الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المُحْرِم يأكل من صيد الحلال
الحديث الأول
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، وقَالَ:"خُذُوا بسَاحِلِ البَحْرِ [حَتَّى نَلْتَقِيَ"، فَأَخَذُوا بِسَاحِلِ البَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، أَحْرَمُوا كُلُّهُم إِلَّا أَبَا قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ] (1)، فَبَيْنَما هُمْ يَسِيرُونَ، إذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الحُمُرِ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فنَزَلْنا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنَأُكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟! فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِن لَحْمِهَا، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:"مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ:"فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا"(2).
وفي رواية: فَقَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ مِنْ شَيءٍ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فنَاوَلْتُهُ العَضُدَ، فَأَكَلَهَا (3).
أما أبو قتادة؛ فتقدم الكلام عليه وعلى اسمه ونسبه.
وأما الأَتَان؛ فهي الأُنثى من الحُمُر.
(1) ما بين معكوفين ساقط من "ح 2".
(2)
رواه البخاري (1728)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال، ومسلم (1196)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم.
(3)
رواه البخاري (2431)، كتاب: الهبة وفضلها، باب: من استوهب من أصحابه شيئًا.
فإن قيل: كيف ترك أبو قتادة الإحرام مع كونه خرج للحج ومرَّ بالميقات، ولا يجوز لمن أراد الحجَّ أو العمرة أن يجاوز الميقات غير محرم؟
فالجواب عن ذلك بوجوه:
أحدها: أن المواقيت لم تكن وقتت بعد.
الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل؛ كما أشار إليه في هذا الحديث، وكان الالتقاء المأمور به بعد مضي مكان الميقات.
الثالث: أنه لم يكن مريدًا الحج والعمرة، وهو ضعيف.
الرابع: أنه لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وإنما بعثه أهلها فيما بعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلموه أن بعض العرب يقصدون الإغارة عليها، فأرسله النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة إلى ساحل البحر، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: أن الإمام وأصحابه إذا خرجوا في طاعة من حج أو غيره، وعرض لهم أمر يقتضي تفريقهم، فرقهم طلبًا للمصلحة؛ فإنَّ السنَّة عدم تفرق الرفقة في السفر.
[ومنها: جواز اصطياد الحلال الصيد.
ومنها: أن عقر الصيد ذكاته.
ومنها: عدم الإقدام على الشيء حتى يعرف حكمه أو شرط حِلِّهِ] (1).
ومنها: جواز الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أكلوا بعضه باجتهاد.
ومنها: الرجوع إلى النصوص عند تعارض الأدلة بالاشتباه أو الاحتمال.
ومنها: إذا كان للمحرم سبب في اصطياد الصيد بإشارة، أو إعانة: إنه يمتنع من أكله، وإن لم يكن شيء من ذلك، حل له أكله.
(1) ما بين معكوفين ساقط من "ش".
ومنها: جواز هدية الحلال للمحرم من لحم الصيد.
ومنها: تحريم لحم الصيد على المحرم إذا صاده هو، أو كان له في اصطياده تعلق؛ من دلالة عليه أو إعانة، واتفق العلماء على تحريم الاصطياد عليه.
وقال الشافعي وآخرون: يحرم عليه تملك الصيد بالبيع والهبة ونحوهما؛ وفي ملكه إياه بالإرث خلاف، وأما ما اصطاده الحلال من غير إعانة المحرم: فجمهور العلماء على حل أكله للمحرم بالهدية، وهو قول الشافعي، ومالك، وأحمد، وداود، وقال أبو حنيفة: لا يحرم عليه لحم ما صيد له بغير إعانة منه، وقالت طائفة: لا يحل له لحم الصيد أصلًا، بل هو حرام عليه مطلقًا، وهو محكيٌّ عن علي، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم؛ لقوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96].
قالوا: والمراد بالصيد: المَصيد؛ ولرد النبي صلى الله عليه وسلم لحم الصيد في حديث الصعب بن جثامة الآتي عليه، وعلله بأنه محرم، دون شيء آخر؛ من قصد له صلى الله عليه وسلم به، ولا غيره، وحديث أبي قتادة هذا يرد على هذا المذهب؛ حيث قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"فكلوه"، وفي رواية في "صحيح مسلم":"هو حلال، فكلوه"، وفي "سنن" أبي داوود والترمذي والنسائي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "صَيْدُ البرِّ لكُمْ حَلَالٌ ما لَمْ تصيدُوُه أو يُصادَ لكم"(1).
والرواية فيه: يصاد -بالألف-، والقاعدة حذفها، لكن إثباتها جائز في لغة، ومنه قول الشاعر (2):
ألم يأتيك والأنباءُ تَنْمي
والجمع بين الأحاديث وتأليفها أولى من اختلافها، وإبطال بعضها، وهي
(1) رواه أبو داود (1851)، كتاب: المناسك، باب: لحم الصيد للمحرم، والنسائي (2827)، كتاب: مناسك الحج، باب: إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال، والترمذي (846)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في أكل الصيد للمحرم، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 362).
(2)
هو عمرو بن كثوم؛ كما في "ديوانه"(ص: 109).