المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وتكبيرُ ابن عباس رضي الله عنه وقوله: "سنة أَبي القَاسِمِ - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ٢

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الذكر عقيب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السفر وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السَّابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصِّيام وغيره

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السَّادس

- ‌الحديث السَّابع

- ‌الحديث الثَّامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأَوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثَّالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثَّالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب ما يَلْبسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّياب

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌بَابُ الفِدْيةِ

- ‌باب حُرمة مكَّة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌باب دخول مكَّة وغيره

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثَّالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التَّمتُّع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحجِّ إلى العُمْرَةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب المُحْرِم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نُهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السَّلَمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الرِّبَا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

الفصل: وتكبيرُ ابن عباس رضي الله عنه وقوله: "سنة أَبي القَاسِمِ

وتكبيرُ ابن عباس رضي الله عنه وقوله: "سنة أَبي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: يدل على أنه تأيد بالرؤيا واستبشر بها.

وفي ذلك دليل على ما قلناه من الاستئناس والتنبيه على عظم قدر الرؤيا في الشرع، والله أعلم.

وفي الحديث: دليل على السؤال عن العلم.

وفيه دليل: على جواز المتعة.

وفيه دليل: على وجوب الدم فيها، بشروطه.

وفيه دليل: على أن للرؤيا مدخلًا في الأحكام الشرعية، إذا لم تنافها.

وفيه: عرض الرؤيا على الكبار والعلماء.

وفيه: التكبير عند استعظام الأمر والاستبشار به.

وفيه: التنبيه على عظم قدر الرؤيا.

وفيه: التنبيه على الخلاف في العلم ليجتنب ويُعمل بالوفاق.

[وفيه: العمل بالأدلة الظاهرة والباطنة في الأحكام](1).

وفيه: أن المقصود من العبادة موافقة العلم، والإخلاص، والصبر، وطلب القبول، والله أعلم.

* * *

‌الحديث الثاني

عَن عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَمَتعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَجة الوَدَاعِ، بِالعُمْرَةِ إِلى الحَج، وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأهل بِالعُمْرَة إلى الحَج، فَكَانَ في الناس مَنْ أهْدى مِنْ ذي الحليفَةِ، وَمنهم مَمن لم يُهْدِ، فَلَما قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ للناسِ: "مَن كَانَ مِنكُم أَهْدَى، فَإنهُ لَا يَحِل مِنْ شَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتى يقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يكنْ أَهْدَى،

(1) ما بين معكوفين ساقط من "ح 2".

ص: 1016

فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ وَبالصفَا وَالمَرْوة، وَلْيقصِّر، وَلْيَحلِلْ، ثم ليُهِلَّ بِالحَجِّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثلَاثةَ أَيامٍ في الحَج وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ". فَطَاف رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاستَلَمَ الركْنَ أَولَ شَيءٍ، ثمَّ خَب ثلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، وَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالبَيْتِ عِنْدَ المَقَام رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأتى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالمَروَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثمَّ لَمْ يَحِل مِنْ شَيْء حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النحرِ، وَأفاضَ، فَطَافَ بِالبَيْتِ، ثمَّ حَلَّ مِنْ كُل شَيْءٍ حَرمَ مِنْه، وَفَعَلَ مِثلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أهْدَى فَسَاقَ الهَدْيَ مِنَ النَّاسِ (1).

أَما قول ابنِ عُمَر: "تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ": فهو محمول على التمتع اللغوي، وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا آخرًا؛ فإن ابن عمر روى أنه أحرم أولًا مفردًا، فتعين أن قوله:"تَمتَّعَ" على أنه كان قارنًا، وأدخل العمرة على الحج؛ لأجل سوق الهدي معه؛ فإن من ساق الهدي لا يتحلل حتى يبلغ الهدي محله؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].

