الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَن بَاعَ نَخْلًا قَد أُبِّرَت، فَثَمَرَتُها لِلبَائع إلَّا أَن يَشتَرِطَ المُبتَاعُ"(1).
ولمسلم: "وَمَنِ ابتَاعَ عَبدًا، فَمَالُهُ للَّذِي بَاعَهُ، إلَّا أَنْ يَشترِطَ المُبتَاعُ"(2).
أمَّا قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن بَاعَ نَخلًا قَد أُبِّرَت"؛ فمعنى أبرت؛ شُقِّقت، والتأبير: التلقيح، وهو تشقيق الكِمام عنه، ويقال له: الإبار، سواءٌ تشقق بحط ذكر شيء من ذكر طلع النخل فيها، أم بنفسها، لكن يسمى وضع الذكر فيها: تلقيحًا.
قال أهل اللغة: أبَرْت النخلَ -بتخفيف الباء الموحدة المفتوحة- آبُرُه -بمد الهمزة وضم الباء- أَبْرًا، كَأكَلْتُهُ آكُلُهُ أَكْلًا، وأَبَّرته -بالتشديد- أُؤَبِّره تأبيرًا، كعلَّمته أُعلِّمه تعليمًا (3).
واعلم أنه لا يلقح جميع النخل، بل يؤبر البعض، ويتشقق الباقي بانبثاث ريح الفحول إليه الذي يحصل به تشقيق الطلع.
إذا باع الشجر بعد التأبير، فالثمر للبائع في صورة الإطلاق، وقيل: تبقى الثمرة له مطلقًا، سواء أبرت أم لا، أما إذا شرط البائع أو المشتري، فالشرط متبع.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وَمَنِ ابتَاعَ عَبْدًا، فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ الَّا أَن يَشتَرِطَ المُبتَاعُ": هكذا روى البخاري ومسلم هذه الزيادة التي أضافها المصنف إلى مسلم خاصة، لكن روايتها لها من رواية سالم عن أبيه ابن عمر، ولم تقع هذه الزيادة في حديث
(1) رواه البخاري (2090)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا قد أبرت أو أرضًا مزروعة أو بإجارة، ومسلم (1543)، (3/ 1172)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا عليها ثمر.
(2)
رواه مسلم (1543)، (3/ 1173)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا عليها ثمر، والبخاري أيضًا (2250)، كتاب: المساقاة، باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل.
(3)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 350)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 13)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 190).
نافع عن ابن عمر، ولا يضر ذلك؛ لأن سالمًا ثقة، وهو أجل من نافع، فزيادته مقبولة، وقد أشار النسائي والدارقطني إلى ترجيح رواية نافع، وهي إشارة مردودة، فحينئذ المصنف معذور؛ من حيث إنه روى الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، والزيادة عنه -أيضًا-، والذي خرجاه في "صحيحيهما" روايتهما له عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلاها من مسند عمر، لا من مسند ابنه، والله أعلم.
وفي الحديث أحكام:
منها: جواز الإبار للنخل وغيره، وقد أجمع العلماء على ذلك، أما في النخل، فللحديث، وأما ما في باقي الثمار، فإنه في معناه.
ومنها: اعتبار التأبير في المبيع حقيقة، وهذا معتبر إذا كان في بستان واحد، واتحد النوع، وباعها صفقة واحدة، فأجرى تأبير البعض مجرى تأبير الجميع، وجعل ذلك كالنخلة الواحدة، فلو اختلف النوع، ففيه وجهان لأصحاب الشافعي، الأصح: أن الثمر يبقى للبائع؛ كما لو اتحد النوع؛ دفعًا لضرر اختلاف [الأيدي] وسواء المشاركة.
ومنها: أنه إذا باع ما لم يؤبر مفردًا بالعقد بعد تأبير غيره من البستان: أنه يكون للمشتري؛ لأنه ليس في المبيع شيء مؤبر، فيقتضي مفهوم الحديث أنه ليس للبائع، وهو أصح الوجهين للشافعية، وكأنه قال: إذا لم يعتبر عدم التأبير إذا بيع مع المؤبر، فيجعل بيعًا، وفي هذه الصورة ليس فيها شيء مؤبر يجعل غيره بيعًا له، وأدخل في هذه الصورة في الحديث ما إذا كان التأبير وعدمه في بستانين مختلفين، والأصح هاهنا: أن كل واحد منهما يفرد بحكمه. أما صحة بيعه مفردًا، ويكون للمشتري، فلظاهر الحديث، وأما إذا كانا في بستانين يفرد كل واحد منهما بحكمه؛ فلأن لاختلاف البقاع تأثيرًا في التأبير، ولأن في البستان الواحد يلزم ضرر اختلاف الأيدي وسواء المشاركة.
ومنها: أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد جائز.
ومنها: جواز بيع النخل المؤبر بعد التأبير وقبله، وهل تدخل الثمرة فيها عند إطلاق بيع النخل من غير تعرض للثمرة بنفي ولا إثبات؟ قال مالك، والشافعي، والليث، والأكثرون: إن باع النخلة بعد التأبير، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المشتري؛ بأن يقول: اشتريت النخلة بثمرتها هذه، وإن باعها قبل التأبير، فثمرتها للمشتري، فإن شرطها البائع لنفسه، جاز عند الشافعي والأكثرين، وقال مالك: لا يجوز شرطها للبائع، وقال أبو حنيفة: هي للبائع قبل التأبير وبعده عند الإطلاق، وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري قبل التأبير وبعده، فأما الشافعي، ومالك، والأكثرون: فأخذوا في المؤبرة بمنطوق الحديث، وفي غيرها بمفهومه، وهو دليل الخطاب، وهو حجة عندهم، وأما أبو حنيفة: فأخذ بمنطوقه في المؤبرة، وهو لا يقول بدليل الخطاب، فألحق غير المؤبرة بالمؤبرة، واعترضوا عليه بأن الظاهر يخالف المستتر في حكم التبعية، كما أن الجنين يتبع الأم في البيع، ولا يتبعها الولد المنفصل، وأما ابن أبي ليلى: فقوله باطل، منابذ لصريح السنَّة، ولعله لم يبلغه الحديث، والله أعلم.
ومنها: جواز بيع العبد ومن في معناه.
ومنها: أن العبد إذا ملَّكه السيدُ مالًا، ملكه، وهو قول مالك، والشافعي في القديم، لكنه إذا باعه بعد ذلك، كان ماله للبائع، إلا أن يشترطه المشتري؛ لظاهر الحديث، وقال الشافعي في الجديد، وأبو حنيفة: لا يملك العبد شيئًا أصلًا، وتأوَّلا الحديث على أن يكون في يد العبد شيء من مال السيد، فأضيف ذلك المال إلى العبد للاختصاص والانتفاع، لا للملك، كما يقال: جل الدابة وسرج الفرس، قالا: فإذا باع السيد العبد، فذلك المال للبائع؛ لأنه ملكه، إلا أن يشترطه المبتاع، فيصح؛ لأنه يكون باع شيئين: العبد والمال الذي في يده، وبثمن واحد، وذلك جائز في الأول. قالا: ويشترط الاحتراز من الربا، وقال الشافعي: فإن كان المال دراهم لم يجز بيع العبد وتلك الدراهم بدراهم، وكذا إن كان دنانير، لم يجز بيعهما بحنطةٍ، وقال مالك رحمه الله: يجوز أن