الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك القول في جميع الواجب الموسَّع، إنما جوز تأخيره بشرط العزم على فعله، حتى لو أخره بلا عزم، عصى.
وأجمع العلماء على أنَّه لو مات قبل خروج شعبان، لزمه الفدية في تركته عن كل يوم بمد من طعام، وهذا إذا تمكن من القضاء، فلم يقض، فأما من أفطر في رمضان بعذر، ثم اتصل عجزه، فلم يتمكَّن من الصوم حتَّى مات، فلا صوم عليه، ولا يطعم عنه، ولا يصام عنه.
ثم إنَّ قضاء رمضان يندب مرتبًا متواليًا، فلو قضاه غير مرتب، أو مفرقًا، جاز عند الشَّافعي وجمهور العلماء؛ لأن الصوم اسم يقع على الجميع، وقال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر: يجب تتابعه، كما يجب الأداء، والله أعلم.
* * *
الحديث السَّابع
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ مَاتَ وعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"(1)، وأخرجَهُ أبو داوُدَ، وقالَ: هذا في النذر، وهو قول الإمام أحمدَ بنِ حنبلٍ (2).
ذكر شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد رحمه الله: أن هذا الحديث ليس مما اتَّفقا عليه، وذكر أبو محمَّد عبد العظيم المنذري: أنَّ البخاري ومسلمًا أخرجاه في "مختصر سنن أبي داود"، وهو موافق لما ذكره المصنف.
والوليُّ أصله من الولْي -بسكون اللام-، وهو القرب، وقال الفراء: والمولى والوليُّ واحد (3).
(1) رواه البخاري (1851)، كتاب: الصوم، باب: من مات وعليه صوم، ومسلم (1147)، كتاب: الصيام، باب: قضاء الصيام عن الميت.
(2)
رواه أبو داود (2400)، كتاب: الصوم، باب: من مات وعليه صيام.
(3)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 287).
وقد اختلف العلماء في المراد به في هذا الحديث:
فالمختار عند العلماء من المحققين وغيرهم: أنَّه مطلق القرابة، سواء كان القريب وارثًا، وغيره.
ومنهم من اشترط فيه العصوبة أو الإرث، وتوقف في ذلك إمام الحرمين، وقال: لا نقل عندي في ذلك، وقال: بعض الفضلاء المتأخرين: وأنت إذا فحصت عن نظائره، وجدت الأشبه اعتبار الإرث.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: العموم في الصوم الَّذي يصام عن الميِّت من غير تخصيص بنذر، وقد ورد في بعض الأحاديث ما يقتضي الإذن في الصوم عمَّن مات وعليه نذر لصوم، وليس ذلك بمقتضٍ لتخصيص صورة النذر.
ومنها: دليل بعمومه على أن الولي يصوم عن المئت، وأنّ النيابة تدخل في الصوم، سواء كان الصوم عن رمضان، أو قضاءً، أو نذرًا، أو غيره، وهو المختار الَّذي عليه المحققون من الشافعيين الجامعون بين الفقه والحديث، وهو أحد قولي الشافعي: أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه، ولا يجب، ويصح صومه عنه، وتبرأ ذمَّة الميت، ولا يحتاج إلى إطعام عنه؛ لعموم هذا الحديث، والأحاديث الصحيحة الثابتة فيه.
قال: البيهقي رحمه الله: لو وقف الشافعي رحمه الله على جميع طرقها، ونظائرها، لم يخالفها - إن شاء الله تعالى - (1).
وقال غيره: كيف وقد قال الشَّافعي رحمه الله: إذا صحَّ الحديث، فهو مذهبي (2)، وقد صحَّ في الصيام عن الميت أحاديث، وقال الشَّافعي في المريض لا يصح من مرضه حتَّى يموت: فلا صوم عليه ولا كفارة، وقد تقدم أن من أفطر في رمضان بعذرٍ، ثم اتصل عجزه، فلم يتمكن من الصوم حتى مات: أنه
(1) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (4/ 256).
(2)
تقدم تخريجه.
لا صوم عليه ولا إطعام، ولا يصام عنه، والحديث الوارد:"منْ ماتَ وعليه صومٌ أُطعم عنهُ" ليس بثابت، ولو ثبت، أمكن الجمع بينه وبين الأحاديث الواردة في جواز الصوم بأن يحمل على جواز الأمرين؛ فإن من يقول بالصيام، يجوز عنده الإطعام، فيثبت أن الصواب المتعيِّن تجويزهما، والولي مخير بينهما.
وتقدم الكلام على المراد بالوليِّ واشتقاقه، فلو صام عنه أجنبي بإذن الولي، صحَّ، وإن كان بغير إذن الولي، ففيه وجهان؛ أظهرهما المنع.
ويقول الشَّافعي: هذا وعمل بهذا الحديث: طاوس، والحسن البصري، والزّهري، وقتادة، وأبو ثور، وأهل الظاهر، وإسحاق، وممن قال به في النذر خاصة مع أحمد: اللَّيث، وأبو عبيد، وإسحاق في روايةٍ عنه.
والمشهور من قولي الشَّافعي، وإليه ذهب الجمهور: أنه لا يصام عن ميت، لا نذر ولا غيره، وهو الجديدُ من مذهبه، وإليه ذهب الجمهور، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم، ورواية عن الحسن، والزهري، وبه قال مالك، وأبو حنيفة.
أما الأجنبي، فلا يصوم؛ لأجل التخصيص في مناسبة الولاية لذلك، أو لأن الأصل عدم جواز النيابة في الصوم؛ لكونها عبادة بدنيَّة لا تدخلها النيابة في الحياة، فلا تدخلها بعد الموت؛ كالصلاة، وإذا كان الأصل عدم جواز النيابة، وجب أن تقتضي فيه على ما ورد في الحديث.
وأمَّا غيره من القرابة، أو العصبة، أو الولاية؛ فيجري على القياس، لكن قال أصحاب الشافعي: لو أمر الوليُّ أجنبيًّا بأن يصوم عنه بأجرة أو بغير أجرة، جاز؛ كما في الحج، وهذا إنما يكون على قول للشَّافعي: إنَّه يصام عنه.
أمَّا على قول المنع، فلا يتجه ذلك، قال القاضي عياض رحمه الله: منعُ الصوم عن الميِّت هو قول جمهور العلماء، وتأولوا حديث هذا الباب على أنه يطعم عنه وليه، وهو تأويل ضعيف باطل، لا ضرورة إليه أم أي مانع يمنع من العمل به مع تظاهر الأحاديث، وعدم المعارض لها، قال القاضي، وأصحاب