وإنما لم يفسخ الحج إلى العمرة؛ كما أمر غيره؛ لأجل ما كانت الجاهلية تعتقده من عدم جواز العمرة في أشهر الحج، فأراد صلى الله عليه وسلم إبطال ما كانوا عليه بفعله وقوله، وترفه رسول الله صلى الله عليه وسلم باتخاذ الميقات بإدخال العمرة على الحج والفعل.

وقولهُ: "فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمْرة إلَى الحَج"؛ أي: بإدخال العمرة على الحج، وإنما قال: في حجة الوداع؛ لينفي تمتع الإحصار، وليدل بتعين ذلك فيها باستقرار حكم إدخال العمرة على الحج؛ حيث إنه الآخِر من فعله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.

وقولهُ: "وَأَهْدَى فَسَاقَ الهَدْيَ مَعَهُ مِن ذِي الحُلَيْفَةِ" هو بيان للمكان الذي ابتدأ

(1) رواه البخاري (1606)، كتاب: الحج، باب: من ساق البدن معه، ومسلم (1227)، كتاب: الحج، باب: وجوب الدم على المتمتع.

ص: 1017

سوق الهدي منه، وهو ميقات أهل المدينة ومن مر بها من غير أهلها، ليبين أَن ذلك سنة مؤكدة ينبغي لكل أحد فعلها ممن قدر على سوقه عند إحرامه وميقاته.

وقوله: "وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأهَل بِالعُمْرَةِ الَى الحَج؛ فهو بيان وتفسير لقوله: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما شرحناه.

وقوله: "وَكَانَ مِنَ الناسِ مَن أَهدَى فَسَاقَ الهَديَ مِن ذِي الحُلَيْفَةِ، وَمنْهُم مَن لمَ يُهدِ": هو بيانٌ لسوق الهدي، وأنه ليس بحتم، بل هو سنة، من شاء فعله، ومن لم يفعله لم يأثم.

ثم قوله: فَلَما قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم قالَ للناسِ: "مَنْ كَانَ مِنكُم أَهْدَى، فَإنهُ لَا يَحِل مِن شَيءٍ حَرُم مِنهُ حَتى يقْضِيَ حَجهُ" إلى آخره، في هذه الجملة دليل على أن فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي جائز، لبيان مخالفة الجاهلية في منعهم العمرة في أشهر الحج.

واختلف العلماء في ذلك، هل كان خاصًّا للصحابة رضي الله عنهم تلك السنة خاصةً، أم هو باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟

فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصًّا، بل هو باق إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحجٍّ، وليس معه هدي، أن يقلب إحرامه عمرة، ويتحلل بأعمالها، وقال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو مختصٌّ بهم في تلك السنة؛ لمخالفة الجاهلية في تحريم العمرة في أشهر الحج، ودليلُهم في ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة (1)؛ يعني: فسخ الحج إلى العمرة، وما رواه النسائي في "سننه" عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! فُسخ لنا الحجُّ خاصة، أم للناس عامة؟ فقال:"بل لنا خاصة"(2).

(1) رواه مسلم (1224)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع.

(2)

رواه النسائي (2808)، كتاب: مناسك الحج، باب: إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق =

ص: 1018

وأما حديث سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ قال: "لأبد"(1)، فمعناه: جواز الاعتمار في أشهر الحج، أو القِران، فالعمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة، كذلك القِران، وفسخ الحج إلى العمرة مختص بتلك السنة، والله أعلم.

وقولُه: "وَمَنْ لَمْ يكنْ أَهْدَى، فَليَطُفْ بِالبيتِ وَبِالصفَا وَالمَروَةِ، وَلْيقصرْ وَلْيَحْلِلْ، ثم لْيُهِلَّ بِالحَجِّ" في هذه الجملة بيان؛ لأن من ساق الهدي لا يتحلل، وهذا متفق عليه، ومن لم يسق الهدي، يجوز له إدخال العمرة على الحج قبل الطواف، ويتحلل منها.

