الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السَّلَمِ
السَّلَم: اسم مصدر لسلم وأسلم، قال أهل اللغة: يقال: السَّلَمُ والسَّلَفُ، وأسلم وسلم، وأسلف وسلف، ويكون السلف قرضًا -أيضًا-، ويقال: استسلف، قال أصحاب الشافعي: ويشترك السلم والقرض في أن كلًّا منهما إثبات مالٍ في الذِّمة بمبذول في الحال، وذكروا في حد السلم عبارات كثيرة، أجودها: أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلًا، وسُمي سلمًا؛ لتسليم رأس المال في المجلس، وسُمي سلفًا؛ لتقديم رأس المال (1).
* * *
الحديث الأول
عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينهَ وَهُم يُسْلِفُونَ في الثِّمَارِ السَّنَتَينِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ:"مَن أَسْلَفَ في شَيْء، فَلْيُسْلِفْ في كَيلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ"(2).
أما السلم: فقد أجمع المسلمون عليه، لكنه بالشروط المعتبرة في الأحاديث
(1) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 217)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 396)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 41)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" له أيضًا (ص: 187).
(2)
رواه البخاري (2124)، كتاب: السلم، باب: السلم في كيل معلوم، ومسلم (1604)، كتاب: المساقاة، باب: السلم.
الصحيحة، وهي: أن يكون قدر المسلم فيه معلومًا بالكيل إن كان مكيلًا، والوزن إن كان موزونًا، أو غيرهما مما يضبط به، وتكون الواو في قوله صلى الله عليه وسلم:"فَليُسلِف في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزنِ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعلُومٍ" بمعنى (أو)، ولو أخذنا على ظاهرها من معناها -وهو الجمع-، لزم أن نجمع في الشيء الواحد بين السلم فيه مكيلًا وموزونًا، وذلك يفضي التي عزَّة الوجود، وهو مانع من صحة السلم، فتعين حمل الحديث على ما ذكرناه من التفصيل من جوازه في الكيل مكيلًا، وفي الموزون موزونًا، وكذلك المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم:"إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" أنه إن أسلم إلى أجل، فليكن معلومًا لا مجهولًا، وإن أطلق السلم، حمل على الحلول؛ لأنه إذا جاز مع الأجل المعلوم، وفيه الغرر البين، فمع الحال أولى؛ لأنه أبعد من الغرر، وليس ذكر الكيل والوزن في الحديث دليلًا على الحصر؛ لجواز السلم في المكيل أو الموزون، دون المذروع والمعدود مما يضبطه قدر السلم فيه، بل ذلك جميعه جائز بلا خلاف بين العلماء.
وفي الحديث أحكام:
منها: جواز السلم المؤجل، وهو مجمع عليه.
وأما الحالُّ: فجوزه الشافعي وآخرون، ومنعه مالك، وأبو حنيفة، وآخرون، مستدلين بتوجه الأمر في الحديث في قوله:"فليسلم إلى الأجل والعلم معًا". ودليل الشافعي وغيره: ما تقدم، وأجمعوا على اشتراط وصفه بما يضبط به.
ومنها: جواز السلم المؤجل -وهو مجمع عليه- السنتين والثلاث إذا لم ينقطع المسلم فيه في أثنائها؛ بأن كانت الثمرة موجودة تلك المدة رطبة، فإن لم يوجد، لم يجز، بل يجوز في مدةٍ يؤخذ منها.
ومنها: جواز السلم في الكيل وزنًا؛ حيث إنه أضبط، وهو جائز بلا خلاف.
وفي جواز السلم في الموزون كيلًا وجهان للشافعية، أصحهما عندهم: جوازه؛ كعكسه.
واعلم أنه يلزم الشافعية ومن قال بقولهم في جواز السلم الحال جوازُ بيع العين الغائبة إذا وصفت بأوصاف السلم، وقد منعها الشافعي في قوله الجديد، ولهذا اختار المحققون من أصحابه جوازَ بيعها مع ثبوت خيار للمشتري إذا رأى ذلك، والله أعلم.
* * *