الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المواقيت
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ المَدِينَةِ: ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّام: الجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأَهْلِ اليَمَنِ: يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ؛ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّة (1).
أمَّا قوله: "وَقَّتَ"، التَّوقيت: ذكر الوقت في الأصل، ثمَّ استعمل في تعليق الحكم بالوقت، فيصير التَّحديد من لوازم التَّوقيت، فيطلق عليه: توقيت.
وتوقيته صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت للإحرام يحتمل أنَّه أراد به تحديد هذه المواضع للإحرام، ويحتمل أنه أراد به تعليق الحكم -وهو الإحرام- بوقت الوصول إليهما بشرط إرادة الحج والعمرة.
ومعنى توقيت هذه الأماكن للإحرام: أنَّها لا يجوز مجاوزتها من حيث هي مواقيت، وذلك تصريح بالوجوب، وقد ورد في بعض الروايات التَّصريح بصيغة الأمر بذلك.
أمَّا المدينة: فهي اسم لمدينة النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولها أسماء أُخر، الدَّار، وطابة،
(1) رواه البخاري (1452)، كتاب: الحج، باب: مهل أهل مكة للحج والعمرة، ومسلم (1181)، كتاب: الحج، باب: مواقيت الحج والعمرة.
وطيبة، والعذراء، وجابرة، والمجبورة، والمحبَّة، والمحبوبة، والقاصمة؛ لأنَّها قصمت الجبابرة، وكره بعض العلماء تسميتها يثرب، وكثرة الأسماء تدلُّ على شرف المسمَّى، ولم تزل عزيزة في الجاهلية، تمنَّعت على الملوك السَّالفة، وغيرهم، أعزَّها الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا ذو الحُلَيْفَةِ، فهو بضمِّ الحاء المهملة، وفتح اللَّام وبالفاء: موضع بقرب المدينة، عند قرية على ستة أميال منها، أو سبعة، وقيل: أربعة، وهو من مكَّة نحو عشر مراحل، وهو ماء من مياه بني جُشَم، بينهم وبين بني خفاجة العقيليين.
وأمَّا ذو الحليفة الَّذي في حديث رافع بن خديج، فهو موضع من تهامة نحو ذات عرق، وليس بالمهمل (1).
وأمَّا الشَّام: فتقدَّم ذكره في الطَّهارة.
وأمَّا الجُحْفَة: فهو بجيم مضمومة، ثمَّ حاء مهملة ساكنة، فهي قرية جامعة بمنبر على طريق المدينة من مكَّة، على سبع مراحل أو ثمان من المدينة، وثلاث من مكَّة، كان اسمها مَهْيَعَة -بفتح الميم وسكون الهاء-، وقيدها بعضهم بكسر الهاء، مثل جميلة، فأجحفها السَّيل بأهلها، فسميت الجحفة، وهي على ستَّة أميال من البحر، وهي ميقات أهل الشَّام ومصر، إذا لم يمروا بميقات المدينة (2).
وأمَّا نَجْد: فهي بفتح النون، وهي ما بين جرش إلى سواد الكوفة، وحده من الغرب الحجاز، قال صاحب "المطالع": ونَجدٌ كلُّها من عمل اليمامة (3).
وأمَّا قَرْنُ المَنَازِلِ: فهو بفتح القاف وسكون الرَّاء، بلا خلاف، ويقال له
(1) انظر: "معجم البلدان" لياقوت (2/ 295)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 221)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 108).
(2)
انظر: "معجم البلدان" لياقوت (2/ 111)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 168)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 54).
(3)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 34)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 350).
-أيضًا-: قرن الثعالب. وروي في "الصَّحيح" غير مضاف، وهو موضع تلقاء مكَّة، على يوم وليلة منها، وهو أقرب المواقيت إليها، ورواه بعضهم بفتح الرَّاء، وهو غلط، وقيل: من قال بالإسكان، أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن قال بالفتح، أراد الطَّريق الَّذي يفترق منه، فإئَّه موضع فيه طريق مفترقة.
وأمَّا قول الجوهري في "صحاحه"(1): والقرن: موضع، وهو ميقات أهل نجد، ومنه أُويس القرني، فغلط من أوجه:
أحدها: جعله بالفتح موضعًا، وهو بالإسكان.
الثاني: نسبة أويس القرني إليه، وهو منسوب إلى بطن من مراد يقال له: قَرَن، بالفتح.
والثَّالث: جعله ميقات أهل نجد، والميقات بالإسكان بلا خلاف، كما بيَّنَّاه، فالمكان بالإسكان، والقبيلة بالفتح، والنسبة إليها بالفتح بلا خلاف.
وممن ذكر ذلك على الصَّواب: الدَّارقطني، والسَّمعاني، وابن حبيب، في "المختلف والمؤتلف في أسماء قبائل العرب"، والله أعلم (2).
وأمَّا اليَمَنُ: فهو الإقليم المعروف، سُمِّي يمنًا؛ لأنَّه عن يمين الحجر الأسود، والشَّام عن شماله، والحجر الأسود مستقبل مطلع الشَّمس.
قال صاحب "المطالع"(3): اليمن: كل ما كان عن يمين الكعبة من بلاد الغور، واليمامة: مدينة اليمن، على يومين من الطَّائف، وعلى أربعة من مكَّة، ولها عمائر، وأعدتها حجر اليمامة، وهي من عداد أرض نجد، وتسمَّى: العروض، بفتح العين، هذا آخر كلامه.
وقال السَّمعاني في "أنسابه"(4): اليمنيُّ: نسبة إلى اليمن، وبلاد اليمن بلاد
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2181)، (مادة: قرن).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 199)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 54)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 288).
(3)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 306).
(4)
انظر: "الأنساب" للسمعاني (5/ 706).
عريضة كبيرة، وقد ورد في فضائلها أحاديث عدة، قد ذكرتها في "النزاع إلى الأوطان"، وإنَّما قيل لها اليمن؛ لأنها يمين الأرض، كما أنَّ الشام شمال الأرض. هذا آخر كلامه، والله أعلم.
وأمَّا يَلَمْلَم: فهو بفتح الياء واللأَمين، والميم ساكنة بينهما، ويقال فيه: ألملم؛ وهو الأصل، والياء بدل منها، وهو على مرحلتين من مكَّة. وقال ابن السيد: يلملم، ويرمرم، باللَّام والرَّاء المكرَّرتين (1).
وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم: "هُنَّ لَهُنَّ": الضَّمير في "هنَّ لهنَّ" عائد إلى المواضع والأقطار المذكورات، وهي: المدينة، والشَّام، واليمن، ونجد؛ أي: هذه المواقيت لهذه الأقطار، والمراد: أهلها.
وقد ورد ذكر الأهل في بعض الرِّوايات، وحذفه من باب حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ" يقتضي أنَّه إذا مرَّ بهن من ليس هنَّ ميقاته: أنَّ يحرم منهنَّ ولم يجاوزهنَّ غيرَ محرم؛ كالشَّامي يمرُّ بميقات المدينة ذي الحليفة، فيلزمه الإحرام منها، ولا يتجاوزها إلى الجحفة الَّتي هي ميقاته، وكذا الباقي، وهذا لا خلاف فيه عند الشَّافعية، وأمَّا المالكيَّة، فإنَّهم نصُّوا على أنَّ له مجاوزته إلى الجحفة، ومن أطلق من الشَّافعية أنَّه لا خلاف فيه، فمراده: في مذهبه.
ولا شكَّ أنَّ قوله: "وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ" عامٌّ فيمن أتى عليهنَّ،
(1) انظر: "معجم البلدان" لياقوت (5/ 441)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 306)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 298)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 373).
قلت: وقد جُمعت مواقيت الإحرام بنظم وهو:
قرن يلملم ذو الحليفة جحفة
…
قل ذات عرق كلها ميقات
نجد تهامة والمدينة مغرب
…
شرق وهن إلى الهدى مرقاةُ
انظر: "عمدة القاري" للعيني (9/ 140).
سواء كان ميقات بلده، أو غيره؛ كأهل الشَّام والجحفة إذا مرُّوا بين يدي هذه المواقيت، ومن لم يمرَّ بين يديها، فإنَّه عامٌّ بالنِّسبة إلى من يمر بميقات آخر أيضًا.
فإن عملنا بالعموم الأوَّل، دخل تحته هذا الشَّاميُّ الَّذي مرَّ بذي الحليفة، فلزم أنَّ يحرم منها، وإن عملنا بالعموم الثَّاني، وهو أنَّ لأهل الشَّام الجحفة، دخل تحته هذا المارّ أيضًا بذي الحليفة، فيكون له التجاوز إليها، فلكلِّ واحد منهما عموم من وجه، فكما يحتمل أنَّ يقال:"وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ أَهْلِهِنَّ" مخصوص بمن ليس ميقاته بين يديه، يحتمل أنَّ يقال:"ولأهل الشَّام الجحفة"، مخصوص بمن لم يمرَّ بشيء من هذه المواقيت.