وإن أفعال العمرة هي: الطواف، والسعي، والتقصير أو الحلق، وإنما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقصير ليبقى على رأسه ما يحلقه في الحج؛ فإن الحلق في الحج أفضلُ منه في العمرة، ولا شك أنهما جائزان في الحج والعمرة، والحلق أفضل؛ لدعائه صلى الله عليه وسلم للمحلقين بالمغفرة مرتين، وللمقصرين مرة، وكل منهما نسك.

ومعنى قوله: "وَلْيَحْلِلْ"؛ أي: يصير حلالًا، بمعنى أنه يحتاج بعد ذلك إلى تجديد عمرة، أو فعل آخر، قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد القاضي رحمه الله: ويحتمل عندي أن يكون المراد بالأمر بالإحلال: هو فعل ما كان حرامًا عليه في حال الإحرام؛ من جهة الإحرام، ويكون الأمر للإباحة، والله أعلم (2).

وقوله: "ثُم لْيهِلَّ بِالحَجِّ" معناه: يحرم به في وقت الخروج إلى عرفات، لا أنه يهل عقب تحلل العمرة بالحج؛ بدليل أنه صلى الله عليه وسلم أتى بـ:"ثم"، التي هي للمهلة والتراخي.

= الهدي، وابن ماجه (2984)، كتاب: المناسك، باب: من قال: كان فسخ الحج لهم خاصة، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 469)، والحاكم في "المستدرك"(6201).

(1)

رواه مسلم (1216)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 54).

ص: 1019

وقوله: "وَلْيُهْدِ" المراد به: هدي التمتع، وهو واجب بشروط متفق عليها عند الشافعية، تقدم ذكرها في الحديث قبله قريبًا، واختلفوا في ثلاثة شروط أخر:

أحدها: نية التمتع.

والثاني: كون الحجِّ والعمرة في سنة واحدة وشهر واحد.

والثالث: كونهما عن شخص واحد.

والأصح عدم اشتراط هذه الثلاثة، والله أعلم.

وقولُه: "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا" عدم وجدان الهدي يكون بذاته، وبعدم ثمنه، وبكونه يباع بأكثر من ثمن مثله، وبامتناع صاحبه من بيعه، فمتى وجد شيء من هذه الصور، انتقل المتمتع إلى الصوم، سواء كان واجدًا لثمنه في بلده أم لا.

وقولُه: "فَمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ": هذا موافق لنص كتاب الله تعالى، وقد تعلق وجوب الصوم بعدم وجدان الهدي، وإن كان قادرًا عليه في بلده، أو بأكثر من ثمن مثله، على ما بيناه؛ لأن صيامه ثلاثة أيام في الحجِّ إذا عدم الهدي لا يقتضي الاكتفاء بهذا البلد في الحال ثلاثة أيام في الحج، وهي محصورة، فلا يمكن أن يصوم في الحج إلا إذا كان قادرًا عليه في الحال، عاجزًا عن الهدي في الحال، وهو المراد.

واعلم أن أيام الحجِّ سبعة؛ أولها السابع من ذي الحجة، وآخرها الثالث عشر منه، ولِمَا بعدَ السابعِ منها أسماء، فالثامنُ: يوم التروية؛ لأن الناس يتروون فيه للذهاب إلى عرفة، والتاسع: يوم عرفة؛ لوقوفهم بها، والعاشر: يوم النحْرِ؛ لنحرهم الذبائح بمنى، والحادي عشر: يوم القر؛ لاستقرارهم بمنى، والثاني عشر: يوم النفر الأول؛ لجواز نفرهم منها لمن أراد التعجل، والثالث عشر: يوم النفر الثاني، فمن كان متمتعًا، وصام الأيام الثلاثة الأول من السبعة، فقد أتى بما وجب عليه، وإن كان أولى ترك صوم يوم عرفة، وصوم يوم قبل السبعة، ولا يجوز صوم يوم النحر بالإجماع؛ للنهي عن صومه، فإن لم يصمها قبله، وأراد صومها في أيام التشريق، اختلف قول الشافعي؛ في صحته، ومقتضى

