الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشترطه المشتري، فإن كان دراهم، والثمن دراهم، وكذلك في جميع الصور؛ لإطلاق الحديث، قال: وكأنه لا حصة للمال من الثمن.
ومنها: أنه إذا باع عبدًا، أو جارية وعليها ثياب، لا تدخل في البيع مطلقًا، بل تكون للبائع إلا أن يشترطها المبتاع؛ لأنه مال في الجملة، وفي ذلك أوجه لأصحاب الشافعي:
أصحها: ما ذكرناه؛ لهذا الحديث؛ فإنه ظاهر في ذلك، ولأن اسم العبد لا يتناول الثياب.
والثاني: يدخل.
والثالث: يدخل ساتر العورة دون غيره، والله أعلم.
* * *
الحديث الرابع
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَستَوفيهُ"(1). وفي لفظ: "حَتَّى يقْبِضَهُ"(2)، وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مِثْلُه (3).
أجمع العلماء على بطلان بيع الطعام قبل قبضه؛ بأن يشتري رجل طعامًا، ولم يقبضه، ولا استوفاه، فيبيعه لآخر، نقل الإجماع على ذلك أكثر العلماء، ونقل المازني، ثم القاضي عياض -رحمهما الله تعالى- عن عثمان الليثي: جوازَ مبيع كل مبيع قبل قبضه، ونقل عن أبي حنيفة جواز ذلك في كل شيء إلا العقار،
(1) رواه البخاري (2019)، كتاب: البيوع، باب: الكيل على البائع والمعطي، ومسلم (1526)، كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(2)
رواه البخاري (2026)، كتاب: البيوع، باب: ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، ومسلم (1526)، (3/ 1161)، كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل قبضه.
(3)
رواه البخاري (2028)، كتاب: البيوع، باب: بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك، ومسلم (1525)، كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل قبضه.
وقال مالك: لا يجوز في الطعام، ويجوز في كل ما سواه، وقال الشافعي رحمه الله: لا يصح بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا، سواء كان طعامًا، أو عقارًا، أو منقولًا، أو نقدًا، وغير ذلك، فحينئذ مذهب أبي حنيفة والبتي مخالف للإجماع المستند إلى الأحاديث الصحيحة، ويعتذر عن أبي حنيفة والبتي بأن الأحاديث لم تبلغهما، والله أعلم.
وكان ولاة الأمر من السلف -رحمهم الله تعالى- يضربون من بيع الطعام قبل قبضه.
وقد روى مسلم في "صحيحه" عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعامًا جِزافًا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه (1)، وفي رواية عنه: رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جِزافًا، يُضربون أن يبيعوه في مكانهم ذلك حتى يؤووه إلى رحالهم (2).
ومقتضى ذلك جميعه: أنه لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه، إما بكيله، وإما بنقله من موضعه، سواء كان شراؤه جِزافًا، أو اشترى قدرًا معلومًا، فإن كان جزافًا، اشترط في جواز بيعه نقله من مكانه، وذلك قبضه واستيفاؤه، وإن كان قدرًا معلومًا من الصبرة، اشترط كيله، وذلك قبضه واستيفاؤه.
ثم إن الحديث يقتضي المنع من البيع قبل القبض، إذا كان مملوكًا بجهة البيع، وأن يكون المنع من التصرف فيه هو البيع قبل القبض، فلو كان مملوكًا بغير البيع، كالصدقة والهبة، وهي بيع الصك قبل قبضه؛ بأن يكون دين لإنسان مكتوب في ورقة، فيهبه، أو يتصدق به على شخص، أو يأمر ولي الأمر لمستحق برزق من طعام أو غيره معين، فكتب له في صك؛ وهو الورقة المكتوبة به، فيبيعه صاحبه لإنسان قبل قبضه، وقد اختلف العلماء في ذلك، وللشافعية فيه وجهان:
(1) رواه مسلم (1527)، كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(2)
رواه مسلم (1527)، (3/ 1161)، كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض، والبخاري أيضًا (2024)، كتاب: البيوع، باب: ما يذكر في بيع الطعام والحكرة.
أصحهما عندهم: جواز بيع ذلك.
والثاني: منعه، مستدلًا له بما رواه مسلم في "صحيحه": أن أبا هريرة رضي الله عنه قال لمروان: أحللت بيع الصكاك، وقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى؟! فخطب مروان في الناس، فنهى عن بيعها (1)، ومن قال بالأصح منهم، تأول قصة أبي هريرة على أن المشتري هو الذي اشتراه ممن خرج له الصك، وباعه هذا المشتري لثالث قبل أن يقبضه، فكان البيع المنهي عنه البيع الثاني لا الأول؛ لأن الذي خرج له الصك برزق، أو كان له دين في صك، ونحوهما مالك ملكًا مستقرًا، أو وليس هو بمشترٍ، فلا يمنع بيعه قبل القبض؛ كما لا يمنع بيع ما ورثه قبل قبضه.
قال القاضي عياض رحمه الله: وكانوا يتبايعون ذلك، ثم يبيعه المشتري، فنُهوا عن ذلك، قال: وكذا جاء الحديث مفسَّرًا في "الموطأ": أن صكوكًا خرجت للناس في زمن مروان بطعام، فتبايع الناس تلك قبل أن يستوفوها (2).
وفي "الموطأ" ما هو أبين من هذا، وهو أن حكيم بن حزام ابتاع طعامًا أمر به عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، فباع حكيم الطعام الذي اشتراه قبل قبضه (3)، والله أعلم (4).
وقد تكلم الشافعية في جواز التصرف قبل القبض في عقود:
منها: العتق قبل القبض، وفيه وجهان:
أصحهما: يعود إن أدى المشتري الثمن، فلم يكن للبائع حق حبسه، فلو كان الثمن مؤجلًا، فهل للبائع حق الحبس؟ فيه وجهان؛ كعتق الراهن؛ فإن للمرتهن حق الحبس، والصحيح: أنه لا فرق.
(1) رواه مسلم (1528)، كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(2)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 641)، بلاغًا.
(3)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 641)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 315).
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 171 - 172).