وقوله: "مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ": يقتضي تخصيص هذا الحكم بالمريد لأحدهما، أو لهما، وأَنَّه إذا لم يرد واحدًا منهما، لا يلزمه الإحرام، وله التَّجاوز غير محرم.
واستدلَّ به على أنَّه لا يلزمه الإحرام لمجرَّد دخول مكَّة، وهو أحد قولي الشَّافعي، فمن لا يريد حجًّا ولا عمرة، أنَّه لا يلزمه الإحرام لدخول مكة، وهو الرَّاجح عند أصحابه.
وهذا الاستدلال أولًا: يتعلَّق بأنَّ المفهوم له عموم؛ من حيث إنَّ مفهومه ألا يريد حجًّا ولا عمرة ولا دخول مكَّة، ومن لا يريد حجًّا ولا عمرة، ويريد دخول مكَّة. وفي عموم المفهوم نظر في الأصول، وعلى تقدير أنَّ يكون له عموم، فإذا دلَّ الدَّليل على دخول مكَّة، وعلى وجود الإحرام لدخول مكَّة، وكان ظاهر الدَّلالة لفظًا، قدّم على هذا المفهوم؛ لأن المقصود بالكلام حكمُ الإحرام بالنِّسبة إلى هذه الأماكن، ولم يقصد به بيان حكم الدَّاخل إلى مكَّة، والعموم إذا لم يقصد به [
…
]، فدلالته ليست بتلك القوة، إذا ظهر من السِّياق المذكور المقصود من اللَّفظ.
واستدلَّ على أنَّ الحجَّ ليس على الفور؛ لأنَّ من مرَّ بهذه المواقيت لا يريد
الحجَّ والعمرة، يدخل تحته من لم يحجَّ، فيقتضي اللَّفظ أنَّه لا يلزمه الإحرام من حيث المفهوم، ولو وجب على الفور، للزمه، أراد الحجَّ أولم يرده، وفيه من الكلام ما في المسألة قبلها.
وقد اختلف العلماء في الحجِّ، هل يجب على الفور، أو التَّراخي؟
فقال الشَّافعي، وأبو يوسف، وطائفة: هو على التَّراخي، إلا أنَّ ينتهي إلى حال يظنُّ فواته لو أخَّره عنها، واستدلوا على قولهم بأنَّ فريضة الحجَّ كانت سنة خمسٍ أو ست أو ثمان من الهجرة -على أقوال في ذلك-، ولم يحجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا في سنة عشر، فلو كان واجبًا على الفور، لم يؤخره صلى الله عليه وسلم.
وقال مالك، وأبو حنيفة، وآخرون: هو على الفور، والله أعلم.
قوله: "وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ" يقتضي أنَّ مَنْ منزلُه بين مكَّة والميقات إذا أنشأ السَّفر للحجِّ أو العمرة، فميقاته منزلُه، ولا يلزمه المسير إلى الميقات المنصوص عليه من هذه المواقيت.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ": يقتضي أنَّ أهل مكَّة يحرمون منها، وهو مخصوص بالإحرام بالحجِّ، فمن كان من أهل مكَّة، أو واردًا إليها، وأراد الإحرام بالحج، فميقاته نفسُ مكَّة، ولا يجوز له ترك مكَّة والإحرام بالحجِّ من خارجها، سواء الحرم والحلّ.
وهذا هو الصَّحيح في مذهب الشَّافعي، وفيه وجه: أنَّه يجوز أنَّ يحرم به من الحرم، كما يجوز من مكَّة؛ لأن حكم الحرم حكم مكَّة، ويجوز أنَّ يحرم من جميع نواحي مكَّة؛ بحيث لا يخرج عن نفس المدينة وسورها.
وفي الأفضل، قولان للشَّافعية؛ أصحُّهما: من باب داره، والثَّاني: من المسجد الحرام، تحت الميزاب.
أمَّا الإحرام بالعمرة، فإنَّه من أدنى الحلّ، والله أعلم.
وأجمع العلماء على أنَّ هذه المواقيت مشروعة، تحرم مجاوزتها، فلو
جاوزها، أثم، ولزمه دم، وصحَّ حجُّه عند مالك، وأبي حنيفة، والشَّافعي، وأحمد، والجمهور.
