الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإفاضة، وسواء كان قارنًا أو مفردًا، وقال ابن الجهم المالكي: لا يحلق القارن حتى يطوف ويسعى؛ لأنه يرى أن حجه وعمرته قد تداخلا، والعمرة باقية في حقه، وهي لا يجوز الحلق فيها قبل الطواف.
وقد أشار إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم في القارن: "حتى يحلَّ منهما جميعًا"(1)؛ فإنه يقتضي أن الإحلال منهما يكون في وقت واحد، فإذا حلق قبل الطواف، فالعمرة قائمة؛ بهذا الحديث، فيقع الحلق فيها قبل الطواف، وردَّ عليه شيخنا أبو زكريا النووي -رحمه الله تعالى-، وقال: هذا باطل بالنصوص وإجماع من قبله، وقد ثبت الأحاديث؛ بأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق قبل طواف الإفاضة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قارنًا في آخر مرة (2)، قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد رحمه الله: وهذا إنما ثبت بأمر استدلالي لا نصِّي؛ أعني: كونه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا في آخر أمره.
وابن الجهم على مذهب مالك والشافعي، حيث قالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردًا أولًا. وأما الإجماع، فبعيد الثبوت إن أراد الإجماع النقلي القولي، وإن أراد السكوتي، ففيه نظر، وقد ينازع فيه -أيضًا-، والله أعلم (3).
* * *
الحديث الثامن
عَنْ عَائشِةَ رضي الله عنها قَالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا يُريدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّها حَائِضٌ، قَالَ:"أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ "، قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، قال:"اخْرُجُوا"(4).
(1) رواه البخاري (1481)، كتاب: الحج، باب: كيف تهل الحائض والنفساء، ومسلم (1211)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام، عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (9/ 51 - 52).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 78).
(4)
رواه البخاري (1646)، كتاب: الحج، باب: الزيارة يوم النحر.
وفي لفظٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "عَقْرَى حَلْقَى، أفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قيل: نَعَمْ، قال:"فَانْفِرِي"(1).
تقدم الكلام على عائشة وصفية. رضي الله عنهما.
وأَمَّا قولهُا: "فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ"؛ فمعناه إلى مكة لطواف الإفاضة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "عَقْرَى حَلْقَى"؛ هذان اللفظان بفتح أولهما، وآخرهما ألف تأنيث مقصورة، وتكتب بالياء من غير تنوين، وهو رواية المحدثين جميعهم، ونقله جماعات من أئمة اللغة وغيرهم، وهو صحيح فصيح، وقال بعضهم: عقرًا حلقًا -بالتنوين-؛ لأنه موضع دعاء أشعر به، فأجرى مجراه بألفاظ المصادر، فإنها منونة، كقولهم: سقيًا ورعيًا وجدعًا، ومن رواه مقصورًا؛ أي: إن ألف التأنيث فيهما نعت، لا دعاء.
ومعنى عقرى: عقرها الله، وقيل: عقر قومَها، وقيل: جعلها عاقرًا لا تلد.
ومعنى حلقى: حلق شعرها، أو أَصَابها وجع في حَلْقها، وبمعنى: يحلق قومها شؤمها.
وهذا اللفظان لا يراد بهما أصل موضوعهما، بل كثر استعمالهما، فجريا على ألسنتهم من غير إرادة معناهما؛ كقولهم: تربت يداه، وقاتله الله ما أشجعه! وما أشعره! وأفلح وأبيه! إلى غير ذلك، والله أعلم (2).
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: أن طواف الإفاضة لا بد منه.
ومنها: فعله في يوم النحر، وهو السنَّة.
ومنها: إباحة الجماع للأهل بعد الإتيان بأسباب التحلل في الحجِّ.
(1) رواه البخاري (1682)، كتاب: الحج، باب: الإدلاج من المحصّب، ومسلم (1211)، كتاب: الحج، باب: وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض.
(2)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/ 94)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 197)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 428)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 212)، و"شرح مسلم" له أيضًا (8/ 153).