الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: أن الخطوتين لا تبطل الصلاة، ولكن الأولى ترك الخطوة والخطوتين وغيرهما من أفعال إلا لحاجة، فإن كان لحاجة، فلا كراهة فيه كما فعل صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن الأفعال الكثيرة إذا تفرقت لا تبطل الصلاة؛ لأن النزول عن المنبر والصعود تكرر، فجملته كثيرة، وأفراده متفرقة كل واحد منهما قليل.
ومنها: جواز صلاة الإمام على موضع أعلى من موضع المأمومين لقصد التعليم بلا كراهة، بل هو مستحب، وكذلك حكم ارتفاع المأموم على الإمام لقصد إعلام المأمومين بصلاة الإمام، وإن لم يقصد شيئًا من ذلك، فهو مكروه، وزاد أصحاب مالك: إن قصد بذلك التكبر، بطلت صلاته.
ومنها: أنه ينبغي للكبير أو الإمام أو العالم إذا فعل شيئًا يخالف المعتاد أن يبين حكمه لأصحابه؛ ليزيل الريبة عنهم، ولأنه أبلغ في فهمهم.
ومنها: استحباب قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة؛ فإن ذلك لا يقتضي القدح والتشريك في العبادة، بل هو كرفع صوته بالتكبير ليسمعهم، وكذلك حكم إقامة الصلاة أو الجماعة لقصد التعليم، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ جَاءَ مِنكمُ الجُمُعَةَ فَليغتسِلْ"(1).
تقدم الكلام على ابن عمر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن جاء منكمُ الجمعةَ" المراد بالمجيء إرادتُه، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في رواية في "صحيح مسلم":"إِذَا أرَادَ أَحَدُكُمُ أَنْ يَأتِيَ الجُمُعَةَ"(2)، وفي معنى إرادة المجيء قصدُ الشروع في المجيء.
(1) رواه البخاري (854)، كتاب: الجمعة، باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟ ومسلم (844)، (2/ 579)، في أول كتاب الجمعة، وهذا لفظ البخاري.
(2)
رواه مسلم (844)، (2/ 579)، كتاب: الجمعة، في أوله.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فليغتسلْ" الفاء للتعقيب، واشترط مالك رحمه الله اتصالَ الغسل بالرواح؛ لتعلقه بالأمر بالمجيء إلى الجمعة، لكنه قد تبين أن المراد إرادتُه أو قصدُه، وأبعدَ داودُ الظاهري، وجعل الغسل متعلقًا باليوم فقط، حتى لو اغتسل قبل غروب الشمس يوم الجمعة حصلت مشروعية الغسل، مستدلًا بقوله صلى الله عليه وسلم في "الصحيح":"لو اغتسلْتُمْ ليومِكُم"(1)، وقوله:"غسلُ يومِ الجمعة"(2)، وقوله:"لو اغتسلتم يوم الجمعة"، فعلقه، وأضافه إلى اليوم، وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فدل على أنه مشروع لليوم، لا لتعين المجيء، لكنه قد تبين المقصود من الغسل، وبيان سبب شرعيته في الأحاديث الصحيحة، وهو إزالة الروائح الكريهة والوسخ؛ لعدم إيذاء الناس والملائكة، وكذلك أبعدَ من قدَّم جوازَه على يوم الجمعة؛ بحيث لا يحصل المقصود من إزالة ما ذكر والنظافة لم يعتد به، والمعنى إذا كان معلومًا من الشرع بالقطع؛ كالنص، أو بالظن الراجح المقارن للنص، فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ، وإذا كان أصل المعنى معقولًا، وتفاصيله تحتمل التعبد، فلا شك أنه محل نظر، ولا شك أن الأحاديث التي دلت على تعلق الأمر بالمجيء أو الإتيان قد دلت على تعلق الأمر بهذه الحالة المطلوبة من النظافة وإزالة الوسخ، والأحاديث التي تدل على تعليقه باليوم لا تتناول تعليقه بها، فهو إذا تمسك بها أبطل دلالة الأحاديث التي دلت على تعلق الأمر بالحالة المطلوبة، وليس له ذلك، ونحن إذا قلنا بتعليقه بهذه الحالة، لم يبطل ما استدل به، وعملنا بمجموع الأحاديث.
(1) رواه البخاري (861)، كتاب: الجمعة، باب: وقْت الجمعة إذا زالت الشمس، ومسلم (847)، كتاب: الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه البخاري (839)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة، ومسلم (846)، كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، بلفظ:"غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم".
واللام في قوله: "فَلْيغتسلْ" للأمر، ولكن جمهور العلماء من السلف والخلف على أنها للندب، قال القاضي عياض: وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه (1)، وإن كان ظاهر الأمر للوجوب، وقد ثبت التصريح به في قوله صلى الله عليه وسلم:"غسلُ الجمعةِ واجبٌ على كلِّ محتلمٍ"(2)، وهذا الذي حمل طائفة من السلف وبعض الصحابة وبعض التابعين، ومالك في رواية عنه، وأهل الظاهر إلى القول بوجوبه؛ عملًا بظواهر الأمر والأحاديث المروية فيه، واحتج الجمهور الذين قالوا بالندب بأحاديث صحيحة، منها ما رواه مسلم في "صحيحه": أن رجلًا دخلَ وعمرُ يخطبُ، وهو عثمانُ بنُ عفان، وقد ترك الغسلَ، وأقره عمرُ والصحابة على ذلك (3)، وهم أهلُ الحل والعقد، مع أن تركَ عثمانَ رضي الله عنه حجةٌ في عدم الوجوب بمجرده، فلو كان واجبًا، لألزموه، ولما تركه، ومنها ما ثبت صحيحًا في السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَوَضَّأَ، فَبِها وَنِعْمَتْ، ومَنِ اغتسلَ فالغسلُ أفضلُ"(4)، ففيه دليلان: الندب، وعدم الوجوب، ومنها رواية في "صحيح مسلم"، وهي قوله صلى الله عليه وسلم:"لو اغتسلتمْ يومَ الجمعة"(5)، وهذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب؛ لأن التقدير: لو اغتسلتم، لكان أفضلَ وأكملَ، وتأولوا صيغةَ الأمر على الندب، وصيغةَ الوجوب على التأكيد في قوله صلى الله عليه وسلم:"واجبٌ على كل محتلم"، وضعف هذا التأويل؛ فإن المراد بالمحتلم البالغ، كما أن المراد بالحائض في قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يقبلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلا بخمارٍ"(6): من
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (6/ 133).
(2)
تقدم تخريجه قريبًا.
(3)
رواه مسلم (845)، كتاب: الجمعة، في أوله، والبخاري أيضًا (842)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الجمعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه. غير أن اسم الصحابي (عثمان بن عفان) رضي الله عنه لم يُصرح به في رواية البخاري.
(4)
رواه أبو داود (354)، كتاب: الطهارة، باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والنسائي (1380)، كتاب: الجمعة، باب: الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والترمذي (497)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، عن سمرة رضي الله عنه.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
تقدم تخريجه.