وقال عطاء والنَّخعي: لا شيء عليه.
وقال سعيد بن جبير: لا يصحُّ حجُّه.
وفائدة الإحرام من هذه المواقيت تحرم مجاوزتها بغير إحرام، وأنّه يلزمه الدَّم، فلو عاد إلى الميقات قبل التلبّس بنسك، سقط عنه الدَّم، وفي المراد بهذا النُّسك خلاف منتشر.
أمَّا من لا يريد حجًّا ولا عمرة، فلا يلزمه الإحرام لدخول مكَّة على الصَّحيح كما تقدَّم، سواء دخل لحاجة تتكرر؛ كحطَّاب، وحشَّاش، وصيَّاد، ونحوهم، أم لا؛ كتجارة وزيارة ونحوهما.
وأمَّا من مرّ بالميقات غيرَ مريد دخول الحرم، بل لحاجة دونه، ثمَّ بدا له أنَّ يحرم، فيحرم من موضعه الَّذي بدا له فيه، فإن جاوزه بلا إحرام، ثمَّ أحرم، أَثِمَ، ولزمه دم.
وإن أحرم من الموضع الَّذي بدا له، أجزأه، ولا دم عليه، ولا يكلَّف الرُّجوعَ إلى الميقات. هذا هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أحمد وإسحاق: يلزمه الرُّجوع إلى الميقات، والله أعلم.
وفي هذا الحديث:
دليل على فضيلة مكَّة، والحرم، والحج والعمرة؛ حيث إن الله عز وجل شرع هذه المواقيت، والإحرام لمن أراد دخولهما؛ تشريفًا وتعظيمًا، أو التلبُّس بهما، أو بأحدهما، والله أعلم.
وفيه دليل: على أنَّ هذه الأربعة المنصوص عليها مواقيت لأهلها المذكورين، بنصِّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأمَّا من عداهم؛ كأهل العراق، ومَنْ في معناهم على خطِّهم، فقد اختلف العلماء فيهم:
هل ميقاتهم بنصٍّ منه صلى الله عليه وسلم، أم باجتهاد من عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه؟
وهو وجهان لأصحاب الشَّافعي رحمه الله؛ أصحُّهما، وهو نص الشَّافعي في "الأم" (1): أنَّه اجتهاد من عمر، وهو في "صحيح البخاري"(2).
ومن قال منهم: إنَّه بنص، استدلَّ بحديث ضعيف عن جابر، غير مجزوم برفعه: أنَّ ميقاتهم ذات عرق، وقد ضعَّفه الدَّارقطني (3) بما ذكرناه، وهو صحيح، وبأن العراق لم تكن فُتحت في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو فاسد؛ لأنَّه غير ممتنع أنَّ يخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم بميقات ناحيةٍ قبل فتحها، ويكون إخباره من معجزات نبوَّته صلى الله عليه وسلم، وإخباره بالمغيبات المستقبلات؛ كتوقيته لأهل الشام الجحفة، ومعلوم أنَّه لم يكن فتح حينئذ.
وقد ثبتت الأحاديث الصَّحيحة: أنَّه أخبر بفتح الشَّام واليمن والعراق، وأنَّهم يأتون إليها بتشوُّق، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وأنَّه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنَّه زُويت
(1) انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (2/ 137).
(2)
رواه البخاري (1458)، كتاب: الحج، باب: ذات عرق لأهل العراق.
(3)
روى مسلم (1183)، كتاب: الحج، باب: مواقيت الحج والعمرة، عن أبي الزبير: أنَّه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسأل عن المهلِّ، فقال: سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مهل أهل المدينة من ذي الحليفة
…
، ومهل أهل العراق من ذات عرق .... " الحديث.
قلت: عقب النووي في "شرحه على مسلم"(5/ 86) بقوله: هذا صريح في كونه ميقات أهل العراق، لكن ليس رفع الحديث ثابتًا. ا. هـ.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(3/ 390): وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة، وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد، كلاهما عن أبي الزبير، فلم يشكا في رفعه، ووقع في حديث عائشة، وفي حديث الحارث بن عمرو السهمي، كلاهما عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وهذا يدل على أنَّ للحديث أصلًا، فلعل من قال: إنه غير منصوص، لم يبلغه، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أنَّ كل طريق لا يخلو عن مقال، ولهذا قال ابن خزيمة: رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث. وقال ابن المنذر: لم نجد في ذات عرق حديثًا ثابتًا. لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا. ا. هـ.