الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرمل؛ لأنَّ فضيلة الرَّمل هيئة للعبادة في نفسها، والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها، فكان تقدم ما تعلق بنفسها أولى.
واتَّفق العلماء على أنَّ الرَّمل لا يشرع للنِّساء، كما لا يشرع لهن شدَّة السَّعي بين الصَّفا والمروة، والله أعلم.
ومنها: أنَّ الرَّمل لا يشرع بين الرُّكن اليماني والأسود، وإنما يشرع المشي، وقد بينا أنَّ ذلك منسوخ، واستقرار استحبابه حول البيت والحجر.
ومنها: إظهار قوة الدِّين والإسلام بحضرة أعدائه، وإن كان الضَّعف حاصلًا.
ومنها: أن ما شُرع لمعنى يستحب المداومةُ على فعله؛ تذكُّرًا لنِعم الله تعالى وتأسيًا.
ومنها: جواز تسمية الطِّواف: شوطًا، ونقل عن مجاهدٍ والشافعي كراهته، وكراهة تسميته: دورًا، وإنَّما سمّي طوفةً، والصَّحيح أنه لا كراهة فيه؛ لظاهر هذا الحديث.
ومنها: رفق الإمام بالناس فيما يأمرهم به من الطَّاعات للمصالح العامَّات، وألَّا يتجاوز بما يأمرهم به من ذلك إلى حدِّ المشقَّة عليهم.
ومنها: كراهة تسمية المدينة: يثرب، على ما بيَّنَّاه، وكذلك حكم التَّشبُّه بالمشركين في تسمياتهم وعباراتهم، وغير ذلك، والله أعلم.
* * *
الحديث السادس
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يقدَمُ مَكَّةَ، إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَة أَشْوَاطٍ (1).
(1) رواه البخاري (1526)، كتاب: الحج، باب: استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوت ويرمل ثلاثًا، ومسلم (1261)، كتاب: الحج، باب: استحباب الرمل في الطواف والعمرة.
الخَبُّ والرَّمل، بمعنى واحدٍ، واستلام الرُّكن الذي فيه الحجر الأسود مشروع لفضيلتين:
إحداهما: لكونه فيه الحجر الأسود.
والثانية: لكونه مبنيًّا على قواعد ابراهيم صلى الله عليه وسلم فقط، وقد استدل للقاضي أبي الطَّيب من الشَّافعية بهذا الحديث، على استحباب استلام الرُّكن الأسود مع الحجر، فيجمع بينهما في استلامه؛ للاتِّفاق على استحباب استلام الحجر أول قدومه، من غير تعرض للركن الذي هو فيه.
وليس في هذا الحديث لاستلامه ذكر، بل للركن الذي هو فيه، وقد يعبر عن الركن بالحجر؛ لشرفه، ولكونه بعضَه، كما إذا قيل: استلمَ الركن، فإنما يريد بعضه، ومعنى الاستلام: مسحُ اليد عليه، مأخوذ من السلام، وهو التَّحيَّة، أو السَّلام بكسر السِّين، وهي الحجارة.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: استحباب البدأة باستلام الحجر الأسود، أول قدومه.
ومنها: البدأة بطواف القدوم عند وصوله إلى مكة.
ومنها: استحباب الرمل فيه.
ومنها: أن استحبابه إنما هو في الطَّوفات الثلاث الأُول.
ومنها: جواز تسميتها: أشواطًا.
ومنها: الاقتداء بأفعاله صلى الله عليه وسلم في مناسك الحج، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم"(1)، والله أعلم.
* * *
(1) تقدم تخريجه.