الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَن عَلِي بْنِ أَبي طَالِبِ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَني النبِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدنِهِ، وَأَن أتصَدقَ بِلُحُومهَا وَجُلُودِهَا، وَأَجِلَّتِهَا، وَأَلا أعطِيَ الجَزارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ:"نحْنُ نُعطِيه مِنْ عِندِنَا"(1).
تقدم الكلام على علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وَأما بُدْنه: فتقدم الكلام أنها بإسكان الدال وضمها، جمع بَدَنَة، ومعنى القيام عليها: إصلاح شأنها في علفها ورعيتها وسقيها، وسوقها، وإزالة الضرر عنها، والعمل فيها بما يجب ويشرع ويحذر.
وأما الأَجِلة؛ فهي جمع جِلَال، وهو ما يتخذ من الثياب تشق على الأسنمة، إذا كانت قليلة الثمن، لئلا تسقط، وتعقد أطراف الجلال على أذنابها، ويكون ذلك بعد إشعارها لئلا يتلطخ بالدم. والأَجِلة مختصة الاستحباب بالإبل عند العلماء، قال القاضي عياض رحمه الله: وفي شق الجلال على الأسنمة، فائدة أخرى، وهي إظهار الإشعار لئلا تُستر تحتها (2).
والجزار معروف، وهو الذي يتولى سلخها وتقطيع اللحم، وتفصيل أعضاء الحيوان المهدى، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: جواز الإشعار به في سوق الهدايا، والقيام عليها وذبحها، وفي التصدق بها.
ومنها: استحباب التصدق بجميع لحومها وجلودها وجلالها، ولا شك أنه أفضل، وواجب في بعض الدماء.
(1) رواه البخاري (1631)، كتاب: الحج، باب: يتصدق بجلال البدن، ومسلم (1317)، كتاب: الحج، باب: في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها، وهذا لفظ مسلم.
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (9/ 66).
ومنها: أن الجلود تجري مجرى اللحم في التصدق؛ لأنها من جملة ما يتصدق به، فحكمها حكمه.
ومنها: استحباب تجليل الهدايا، وهو سنة ثابتة تختص بالإبل، وهو مما اشتهر فعله من عمل السلف، ورآه مالك، والشافعي، وأبو ثور، وإسحاق، قال العلماء: ويستحب أن تكون قيمة الجلال ونفاسته بحسب حال المهدي، وكان بعض السلف يجلل بالوشي، وبعضهم بالحبرة، وبعضهم بالقباطي والملاحف والأزر.
قال مالك رحمه الله: وتشق على الأسنمة إن كانت قليلة الثمن، لئلا تسقط، قال: وما علمت من ترك ذلك إلا ابن عمر رضي الله عنهما؛ استبقاءً للثياب؛ لأنه كان يجلل الجلال المرتفعة من الأنماط والبرود والحبر.
قال: وكان لا يجلل حتى يغدو من منى إلى عرفات.
قال: وروي عنه أنه كان يجلل من ذي الحليفة، وكان يعقد أطراف الجلال على أذنابها، فإذا مشى ليلة عرفة، نزعها؛ فإذا كان يوم عرفة، جلَّلهَا، فإذا كان عند النحر، نزعها؛ لئلا يصيبها الدم.
قال مالك: أما الجِلال، فتنزع بالليل، لئلا يخرقها الشوك، قال: وأستحب إن كانت الجِلال مرتفعة أن يترك شقها، وألًا يجللها حتى يغدو إلى عرفات، فإن كانت بثمن يسير، فمن حينِ يحرم يشق ويجلِّل.
وكان ابن عمر أولًا يكسو الجلال الكعبة، فلما كسيت، تصدق بها على الفقراء، والله أعلم.
ومنها: عدم إعطاء الجزار منها شيئًا مطلقا بكل وجه، وهو ظاهر الحديث، ولا شك في امتناعه إذا كان إعطاؤه أجرة للذبح؛ لأنه معاوضة ببعض الهدي، وهي في الأجرة كالبيع، وهو لا يجوز، أما إذا كان ما يعطيه منها خارجًا عن الأجرة زائدًا عليها، فالقياس جوازه، ولكن السنة منعته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"نحن نعطيه من عندنا"، فأطلق المنع من غير تقييد، والذي يخشى من إعطائه منها أن يقع