ص: 1020

الأحاديث الصحيحة جوازه وصحته، والأشهر عنه: عدم الصحة، ويرجع ذلك إلى مقدمة، وهي أن أيام التشريق والمقام بمنى لأجل أفعال الحج الباقية، هل هي من أيام الحج، ووقتها من وقت الحج؟

ولا شك أن أيام الحج تنطلق عليها، ولا شك أن سبب وجوبها التمتع بالعمرة إلى الحج وعدم الهدي، فلا يجوز تقديم صومها على التمتع، ويجوز صومها بعد الفراغ من العمرة، وقبل الإحرام بالحج، والأفضل ألا يصومها حتى يحرم بالحج، فلو صامها قبل الفراغ من العمرة، لم يجز، وبه قال مالك، وجوزه الثوري، وأبو حنيفة، ولو ترك صيامها حتى مضى العيد والتشريق، لزمَهُ قضاؤها عند الشافعية، وقال أبو حنيفة: يفوت صيامها، ويلزمه الهدي إذا استطاعه، والمراد بالرجوع: انتهاؤه، وهو وصوله إلى وطنه وأهله، وقيل: ابتداؤه؛ وهو فراغه من الحج بمنى، ورجوعه إلى مكة من منى، وهما قولان للشافعي ومالك، وبالثاني قال أبو حنيفة، ولو لم يصم الثلاثة ولا السبعة حتى عاد إلى وطنه، لزمه صوم عشرة أيام.

وفي اشتراط التفريق بين الثلاثة والسبعة إذا أراد صومها خلاف:

قيل: لا يجب؛ لأنه أمر به تخفيفًا على المتمتع، وقد زال ذلك.

والصحيح: وجوبه، ليحكي القضاء الأداء، فيجب التفريق بقدر الواقع في الأداء، وهو بأربعة أيام، ومسافة الطريق بين مكة ووطنه، والله أعلم.

وقولُه: "وَطَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ" هذا بيان لطواف المتمتع بتقديم العمرة على الحج، فيكون طوافه صلى الله عليه وسلم للقدوم، وهو مستحب لا واجب، والسنَّة فيه البداءة به أول قدومه قبل فعل كل شيء، وهو تحية المسجد الحرام؛ بخلاف باقي المساجد، فإن تحيته ركعتان.

وقولُه: "وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ" يعني: مسحه بيده، والسنَّة لمن دخل المسجد الحرام أن يبتدئ قبل طوافه باستلام الحجر الأسود، وهو المراد بقوله: واستلم الركن. والسر في البداءة به قبل الطواف؛ أنه يمين الله تعالى في الأرض،

ص: 1021

ونزل من الجنة، وهو أشد بياضًا من الثلج، وإنما اسودَّ بخطايا بني آدم؛ لأنهم يأتونه للزيارة متلوثين بالخطايا، فيتقون منها باستلامهم إياه، فيكسبه السواد، ويلبسهم النقاء من الذنوب، والله أعلم.

وقولُه: "ثُم خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبع"؛ أي: رَمَلَ، وتقدم بيانه.

ويحبب بعد استلام الحجر الأسود وتقبيله والسجود عليه ثلاثًا، أن يجاوزه بجميع بدنه، ويجعله على يمينه وهو مستقبل الكعبة، سواء كان قريبا منها، أو بعيدًا، بشرط كونه داخل المسجد الحرام، ثم يبتدئ الطواف، ويمر بجميع بدنه على الحجر الأسود وركنه خارجًا عنهما، ويستلمه، ويُقبِّله ثانيًا، ويثبت قدميه عند ذلك، ويرفع رأسه من تقبيله، ويدَه من استلامه؛ لئلا يمر عليه بزحمة الناس أو عجلة نفسه ويدُه أو رأسه متصلة به، فيكون قد طاف وبعضه في جزء من البيت، فلا يكون طائفًا به، بل فيه، والذي أمر الله تعالى الطواف بالبيت لا فيه، ثم يخبُّ ثلاثة أطواف خارج البيت والحجر من المكان الذي ذكرنا إليه.

