الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه صوم يوم العيد ممكن، وإذا أمكن، ثبتت الصِّحة، وهو ضعيف؛ لأن الصحة معتبر فيها التصور الشرعي، وهو ممتنع، لا التَّصوُّر العقلي أو العادي، وكان محمد بن الحسن يصرف اللفظ في المنهي عنه إلى المعنى الشَّرعي.
وفيه دليل: على أنَّ الخطيب يذكر في خطبته ما يتعلَّق بوقته من الأحكام، فإنَّ عمر رضي الله عنه ذكر في خطبته نهي النَّبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد؛ لمسيس حاجة النَّاس إلى ذلك.
وفيه: الإيماء والتَّنبيه على علل الأحكام، إمَّا بالتَّسمية اللازمة للوصف الشَّرعي، وإمَّا بما يلازمه من فعل أو حال.
وفيه دليل: على جواز الأكل من النُّسك.
وفيه دليل: على أنَّ من سمع علمًا يجوز له روايته، وإن لم يأذن له المسموع منه في ذلك، والله أعلم.
* * *
الحديث السَّابع
عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: الفِطْرِ والنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاء، وأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وعَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ والعَصْرِ. أخرجه مسلمٌ بتمامه، وأخرج البخاري الصَّومَ [منه] فقط (1).
أمَّا أبو سعيد ونسبته، فتقدَّم الكلام عليهما، وتقدَّم الكلام على يومي الفطر والنَّحر.
وأمَّا قوله: "وَعَنِ الصَّمَّاءِ"، فالمراد به: اشتمال الصَّماء، على حذف
(1) رواه البخاري (1890)، كتاب: الصوم، باب: صوم يوم الفطر، ومسلم (827)، (2/ 800)، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.
وقوله: "أخرجه مسلم تمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط" فيه قلب، والصحيح: أنَّ البخاري هو الَّذي أخرجه تمامه، وأخرج مسلم الصوم منه فقط.
المضاف، وقد ثبت في لفظ آخر، وهو الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه، يجلل به جسده، وتسمَّى الشملة الصمة أيضًا، سميت بذلك؛ لشدِّها وضمِّها جميع الجسد، ومنه الحديث. والثَّاني كالأزرة صماء؛ أي: مكتنَزة لا تخلل فيها، ومنها صمام القارورة، قال صاحب "المطالع": هذا قول أهل اللُّغة (1).
فأمَّا مالك وجماعة من الفقهاء، فهو عندهم الالتحافُ بثوب واحد، ويرفع جانبه على كتفه وهو بغير إزار، فيفضي ذلك إلى كشف عورته.
قلت: ولفظ الحديث مطابق لقول أهل اللُّغة، ولا يشعر تفسير مالك وغيره من الفقهاء به من لفظ الصَّمَّاء، والنَّهي عنه يحتمل خوفَ الدَّفع إلى حالة شاذة لمتنفسه فيهلك عما إذا لم يكن فيه فرجة، ويحتمل أنَّه إن أصابه شيء، أو نابه مؤذ، ولا يمكنه أنَّ يتَّقيه بيديه؛ لإدخاله إياهما تحت الثَّوب الَّذي اشتمل به، والله أعلم.
قوله: "وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ"، الاحتباء: هو أنَّ يضمَّ الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشُدُّه عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، وإنَّما نهى عنه؛ لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد، ربَّما تحرك أزوال الثوب، فتبدو عورته، ومنها:"الاحتباءُ حيطانُ العربِ"(2)؛ أي: ليس في البوادي حيطان، فإذا أرادوا أنَّ يستندوا، احتبوا؛ لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط؛ ويصير لهم كالجدار، يقال: احتبى يحتبي احتباءً، والاسم الحُبْوَة والحِبْيَة -بالواو والياء- وتضم الحاء وتكسر، والجمع حُباء وحِباء، والله أعلم (3).
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 46).
(2)
رواه الرامهرمزي في "أمثال الحديث"(ص: 151 - 152)، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ورواه السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء"(ص: 42)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 335)، و"لسان العرب" لابن منظور (14/ 161)، (مادة: حبا).