الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بك من البخل، وأعوذ بك من الجُبْن، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العُمُر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر» (1).
ومن
أهم آداب الدعاء
(2):
رفع اليدين حتى يرى بياض إبطيه، وغاية الرفع إلى حذو المنكبين إلا إذا اشتد الأمر، ثم مسح الوجه بهما، اتباعاً للسنة، روى أبو داود بإسناد حسن عن مالك ابن يسار مرفوعاً:«إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها» ، وتكون اليدان مضمومتين لما روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه، وجعل بطونهما مما يلي وجهه» لكن ضعفه في المواهب.
ثم يبدأ الدعاء بالحمد لله والثناء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء» (3) وأفضل تحري مجامع الحمد مثل: (الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، ياربنا لك الحمد، كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك).
ويختم دعاءه بالحمد لله، لقوله تعالى:{وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس:10/ 10] كما يختم دعاءه بالآية الكريمة: {سبحان ربك رب
(1) رواه البخاري والترمذي وصححه. والمراد بالبخل: منع ما يجب إخراجه من المال شرعاً، أو عادة. والجبن: مهابة الأشياء والتأخر عن فعلها. وفتنة الدنيا: الاغترار بشهواتها المفضي إلى ترك القيام بالواجبات. وهي فتنة المحيا في حديث التعوذ من أربع في الصلاة، وخصت هذه الأمور بالتعوذ منها لأنها من أعظم الأسباب المؤدية إلى الهلاك باعتبار ما يتسبب عنها من المعاصي المتنوعة (نيل الأوطار:2/ 303).
(2)
انظر أيضاً الإحياء للغزالي: (1/ 274 - 278).
(3)
رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه.
العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين} [الصافات:182/ 37]، قال علي كرم الله وجهه:«من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة، فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين» (1).
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أول الدعاء وآخره، لخبر جابر قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لاتجعلوني كقَدَح الراكب (2)، فإن الراكب يملأ قدحه، ثم يضعه، ويرفع متاعه، فإن احتاج إلى شراب شرب، أو لوضوء توضأ، وإلا أهراقه، ولكن اجعلوني في أول الدعاء، وأوسطه، وآخره» (3).
ويستقبل الداعي غير الإمام القبلة؛ لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة. ويكره للإمام استقبال القبلة، بل يستقبل الإمام المأمومين للحديث السابق: أنه صلى الله عليه وسلم كان ينحرف إليهم إذا سلم.
ويلحُّ الداعي في الدعاء مع الخشية، لحديث:«إن الله يحب الملحِّين في الدعاء» (4) وحديث: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل» (5) ويكرر الدعاء ثلاثاً؛ لأنه نوع من الإلحاح، قال ابن مسعود:«كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً» (6).
(1) أخرجه البخاري.
(2)
أي لا تؤخروني في الذكر؛ لأن الراكب يعلِّق قدحه في آخر رحله من تَرْحاله، ويجعله خلفه. (النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير).
(3)
رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف (مجمع الزوائد: 155/ 10).
(4)
رواه الترمذي وابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة (الفتح الكبير:355/ 1).
(5)
رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال: غريب، ورواه أحمد والحاكم وغيرهما أيضاً.
(6)
رواه مسلم وأصله متفق عليه (تخريج أحاديث الإحياء للعراقي:276/ 1).
ويكون متطهراً، ويقدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار.
والدعاء سراً أفضل منه جهراً، لقوله تعالى:{ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} [الأعراف:55/ 7] لأنه أقرب إلى الإخلاص. ويكره رفع الصوت بالدعاء في الصلاة وغيرها إلا لحاج لحديث: «أفضل الحج: العَجّ والثجّ» (1).
ويعم بالدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي:«يا علي عمم» .
ويكون دعاؤه بتأدب في هيئته وألفاظه، وخشوع وخضوع، وعزم ورغبة، وحضور قلب ورجاء، للحديث السابق:«لا يستجاب من قلب غافل» وشرط الدعاء: الإخلاص.
ويتوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده، ويقدم بين دعائه صدقة، ويتحرى أوقات الإجابة وهي:
الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الإمام المنبر يوم الجمعة، حتى تنقضي الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة. ويوم عرفة ويوم الجمعة، وعند نزول الغيث، وعند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى، وحالة السجود.
وينتظر الإجابة، للحديث السابق:«ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، ولا يَعْجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي» لما في الصحيح مرفوعاً: «يستجاب لأحدكم، ما لم يَعْجل، قالوا: وكيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول: قد دعوت، فلم أر يستجب لي، فيستحسر عند ذلك» .
(1) رواه الترمذي عن ابن عمر، ورواه البيهقي والحاكم وابن ماجه عن أبي بكر، ورواه أبو يعلى عن ابن مسعود، وهو ضعيف.
ولا يكره عند الحنابلة رفع بصره إلى السماء (1)، ولا بأس أن يخص نفسه بالدعاء، لحديث أبي بكرة، وأم سلمة، وسعد بن أبي وقاص، إذ أولها:«اللهم إني أعوذ بك وأسألك» فهو يخص نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم، ولحديث عائشة:«أفضل الدعاء: دعاء المرء لنفسه» (2).
ويستحب أن يخفف الدعاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «نهى عن الإفراط في الدعاء» (3) والإفراط يشمل كثرة الأسئلة.
ويدعو بدعاء مأثور، إما من القرآن أو السنة أو عن الصحابة أو التابعين، أو الأئمة المشهورين. من ذلك ما روته أم سلمة:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً متقبلاً» (4).
ومن الأدعية المأثورة الجامعة: (اللهم إني أسألك مُوجِبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل والفشل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال. اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودَرْك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وعضال الداء).
(1) كشاف القناع:430/ 1، واستدل بحديث المقداد:«أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني» ويعارضه حديث أبي هريرة عند البزار، ورجاله ثقات:«لينتهين ناس عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء حتى تخطف ـ يعني تخطف أبصارهم» (مجمع الزوائد:167/ 10).
(2)
رواه الحاكم عن عائشة، وهو صحيح.
(3)
ذكره في كشاف القناع:431/ 1.
(4)
رواه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة (نيل الأوطار:304/ 2).
[التعليق]
(1) * العَجُّ: رفعُ الصَّوت بالتّلْبِيةِ.
الثَّجُّ: سَيلان دماء الهدْي والأضاحي. (انظر النهاية في غريب الأثر لابن الأثير)
* أبو أكرم الحلبي