وإنما ذكرنا هذه الكيفيَّة؛ لأن في أساس البيت شيئًا خارجه عن بنائه يسمى: شاذروانًا، وهو من البيت، فيجب الطواف خارجه، والله أعلم.

وقولُه: "وَمشى أَرْبَعًا" يعني: ومشى الأربعة الباقية من السبع، فلو لم يرمل في الثلاثة الأول، لم يرمل فيها؛ لأن السنَّة فيها المشي.

وقولُه: "وَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالبَيْتِ عِنْدَ المَقَامِ رَكعَتَيْنِ، ثُم سَلَّمَ".

اعلم: أن رَكعتي الطواف سُنَّة مؤكدة؛ لهذا الحديث، وليستا ركنًا، ولا شرطًا لصحة الطواف، بل يصحُّ بدونهما، ولا يجبر تأخيرهما ولا تركهما بدم ولا غيره. لكن قال الشافعي رحمه الله: يُستحبُّ إذا أخرهما أن يريق دمًا. وتمتاز هذه الصلاة عن غيرها بشيء، وهو أنها تدخلها النيابة، فإن الأجير يصليها عن المستأجر، على أصح الوجهين عند الشافعية، والوجه الآخر: أنها تقع عن الأجير نفسه.

وقولُه: "عِنْدَ المَقَامِ"؛ يعني: خلفه، فيجعله بينه وبين الكعبة، لا أمامه،

ص: 1022

ولا عن يمينه، ولا شماله، قال أصحاب الشافعي: فلو لم يصلِّهما خلفه لزحمة الناس أو لغيرها، صلاهما في الحِجْر، فإِنْ لم يفعل، ففي المسجد، وإلا، ففي الحرم، وإلا، فخارجه، ولا يتعين لهما زمان ولا مكان، بل يجوز أن يصلِّيهما بعد رجوعه إلى وطنه وفي غيره، ولا يفوتان ما دام حيًّا.

قالوا: ويُستحب أن يقرأ في الركعة الأولى منهما بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون]، وفي الثانية:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص]، ثبت ذلك في "صحيح مسلم" من رواية جابر (1)، ويجهر بالقراءة إِنْ صلاهما ليلًا، ويسرُّ إِنْ كان نهارًا.

وقولُه: "فَانصَرَفَ، فَأتى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالمروَةِ سَبعَةَ أَطوَافٍ": في هذه الجملة دليل على شرعية السعي عقب الطواف للقدوم وركعتيه، ويجب أن يكون السعي بعد طواف صحيح، وهو إما طواف القدوم، أو الزيارة، ولا يتصور وقوعه بعد طواف الوداع؛ لأنه يؤتى به بعد فراغ المناسك، فإذا بقي السعي، استحال أن يكون طواف وداع، وقد اشترط بعض الفقهاء أن يكون السعي عقب طواف واجب، ولا شك أن هذا الطواف وقع واجبًا على ما قررناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا، ثم أدخل عليه العمرة، فصار متمتعًا، قارنًا؛ لأجل سوق الهدي، وليتبين جواز العمرة في أشهر الحج.

ومن العلماء من لم يجعله واجبًا، بل هو طواف قدوم؛ كمفرد الحجِّ، وهو مستحب.

وقولُه: "فَانْصَرَفَ فَأتى الصَّفَا" بفاء التعقيب في الانصراف وإتيان الصفا عقب قوله: "ثم سلَّم من ركعتي الطواف" يقتضي ألا يكون بين ذلك فعل شيء آخر؛ حيث إن التعقيب بالفاء يقتضي عدم المهلة، ولا شك أنه ثبت في "صحيح مسلم" رجوعه بعد سلامه من ركعتي الطواف إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا.

(1) رواه مسلم (1218)، كتاب: الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 1023

وذكر الماوردي في "الحاوي": أنه إذا استلم الحجر، استحب أن يأتي الملتزم؛ وهو ما بين الركن وباب الكعبة، ويدعو فيه، ويدخل الحِجْر، ويدعو تحت الميزاب (1).

