وفيه: جواز التعبير عن الكلِّ بالجزء إذا كان له وجه فضيلة وشرف، والله أعلم.
* * *