الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصومَ، فلا جُناحَ عَلَيهِ" (1)، وظاهره: ترجيح الفطر، وأجاب الأكثرون بأنَّ هذا فيمن يخاف ضررًا، أو يجد مشقةً، والله أعلم.
وفي هذا الحديث دليل على جواز السفر في رمضان، خصوصًا إذا كان في طاعة.
وفيه دليل على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأحواله صلى الله عليه وسلم.
وفيه دليل على شرعية حكاية الحال، والله أعلم.
* * *
الحديث الرابع
عنْ جابِرٍ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فرأى زِحَامًا، ورجلًا قَد ظُلِّلَ عليهِ، فقالَ:"ما هذا؟ " قالوا: صائمٌ، قال:"لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ"(2). ولمسلم: "عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ"(3).
أما الرجل المبهم الَّذي ظلل عليه، فلا أعلمه بعد الكشف عليه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ من البر الصومُ في السفر"، وروي في بعض الروايات:"ليس البر"(4) بغير "من"، فمن أثبتها، فهي "مِن" الزائدة المرادة لتأكيد النفي، وقد ذهب بعض الناس إلى أنها مبعضة هنا، وليس بشيء، وروى أهل الأدب:
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه البخاري (1844)، كتاب: الصوم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر: "ليس من البر الصوم في السفر"، ومسلم (1115)، كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية.
(3)
رواه مسلم (1115)، (2/ 784)، كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية.
(4)
رواه النسائي في "السنن الكبرى"(2565)، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 352)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2017)، وابن حبان في "صحيحه"(3552).
ليس من امبر امصيام في السفر، فابدلوا من اللام ميمًا، وهي لغة قوم من العرب، وهي قليلة، والله أعلم.
وقد أخذ من هذا الحديث: أنَّ كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذا الحال، ممّن يجهده الصوم ويشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات، ويكون قوله:"لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ" منزلًا على هذه الحال، لكن المانعون من الصوم في السفر يقولون: اللفظ عام، والعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السَّبب، وينبغي أن تتفطن لقاعدة كبيرة، وهي النظر في اللفظ العام المجرد، الجاري على سبب، وفي دلالة السياق والقرائن التي تخصص العام وتدل على مراد المتكلِّم، ولا يجري كل ذلك مجرى واحدًا؛ فإنَّ مجرَّد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص؛ كقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38]{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]؛ فإنها نزلت بسبب سرقة رداء صفوان، وذلك لا يقتضي التخصيص بالضرورة والإجماع، وأما السياق والقرائن، فإنها الدالة على مراد المتكلِّم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المحتملات، فاضبط هذه القاعدة، فإنها نفيسة مفيدة لمواضع لا تحصى جارية منها، فانظر في قوله صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّومُ في السَّفَرِ"، مع حكاية حال الرجل المظلل عليه من أي القبيلين هو، فنزله عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِرُخصةِ اللهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ" دليل على استحباب التمسك بالرخصة والعمل بها، إذا دعت الحاجة إليها، ولا تترك على وجه التشديد على النَّفس والتنطُّع والتعمُّق، والله أعلم.
وفي الحديث دليل على شرعيَّةِ السؤال عن أمور الناس وأحوالهم، في اجتماعهم وافتراقهم لولاة الأمور والعلماء؛ ليرشدوهم إلى الصواب والعمل به، وأنَّ ذلك ليس مما لا يعني.
وفيه دليل على أنَّ البرّ ليس مطلقًا، بل مقيَّد بالشَّرع،