الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَم المُحَلِّقِينَ" قَالُوا: يَا رسُولَ اللهِ! وَالمُقَصِّرِيَن، قالَ:"اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: يَا رسُولَ اللهِ! وَالمُقَصِّرِينَ، قَالَ:"وَالمُقَصِّرِينَ"(1).
هذا الدعاء للمحلِّقين مكررًا، دون المقَصِّرين، قد وردت روايات في "صحيح مسلم" عن أمِّ الحُصَيْنِ رضي الله عنها: أنه كان في حجة الوداع (2)، وروي في غيره: أنه كان يوم الحديبية من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت: حلق رجل يوم الحديبية، وقصر آخرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ" ثلاثًا، قيل: يا رسول الله! ما بالُ المُحَلِّقينَ ظاهرتَ لَهُمْ بالرحم؟ قال: "لأنهم لم يَشُكُّوا"(3).
قال ابن عبد البر: وكونه في الحديبية هو المحفوظ (4)، قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى-: ولا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في الموضعين (5).
وتكرير النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلِّقين؛ لأنهم بادروا إلى امتثال الأمر، وأتمُّوا فعل ما أمروا به من الحلق. وقد صرح بهذا المعنى في بعض روايات الحديث المروية عن ابن عباس رضي الله عنه حيث قال:"لأنهم لم يشكوا".
واعلم: أن معنى فضيلة الحلق على التقصير؛ أنه أبلغ في العبادة، وأدلُّ على صدق النية في التذلل لله تعالى؛ لأن المقصِّر مبقٍ على نفسه الشعر الذي هو
(1) رواه البخاري (1640)، كتاب: الحج، باب: الحلق والتقصير عند الإحلال، ومسلم (1301)، كتاب: الحج، باب: تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير.
(2)
رواه مسلم (1303)، كتاب: الحج، باب: تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير.
(3)
رواه ابن ماجه (3045)، كتاب: المناسك، باب: الحلق، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 353)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(13618)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 255)، وأبو يعلى في "مسنده"(2718)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 215).
(4)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (15/ 233 - 234).
(5)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (9/ 51).
زينة، والحاج مأمورٌ بترك الزينة، بل هو أشعث أغبر.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: الدعاء بالمغفرة لمن فعل ما شرع له.
ومناسبةُ الدعاء بالمغفرة للمحلِّقين والمقصِّرين؛ حيث إن كل واحد من الحلق والتقصير والمغفرة إزالة في الصورة والمعنى، فالحلق والتقصير إزالة للشعث في الصورة، وهما سببان لغفر الذنب بإزالته أو ستره.
ومنها: تكرار الدعاء لمن فعل الراجح من الفعلين الجائزين.
ومنها: التنبيه بالدعاء وتكريره على ترجيح الراجح.
ومنها: سؤال الدعاء لمن فعل الجائز المرجوح.
ومنها: أن جميع وصف الذكورة لا يدخل فيه الإناث؛ حيث إنهن لا يشرع لهن الحلق، بل المشروع لهن التقصير، قال أصحاب الشافعي رحمه الله: ويكره لهنَّ الحلق، فلو حلقن، حصل النسك.
ومنها: جواز الاقتصار على أحد الأمرين؛ من الحلق أو التقصير.
ومنها: تفضيل الحلق على التقصير في حقِّ الرجال، وقد نقل إجماع العلماء على ذلك.
وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري: أنه قال: يلزمه الحلق أول حجِّه، ولا يجزئه التقصير، فإن صحَّ عنه، رُدَّ بالنصوص، وإجماعِ مَنْ قبله.
ومذهب الشافعي في المشهور عنه: أن الحلق أو التقصير نسك من مناسك الحج والعمرة، ركن من أركانهما، لا يحصل كل واحد منهما إلا به، وبهذا قال العلماء كافة، وللشافعي قول ضعيف: أنه استباحة محظور؛ كالطيب واللباس، وليس بنسك، وهو شاذ، وسواء -في الاستحباب الحلق وترجيحه على التقصير- كان المحرم لبد رأسه أم لا، ولا يلزمه حلقه. وقال جمهور العلماء: يلزمه حلقه إذا لبَّد رأسه، واتفق العلماء على أن الأفضل -في الحلق أو التقصير- أن يكون بعد رمي جمرة العقبة، وبعد ذبح الهدي، وقبل طواف