الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: صلى النبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُم ذَبَحَ، وَقَالَ:"من ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ أخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ"(1).
أما جُندُب بنُ عبد الله، فهو -بضم الجيم والدال المهملة بينهما نون ساكنة، ويقال: بفتح الدال أيضًا-، وحكى لي بعض شيوخي أن أبا محمد عبد العظيم الحافظ المنذري رحمه الله قال: ويقال فيه: جندب -بكسر الجيم وفتح الدال- وكأنه قاله لغة من واحد الجنادب الذي هو طائر، لا وضعًا في هذا الاسم المعين، والله أعلم.
وجندب هذا هو ابن عبد اللهِ بنِ شقيقٍ، ويقال فيه: ابن سفيان، وكأنه نسبه إلى جده، فإن الأول أشهر وأصح، كنيته: أبو عبد الله، وهو منسوب إلى علقة، وعلقة حيٌّ من بَجيلةَ، صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال له: جندب الخير، نزل الكوفة ثم تحول إلى البصرة، فحديثه عند البصريين جميعًا.
قال العلائي: جندب من بني علقة بن عبد اله بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث أخي الأزد بن غوث.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وأربعون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم منها على سبعة، وانفرد مسلم بخمسة، روى عنه الحسن البصري، وأبو عمران عبد الملك بن حبيب الجوني، وأبو مجلز لاحقُ بنُ حميد، وغيرهم من التابعين، وروى له أصحاب السنن والمساند، مات سنة أربع وستين (2).
(1) رواه البخاري (942)، كتاب: العيدين، باب: كلام الإمام والناس في خطبة العيد، ومسلم (1960)، كتاب: الأضاحي، باب: وقتها.
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 35)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 221)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 56)، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/ 510)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 236)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (1/ 66)، و"تهذيب =
وأما البَجَلِيّ -بفتح الباء الموحدة والجيم ثم اللام ثم ياء النسب- فنسبة إلى بَجيلةَ، قال السمعاني (1): هذه النسبة إلى قبيلة بجيلة، وهو ابن أنمار بن أراش كما تقدم ذكرنا له قريبًا، وقيل: إن بجيلة اسم أمهم، وهي من سعد العشيرة، وأختها باهلة، ولدتا قبيلتين عظيمتين نزلتا الكوفة، وبجيلة -أيضًا- حي من سليم، وبجيلة -أيضًا- من عُكّ بنِ عُدْثان -بضم العين المهملة وبالثاء المثلثة بعد الدال- والصحيح أن عكًا أخو مَعَدّ بنِ عدنان -بفتح العين المهملة وبالنون-، وبجيلة أيضًا من أحمس، وتشتبه هذه النسبة بالبَجْلي -بسكون الجيم- نسبة إلى امرأة اسمها بجلة بنت هناه بن مالك بن فهم الأزدي، منهم عمرو بن عبسة. صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، وهم رهط من سليم بن منصور، يقال لهم: بنو بجلة، والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن لم يذبحْ فَليذبحْ باسم الله"قال الكتاب من أهل العربية: إذا قيل: باسم الله، تعين كتبه بالألف، وإنما تحذف الألف إذا كتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بكمالها (2)، ومعناه فليذبح قائلًا: باسم الله، والتسمية على الذبيحة سنة عند جمهور العلماء، وواجبة عند بعضهم، قال ابن سيرين والشعبي: إذا ذبح المسلم من غير تسمية، حَرُمت، سواء تركها عمدًا أو سهوًا، وقال الثوري وجماعة: إن تركها عامدًا، لا تحل، وإن تركها ناسيًا، تحل، وقال ابن عباس وخلق من الصحابة والتابعين: تحل، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد، واحتج لذلك بما ثبت في "صحيح البخاري" رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قالوا: يا رسول الله! إن هنا أقوامًا حديثُ عهدٍ بشرك يأتون بلُحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا، قال: "اذكروا أنتم
= الكمال" للمزي (5/ 137)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 174)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (1/ 508)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (2/ 101).
(1)
انظر: "الأنساب" للسمعاني (1/ 284).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (13/ 110).
اسمَ اللهِ وكلوا" (1)، فلو كانت التسمية شرطًا للإباحة، لكان الشك في وجوده مانعًا من تسميته كالشك في أصل الذبح.
ومعنى هذا الحديث معنى الحديث الذي قبله من حيث إن الضحية لا يدخل وقتها إلا بعد الصلاة والخطبة، وهو أظهر في اعتبار فعل الصلاة من الذي قبله، فإن الأول اقتضى تعليق الحكم بلفظ الصلاة، وهذا لم يعلق فيه الحكم بلفظ فيه الألف واللام، إلا أنه إن جرينا على ظاهره، اقتضى أنه لا تجزي الأضحية في حق من لم يصل صلاة العيد أصلًا.
قال شيخنا أبو الفتح رحمه الله: فإن ذهب إليه أحد، فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث، وإلا فالواجب الخروج عن الظاهر في هذه الصورة، ويبقى ما عداها بعد الخروج عن الظاهر في محل البحث، قال: وقد يستدل بصيغة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: "فليذبحْ أُخرى" إحدى طائفتين: إما من يرى أن الأضحية واجبة، وإما من يرى أنها تتعين بالشراء بنية الأضحية، أو بغير ذلك؛ من غير اعتبار لفظ التعيين، وإنما قلت ذلك؛ لأن اللفظ المعين للأضحية من صيغة النذر أو غيرها قليلٌ نادر، وصيغة (مَنْ) في قوله صلى الله عليه وسلم:"من ذبح" صيغةُ عموم، واستغراق في حق كل من ذبح قبل أن يصلي، وقد ذكرت لتأسيس قاعدة وتمهيد أصل، وتنزيل صيغ العموم التي ترد لتأسيس القواعد على الصورة النادرة أمر مستكره على قدر في قواعد التأويل في فن أصول الفقه، وإذا تقرر هذا، وهو استبعاد حمله على الأضحية المعينة بالنذر أو غيره من الألفاظ، فينبغي التردد في أن الأولى حمله على من سبق له أضحية معينة بغير اللفظ، أو حمله على ابتداء الأضحية من غير سبق تعيين، هذا آخر كلامه، والله أعلم (2).
وقد يستدل بهذا الحديث بما نقلناه عن مالك رحمه الله في الكلام على الحديث الذي قبله من أنه لا يجوز ذبح الأضحية إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه؛ لأن فعله صلى الله عليه وسلم مورد لبيان الأحكام،
(1) رواه البخاري (6963)، كتاب: التوحيد، باب: السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها.
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 128 - 129).