وذكر محمد بن جرير الطبري: أنه يطوف، ثم يصلي ركعتيه، ثم يأتي الملتزم، ثم يعود إلى الحجر الأسود، فيستلمه، ثم يخرج إلى الصفا للسعي.

وذكر الغزالي رحمه الله: أنه يأتي الملتزم إذا فرغ من الطواف، قبل ركعتيه، ثم يصليهما.

وليس في حديث الكتاب ولا في حديث "صحيح مسلم" الذي ذكرناه شيء مما ذكر هؤلاء، سوى استلام الركن بعد ركعتي الطواف، فالأولى اتباعه، وترك ما عداه، إلا أن يرد شيء مما ذكروه في سنة فيتَّبع، والله أعلم.

والبداءة بالصفا في السعي واجب في المرة الأولى من السبع، وبالمروة في المرة الثانية منه، وبختم السبع بالمروة، وهذا ثابت في الأحاديث الصحيحة: أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا، وختم بالمروة، وهو الصحيح من مذاهب جماهير العلماء والشافعية وغيرهم، وعليه عمل الناس في الأزمنة المتقدمة والمتأخرة.

وقال ثلاثة من الشافعية: إنه يحسب الذهاب من الصفا إلى المروة والعود منها إليه مرة واحدة، وهو أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي، وأبو حفص بن الوكيل، وأبو بكر الصيرفي، قال شيخنا أبو زكريا النووي -رحمه الله تعالى-: وهذا قول فاسد، لا اعتداد به، ولا نظر إليه؛ إنما ذكرته للتنبيه على ضعفه؛ لئلا يغتر به من وقف عليه، والله أعلم (2).

وقد سُمي -في حديث الكتاب، وفي غيره من الأحاديث- السعيُ طوافًا، وهو جائز بلا كراهة، والله أعلم.

وقولُه: "ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّه وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ

(1) انظر: "الحاوي" للماوردي (4/ 154).

(2)

انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 567).

ص: 1024

النَّحْرِ، وَأفَاضَ وَطَافَ بِالبَيْتِ، ثُم حَلَّ مِنْ كُل شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ" إلى آخر الحديث، إنما لم يحل من عمرته من أجل سوق الهدي؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وفي ذلك دليل على أن ذلك حكم القارن.

وفي قوله: "وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ مَنْ سَاقَ الهَدْيَ"؛ بيان عدم خصوصه صلى الله عليه وسلم بحكم سوق الهدي وعدم تحلله بسببه، وأنه عامٌّ له ولغيره ممن ساقه، وفي حديث آخر: فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى حل منهما جميعًا.

وفي هذا الحديث جمل من أحكام مناسك الحجِّ:

منها: جواز إدخال العمرة على الحج.

ومنها: استحباب سوق الهَدْي من الميقات.

ومنها: أن من تركه لا إثم عليه، لكن فاته الفضل.

ومنها: أن من ساق الهدي لا يتحلل من عمرته، ومَنْ لم يسقه يتحلَّل منها، ويتمتَّع فيما بينها وبين إحرامه بالحج من مكة.

ومنها: وجوب الصوم على المتمتع بشروطه المتقدمة.

ومنها: وجوب الصوم على من لم يجد الهدي.

ومنها: أن الصوم عشرة أيام.

ومنها: وجوب التفريق بين الثلاثة والسبعة، وبماذا يفرق؟ فيه خلاف وتفصيل تقدم ذكره.

ومنها: وجوب الطواف على المتمتع والقارن حين قدومه مكة.

ومنها: استحباب استلام الحجر الأسود حين قدومه قبل طوافه.

ومنها: استحباب الرَّمل فيه، بشرط استعقابه السعي.

ومنها: استحباب مشي الأربعة الباقية.

ومنها: استحباب ركعتين بعد الطواف خلف المقام.

ومنها: شرعية السعي بعد فعل الركعتين.

ص: 1025