الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالصائم، وأقوى على الصيام، والله أعلم.
وأمَّا كون النَّاس بفعله بخير، وأن الدين لم يزل ظاهرًا بتعجيله؛ فلِما فيه من إظهار السنَّة؛ فإنَّ الخير كله في متابعتها، والشر كله في مخالفتها، وفعلها كالعلم على صلاح الدِّين والأمور كلها، وتركها كالعلم على فساد الدِّين والأمور كلها، حتَّى إنَّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا خذلوا في أمرٍ، فتَّشوا على ما تركوا من السنَّة، فإذا وجدوه، علموا أنَّ الخذلان إنَّما وقع بترك تلك السنَّة، فلا يزال أمر الأمة منتظمًا، وهم بخير، ما داموا محافظين على سنَّة تعجيل الفطر، وإذا أخَّروه، كان علامةً على فساد يقعون فيه.
وفي الحديث دليل على استحباب تعجيل الفطر، بعد تحقق غروب الشَّمس، وقد اتَّفق العلماء عليه.
وفيه: الردُّ على المتشيعة الذين يؤخرون الفطر إلى ظهور النجم، ولعلَّ المراد بالحديث الرَّدُّ عليهم.
وفيه: الحثُّ على اتِّباع السنَّة، وترك مخالفتها، وأن فساد الأمر بتركها، والله أعلم.
* * *
الحديث العاشر
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّاب رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِن هَاهُنَا، وَأَدْبرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ"(1).
وتقدَّم الكلام على عمر أول الكتاب.
أمَّا إقبال الليل وإدبار النهار، فهما متلازمان في الوجود، وقد ينفكان في الحس في بعض المواضع؛ بأن يكون في جهة المغرب ما يستر البصر عن
(1) رواه البخاري (1853)، كتاب: الصوم، باب: متى يحل فطر الصائم، ومسلم (1100)، كتاب: الصوم، باب: بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار.
الغروب، ويكون بالمشرق ظاهرًا بارزًا؛ بأن يكون في واد؛ بحيث لا يشاهد غروب الشمس، فيعتبر إقبال الظلام، وإدبار الضياء.
وجاء في رواية في هذا الحديث: "وغابت الشمس"(1)، وهي ملازمة للإقبال والإدبار، لكنَّها مخرجة على ما ذكرنا فيهما.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ"، معناه: فقد انقضى صومه وتمَّ، وصار في حكم المفطر، وإن لم يأكل، ويكون المعنى: فقد حل له الفطر بعد أن كان حرامًا، أو يكون المراد: فقد دخل في الفطر، وإن لم يأكل، كما يقال: أصبح، إذا دخل في وقت الصُّبح، وأمسى، وأظهر كذلك، ويكون مفطرًا شرعًا، لا حسًّا؛ كالعيدين والتشريق، وتكون الفائدة فيه: أنَّ اللَّيل غير قابل للصوم، وأنَّه بنفس دخوله خرج الصائم من الصَّوم.
وعلى المعنى الأول: يكون دخول اللَّيل علامةً لجواز الفطر، وعلى الثاني: يكون فيه بيان امتناع الوصال، بمعنى الصَّوم الشرعي.
فلا يكون من أمسك حسًّا صائمًا شرعًا، بل هو مفطر شرعًا، وفي ضمن ذلك إبطال فائدة الوصال شرعًا؛ إذ لا يحصل به ثواب الصَّوم.
وقال بعضهم: لا يجوز الإمساك بعد الغروب، وهو كإمساك يوم الفطر، ويوم النَّحر، وقال بعضهم: هو جائز، وله أجر الصائم، واحتجوا بأن الأحاديث الواردة في الوصال فيها ما يدل على النَّهي عن الوصال تخفيفا ورفقًا، وفي بعضها نهاهم عن الوصال رحمة لهم.
وفي هذا الحديث فوائد:
بيان وقت الصَّوم وتحديده.
ومنها: الرَّد على أهل الكتاب وغيرهم من المتشيعة الذين قالوا: لا يفطر حتَّى تظهر النجوم.
(1) تقدم تخريجه قريبًا.