الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث دليل: على تحريم ثمن الكلب، وهو قول جمهور العلماء، وبه قال أبو هريرة، والحسن البصري، وربيعة، والأوزاعي، والحكم، وحماد، والشافعي، وأحمد، وداود، وابن المنذر، وغيرهم، وقال أبو حنيفة: يصح بيع الكلاب التي فيها منفعة، وتجب القيمة على متلفها، وحكى ابن المنذر عن جابر، وعطاء، والنخعي: جواز بيع كلب الصيد دون غيره، وعن مالك روايات:
أحدها: لا يجوز بيعه، لكن تجب القيمة على متلفه.
والثاني: يصح بيعه، وتجب القيمة.
والثالث: لا يصح، ولا تجب القيمة على متلفه.
دليل الجمهور: هذا الحديث وغيره، وتقدم ما يتعلق به غير ذلك.
وفيه دليل: على تحريم مهر البغي، وتقدم ذكر الإجماع عليه.
وفيه دليل: على تحريم حلوان الكاهن، وما في معناه على ما أوضحناه، والله أعلم.
* * *
الحديث العاشر
عَنْ رَافع بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه: أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهرُ البَغيِّ خَبِيثٌ، وكَسبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ"(1).
أَمَّا رَافعُ بنُ خَدِيِجٍ؛ فكنيته أبو عبد الله، ويقال: أبو رافع بنُ خَديِج -بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة، وسكون الياء المثناة تحت ثم الجيم-، ويشتبه بحُدَيج، -بضم الحاء المهملة وبفتح الدال المهملة- في الأسماء وأسماء
(1) رواه مسلم (1568)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي. وقد رواه البخاري (2122)، كتاب: البيوع، باب: ثمن الكلب، لكن من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عه-.
الآباء، واسمُ جدِّ رافع بن خديج هذا: رافعُ بنُ عديِّ بنِ تزيدَ -بالتاء المثناة فوق وكسر الزاي- بنِ جُشَمَ بنِ حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، الأنصاريُّ، الحارثيُّ، شَهِد أحدًا والخندق، رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وسبعون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على خمسة أحاديث، وانفرد مسلم بثلاثة، روى عنه: عبدُ الله بن عمر، والسائبُ بن يزيد من الصحابة، وغيرهم من التابعين، مات بالمدينة سنة أربع وسبعين، وهو ابن ست وثمانين سنة، وروى له أصحاب السنن والمساند (1).
وَأمَّا الخَبِيثُ؛ فهو الرديُّ من كل شيء، والمراد به في هذا الحديث: الحرام.
وتقدم الكلام على ثمن الكلب، ومهر البغي في الحديث قبله، فهذا الحديث يقتضي تعميم تحريم ثمن الكلب في كل كلب، وإطلاقه فيه، وقد يقتضي تخصيصه في بعض ما أطلق عليه أنه خبيث بدليل أو قرينة؛ ككسب الحجَّام؛ فإنه عند جمهور العلماء محمول على كراهة التنزيه في حقِّ الحرِّ والعبد، وقالوا: لا يحرم كسب الحجَّام، ولا يحرم أكله مطلقًا، وبذلك قال أحمد بن حنبل في المشهور عنه، وقال في رواية عنه -وبها قال فقهاء المحدثين-: يحرم على الحرِّ دون العبد؛ احتجاجًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما في "الصحيحين": أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، وأعطى الحجَّام أجره (2)، قال ابن عباس رضي الله عنه: ولو كان حرامًا، لم يعطه (3)، فإذا ثبت أن لقظة الخبيث ظاهرة
(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 299)، و "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/ 479)، و "الثقات" لابن حبان (3/ 121)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 479)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 232)، و "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 186)، و"تهذيب الكمال" للمزي (9/ 22)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 181)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 436)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (3/ 198).
(2)
رواه البخاري (5367)، كتاب: الطب، باب: السعوط، ومسلم (1202)، كتاب: المساقاة، باب حل أجرة الحجامة.
(3)
رواه البخاري (1997)، كتاب: البيوع، باب: ذكر الحجّام.
في الحرام، كان خروجها في كسب الحجَّام عن الظاهر بدليل، لا يلزم منه خروجها في غيره بغير دليل، وحمل العلماء الأحاديث الواردة فيه على منع التنزيه، والارتفاع عن دنيء الاكتساب، والحث على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، ولو كان حرامًا، لم يفرق فيه بين الحر والعبد؛ فإنه لا يجوز للرجل أن يطعم عبده ما لا يحل، والله أعلم.
وأَمَّا الكلب، فلو قيل بثبوت حديث يدل على جواز بيع كلب الصيد دون غيره، لكان دليلًا على طهارته، وليس يدلُّ النهيُ عن بيعه على نجاسته؛ لأن علَّة المنعِ من البيع متعددة لا تنحصر في النجاسة، بخلاف غيره من الكلاب، والله أعلم.
وفي الحديث دليل: على تحريم ثمن الكلب، وعلى تحريم مهر البغي.
وفيه دليل: على الامتناع من كل كسب الحخام على ما بيِّن وفصل، لكن إذا وصف بالخبيث، وحمل على كراهة التنزيه في العبد، أو مطلقا، يكون من باب عطف المكروه على المحرم، وهو سائغ في القرآن والسنة، والله أعلم بالصواب.
* * *