الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: جواز قول: حجة الوداع.
ومنها: طهارة البعير ونحوه، وعرقه، وهو مُجمع عليه.
ومنها: جواز إدخاله المسجد للحاجة إلى ذلك، وقد استدل أصحاب مالك، وأحمد، على طهارة بولِ ما يؤكل لحمه، وروثه، قالوا: لأنه لا يؤمن البول والرَّوث منه، فلو كان نجسًا، لما عرض المسجد له، ومذهب الشَّافعي، وأبي حنيفة: نجاسته.
وليس في هذا الحديث دلالة على هذا الاستدلال؛ لأنه لا يلزم من دخوله أن يبول أو يروث في حال الطواف، وإنما هو محتمل، وعلى تقدير حصوله، يُنظَّف المسجدُ منه، وقد أقر صلى الله عليه وسلم دخول الصبيان ونحوهم المساجد، ومعلوم أنَّه لا يؤمن من بولهم وغائطهم فيها، ولو كان ذلك محققًا، لَنُزِّهَ المسجد من دخولهم إليه، سواء كان ما يؤذى به المسجد من الأقذار طاهرًا أو نجسًا.
ومنها: أن المصالح والمفاسد وتوهمها، إذا تعارضت، قُدِّم أرجحُهما مصلحةً، وأخفُّهما مفسدةً إذا تحقق أو غلب على الظَّن وجودُه، على حسب القرائن والمناسبات، وأنه إذا زالت المفاسد، رجع إلى الأصلح اتفاقًا، والله أعلم.
* * *
الحديث الثامن
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إلا الركْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ (1).
اليمانيين: بتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى سيبويه والجوهري، وغيرهما فيها لغة أخرى بالتَّشديد، فمن خفف قال: هي نسبة إلى
(1) رواه البخاري (1531)، كتاب: الحج، باب: من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، ومسلم (1267)، كتاب: الحج، باب: استلام الركنين اليمانيين في الطواف.
اليمن، فالألف فيه عوض من إحدى ياءي النَّسب، فتبقى الياء الأخرى مخففة، ولو شدَّدناها، كان جمعًا بين العوض والمعوَّض، وذلك ممتنع، ومن شدد قال: الألف في اليماني زائدة، وأصله اليمنيُّ، فتبقى الياء مشددة، وتكون الألف زائدة، كما زيدت النون في صنعاني ورقباني ونظائرهما.
والركنان اليمانيان هما: الركن الأسود، والركن اليماني، وإنما قيل لهما: اليمانيان؛ للتغليب، كما قيل في الأب والأم: الأبوان، وفي الشَّمس والقمر: القمران، وفي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: العُمران، وفي الماء والتمر: الأسودان، والله أعلم.
[واعلم أن للبيت أربعة أركان: الرّكن الأسود، والرُّكن اليمانيُّ](1)، ويقال لهما: اليمانيان، كما في هذا الحديث. وأمَّا الركنان الآخران، فيقال لهما: الشَّاميان، ويقال لهما: الغربيَّان؛ فالركن الأسود يُستلم ويقتل؛ لكونه مخصوصا بفضيلتي: الحجر الأسود، وبنائه على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والركن اليماني يُستلم ولا يقبَّل؛ لاختصاصه بفضيلة بنائه على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقط.
وأما الركنان الآخران، فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلا يقبَّلان، ولا يُستلمان، وأجمعت الأمة على استحباب استلام الرُّكنين اليمانيين.
ونقل القاضي أبو الطَّيب إجماع أئمة الأمصار والفقهاء على أن الشاميينِ لا يُستلمان، ونقل غيره ذلك عن جمهور العلماء. قال: واستحبه بعض السلف، ومن كان يقول باستلامهما: الحسن والحسين ابنا عليٍّ رضي الله عنهم، وابن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيدٍ رضي الله عنهم.
قال القاضي أبو الطيب: كان فيه خلاف لبعض السَّلف من الصحابة والتَّابعين، وانقرض الخلاف، ثمَّ أجمعوا على عدم استلامهما، والله أعلم.
وليس في هذا الحديث دليل على نفي استلامهما، ولا إثباته، وإنما ثبت نفيه باستقرار الإجماع عليه، قال أصحاب الشَّافعي: لو عجز عن استلام اليماني،
(1) ما بين معكوفين ساقط من "ح 2".
أشار إليه بيده، ولا يقبِّلها، ولو عجز عن استلام الأسود، أشار إليه بيده، وقبلها؛ لأن الحجر الأسود يُشرع استلامُهُ وتقبيلهُ، فإذا عجز عنه، أتى ببدله، وهو الإشارة، وتقبيل ما أشار به؛ يده، أو غيرها، والله أعلم.
ولا شك أن تعليل استلام اليمانيين بكونهما على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مناسبٌ، وهو ظنُّ ابن عمر وتعليله، وقال بعض أصحابه: ليس شيء من البيت مهجورًا، لكن اتباع ما دلَّ عليه الحديث أولى؛ إذ العبادات الغالب عليها الاتباع، لا سيما إذا وقع التخصيص مع توهم الاشتراك في العفة؛ فإن التوهُّم أمر زائد، وإظهار معنى التخصيص غير موجود فيما ترك فيه الاستلام.
* * *