الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما نُهي عنه من البيوع
الحديث الأول
عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: إِن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُنَابَذَةِ، وَهِيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالبَيْع إِلَى رَجُلٍ -قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ-، وَنَهَى عَنِ المُلَامَسَةِ، وَالمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ" (1).
تقدَّم الكلام على أبي سعيد الخدري ونسبته.
أَمَّا المُنَابَذَةُ: فقد فسَّرها في الحديث: بعدم تقليبه ورؤيته، وفيه تأويلات ثلاثة أخر:
أحدها: أن يُجعل نفس النبذ بيعًا، وهو تأويل الشافعي رحمه الله.
والثاني: أن تقول: بعتك، فإذا نبذته إليك، انقطع الخيار، ولزم البيع.
والثالث: المراد به نبذ الحصاة، فيجعل ما وقعت عليه مبيعًا، أو غاية للمساحة ما وقعت عليه من الأرض المبيعة، أو تعليق مدة الخيار المشروط على نبذها، والله أعلم.
والمُلَامَسَةُ: قد فسَّرها في الحديث بلمس الثوب لا ينظر إليه، وفيه أوجه أخر:
(1) رواه البخاري (2037)، كتاب: البيوع، باب: بيع الملامسة، ومسلم (1512)، كتاب: البيوع، باب: إبطال بيع الملامسة والمنابذة، وهذا لفظ البخاري.
أحدها: جعل نفس اللمس بيعًا، بأن تقول: إذا لمستَ ثوبي، فهو بيع منك بكذا وكذا، وهو باطل للتعلق في الصيغة، وعدوله عن الصيغة الموضوعة للبيع شرعًا، وقد قيل: إن هذا من صور المعاطاة.
والثاني: أن يبيعه على أنه إذا لمس الثوب، فقد وجب البيع، وانقطع الخيار، وهو فاسد أيضًا بالشرط الفاسد.
والثالث: هو تفسير الشافعي رحمه الله: بأن يأتي بثوب مطوي، أو في ظلمة، فيلمسه الراغب، فيقول صاحبه: بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته، وهذا فاسد إن أبطلنا بيع الغائب، وكذا إن صححناه؛ لإقامة اللمس مقام النظر، وقيل: يتخرج على شرط الخيار، وهذان البيعان فاسدان على جميع التأويلات.
واللفظ الذي ذكره المصنف في الكتاب يقتضي أن يكون الفساد من جهة عدم النظر والتقليب، فإن كان هذا التفسير من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع حجةً يتعين المصير إليه دون غيره، وكذا إن كان من الصحابي يقتضي أن يكون راجحًا على غيره من تفسير التابعي وغيره، وحينئذٍ يستدل به من يمنع بيع الأعيان الغائبة عملًا بالعلَّة، ومن يشترط الصفة في بيع الأعيان الغائبة، لا يكون الحديث دليلًا عليه؛ لأنه لم يذكر فيه وصفًا، ثم في كل موضع مما ذكرناه يحتاج إلى الفرق بين المعاطاة وبين هاتين الصورتين، فإذا علل بعدم الرؤية المشروطة، فالفرق ظاهر، وإذا فسرنا بأمر لا يعود إلى ذلك، احتيج إلى الفرق بينه وبين مسألة المعاطاة، عند من يجيزها، والله أعلم.
* * *