الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعشاء، لكنَّ القيام بين المغرب والعشاء لا يسمَّى تهجُّدًا، بل التَّهجُّد في عُرْف الشَّرع: من قام بين فعل العشاء ونومه وطلوع الفجر، ووسطُ اللَّيل أفضل من الأول والأخير، وإن كانت الصلاة آخر اللَّيل مشهودة؛ لما فيه من نوم النَّاس وغفلتهم عنها، وقد ورد في حديث حسن: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ذاكرُ اللهِ في الغافلينَ كشجرةٍ خضراءَ بينَ أشجارِ يابسةٍ"(1).
والمراد بالوسط: ما في حديث ابن عمرو من فعل داود صلى الله عليه وسلم هذا، وهو الثلث الَّذي بين النِّصف الأول والسدس الأخير، وإن كان في عبارة أبي إسحاق الشّيرازي في "التَّنبيه" (2) ما يخالف ظاهره ذلك بقوله: والثُّلث الأوسط أفضلُ من الأول والأخير، لكنَّ المراد به هذا الَّذي ذكرناه. وإنما كان ذلك أفضل؛ لما فيه من مصلحة الإبقاء على النفس، واستقبال صلاة الصبح وأذكار النَّهار بالنَّشاط، والَّذي يقدَّر في الصُّوم من المعارض وارد هنا من أنَّ زيادة العمل تقتضي زيادة الفضيلة، والكلام فيه كالكلام في الصوم من تفويض مقابلة المصالح والمفاسد إلى صاحب الشَّرع، ومن مصالح القيام على ما في هذا الحديث أنَّه أقرب إلى عدم الرِّياء في العمل؛ فإن من نام السُّدس الأخير، فإن نفسه تكون مجموعة غير منهوكة، لا يظهر عليها أثر العمل عند من يراه، والله أعلم.
* * *
الحديث الثالث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ورَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوْتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ (3).
(1) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(5/ 91)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 181)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(565)، والديلمي في "مسند الفردوس"(3140)، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
(2)
انظر: "التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي (ص: 34 - 35)، و"المهذب" له أيضًا (1/ 84).
(3)
رواه البخاري (1880)، كتاب: الصوم، باب: صيام أيام البيض، ومسلم (721)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة الضحى.
أمَّا قول أبي هريرة رضي الله عنه وغيره:: "خليلي" يصفون النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ويضيفون خلته صلى الله عليه وسلم إلى نفوسهم؛ تشرُّفًا بها، فهذا جائز لا بأس به، وقد وقع من جماعة من الصَّحابة رضي الله عنهم غير أبي هريرة، من غير نكير، بل ذلك مستعمل إلى الآن، لكنَّه بالمعنى الذي ذكرناه.
أمَّا إضافتها إليه صلى الله عليه وسلم بمعنى أنَّه اتخذهم، أو أحدًا منهم خليلًا، فهذا لا يجوز؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم نفاها عنهم، وأثبتها لنفسه، وأضافها إلى الله تعالى.
وأمَّا مخاللة الإيمان والإسلام، فهذا جائز بالاتفاق، فإن الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أثبتاها في الكتاب والسنة، فقال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وقال صلى الله عليه وسلم:"المسلم أخو المسلم"(1)، ومعنى الأخوة: المخاللة بهذا الوصف، والله أعلم.
وأمَّا إيصاؤه صلى الله عليه وسلم بهذه الثَّلاث، فلِمَا في المحافظة عليها من الخيرات الدُّنيوية والأخروية، منها: التمرين للنَّفس على النَّوافل [المعينة] من الصَّوم والصَّلاة؛ لكي تدخل في الواجب منهما بانشراح واسترواح، ولينجبر بها مع ما يقع فيه من نقص، ولإذهاب السَّيئات؛ فإن الحسنات يذهبْنَ السَّيئات، ولتضعيف الحسنات؛ كما علل صلى الله عليه وسلم صوم ثلاثة أَيَّام من الشهر في الحديث قبله، بقوله:"فإنَّ الحسنةَ بعشرةِ أمثالها"، وكان صومها يعدل صيام الشَّهر، ولعل الحكمة فيه تحصيل العلم بالفرق بين أنَّ يصوم الشَّهر تقديرًا وتخفيفًا.
وأمَّا صلاة الضُّحى، فلأنَّ الركعتين منها تجزى عن الصدقات التي تصبح في كلِّ يوم على مفاصل ابن آدم، وهي ثلاث مئة مفصل وستون، وقد ورد في السُّنَّة الحثُّ على فعلها، وصنف الحاكم أبو عبد الله الحافظ فيها كتابًا مستقلًا، وفيه فوائد جمَّة، وذكر فيه حديثًا أنَّه يقرأ في الركعة الأولى منها بعد سورة الفاتحة:
(1) رواه البخاري (2310)، كتاب: المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، ومسلم (2580)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما.