الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما من كان خارج المسجد، فوجد جماعة تقام: فإن كان الوقت وقت نهي، لم يستحب له الدخول، حتى تفرغ الصلاة، وتحرم عليه الإعادة ولم تصح، سواء قصد بدخوله المسجد تحصيل الجماعة أم لا. وأما إذا لم يكن الوقت وقت نهي، وقصد المسجد للإعادة، فلا تسن له الإعادة، وإن لم يقصد ذلك، كانت الإعادة مسنونة.
الحادي عشر ـ وقت استحباب القيام للجماعة أو الصلاة:
عرفنا في بحث أحكام الإقامة للصلاة أن للفقهاء آراء أربعة في وقت استحباب القيام لصلاة الجماعة، نوجزها هنا:
ذهب الحنفية: إلى أن المصلي يقوم عند «حي على الفلاح» وبعد قيام الإمام.
وذهب الحنابلة: إلى أنه يقوم عند «قد قامت الصلاة» .
ورأي الشافعية: أنه يقوم بعد انتهاء المقيم من الإقامة.
وقال المالكية: ذلك موكول إلى قدر طاقة الناس، حال الإقامة أو أولها أو بعدها، إذ ليس في هذا شرع مسموع إلا حديث أبي قتادة السابق: أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إذ أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني» قال ابن رشد: فإن صح هذا ـ وقد بينا أنه حديث متفق عليه ـ وجب العمل به، وإلا فالمسألة باقية على أصلها المعفو عنه، أعني أنه ليس فيها شرع، وأنه متى قام كل واحد، فحسن (1).
الثاني عشر ـ أعذار ترك الجماعة والجمعة:
يعذر المرء بترك الجمعة والجماعة، فلا تجبان للأسباب الآتية (2):
(1) بداية المجتهد: 145/ 1.
(2)
الدر المختار:519/ 1 وما بعدها، مراقي الفلاح: ص48، البدائع:155/ 1، مغني المحتاج:234 - 236، المهذب:94/ 1، المجموع:100/ 4 - 102، كشاف القناع:583/ 1 - 587، المغني629/ 1 - 630، القوانين الفقهية: ص69 ومابعدها، الشرح الصغير:514/ 1 - 516.
1ً - المرض الذي يشق معه الحضور كمشقة المطر، وإن لم يبلغ حداً يسقط القيام في الفرض، بخلاف المرض الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر. ومثله تمريض من لا متعهد له ولو غير قريب ونحوه؛ لأن دفع الضرر عن الآدمي من المهمات، ولأنه يتألم على القريب أكثر مما يتألم بذهاب المال. وغير القريب كالزوجة والصهر والصديق والأستاذ.
ودليل عذر المرض: قوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج:78/ 22] وأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن المسجد، وقال:«مروا أبا بكر فليصل بالناس» (1) ويعذر في ذلك خائف حدوث المرض، لما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر العذر: بالخوف والمرض (2). فلا تجب الجماعة على مريض ومقعد وزمِن ومقطوع يد ورجل من خلاف أو رجل فقط، ومفلوج وشيخ كبير عاجز وأعمى وإن وجد قائداً في رأي الحنفية، ولا يعذر حينئذ عند الحنابلة والمالكية والشافعية في ترك الجمعة دون الجماعة كما سيأتي.
2ً - أن يخاف ضرراً في نفسه أو ماله أو عرضه أو مريضاً يشق معه الذهاب كما ذكر، بدليل ما روى ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سمع النداء، فلم يجبه، فلا صلاة له إلا من عذر، قالوا: يارسول الله، وما العذر؟ قال: خوف أو مرض» .
فلا تجب الجماعة والجمعة بسبب خوف ظالم، وحبس معسر، أو ملازمة غريم معسر، وعُرْي، وخوف عقوبة يرجى تركها كتعزير لله تعالى، أو لآدمي، وقَوَد (قصاص) وحد قذف مما يقبل العفو إن تغيب أياماً، وخوف زيادة المرض أو
(1) متفق عليه.
(2)
رواه أبو داود وغيره، وفي إسناده رجل مدلس، ولم يضعفه أبو داود.
تباطئه. فإن لم يتضرر المريض بإتيانه المسجد راكباً أو محمولاً أو تبرع أحد بأن يركبه أو يحمله أو يقوده إن كان أعمى، لزمته عند الحنابلة والمالكية والشافعية الجمعة لعدم تكررها دون الجماعة. ولا تجب الجماعة والجمعة بسبب الخوف عن الانقطاع عن الرفقة في السفر ولو سفر نزهة. أو بسبب الخوف من تلف مال كخبز في تنور، وطبيخ على نار ونحوه، أو الخوف من فوات فرصة كالخوف من ذهاب شخص يدله على ضائع في مكان ما.
3ً - المطر، والوَحَل (الطين) والبرد الشديد، والحر ظهراً، والريح الشديدة في الليل لا في النهار، والظلمة الشديدة، بدليل ما روى ابن عمر رضي الله عنه، قال:«كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكانت ليلة مظلمة أو مطيرة، نادى مناديه: أن صلوا في رحالكم» (1)، والثلج والجليد كالمطر.
4ً - مدافعة الأخبثين (البول والغائط) أو أحدهما، لأن ذلك يمنعه من إكمال الصلاة وخشوعها. وحضور طعام تتوقه نفسه، أي جوع وعطش شديدان، لخبر أنس في الصحيحين:«لا تعجلن حتى تفرغ منه» ، وإرادة سفر، ويخشى أن تفوته القافلة أي تأهب لسفر مع رفقة ترحل، أما السفر نفسه فليس بعذر، وغلبة نعاس ومشقة؛ لأن رجلاً صلى مع معاذ، ثم انفرد، فصلى وحده عند تطويل معاذ، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره. لكن الصبر والتجلد على دفع النعاس، والصلاة جماعة أفضل، لما فيه من نيل فضل الجماعة. وأضاف الحنفية: واشتغاله بالفقه لابغيره.
(1) رواه البخاري ومسلم، ولفظهما:«ألا صلوا في الرحال» والرحال: المنازل، سواء أكانت من مدر (طين) أو شعر أو وبر أو غير ذلك. ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح، ولم يقل: في السفر. وهناك أحاديث أخرى في الموضوع (نيل الأوطار:155/ 3).
5ً - أكل منتن نيء إن لم يمكنه إزالته، ويكره حضور المسجد لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو فجلاً ونحوه، حتى يذهب ريحه، لتأذي الملائكة بريحه، ولحديث:«من أكل ثوماً أو بصلاً، فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته» (1). ومثله جزار له رائحة منتنة، ونحوه من كل ذي رائحة منتنة، لأن العلة الأذى. وكذا من به برص أو جذام يتأذى به قياساً على أكل الثوم ونحوه بجامع الأذى.
6ً - الحبس في مكان، لقوله تعالى:{لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة:286/ 2].
7ً - أضاف الشافعية: تقطير سقوف الأسواق والزلزلة، والسموم: وهي ريح حارة ليلاً أو نهاراً، والبحث عن ضالة يرجوها، والسعي في استرداد مغصوب، والسمن المفرط، والهم المانع من الخشوع، والاشتغال بتجهيز ميت، ووجود من يؤذيه في طريقه أو في المسجد، وزفاف زوجته إليه في الصلاة الليلية، وتطويل الإمام على المشروع، وترك سنة مقصودة، وكونه سريع القراءة والمأموم بطيئاً، أو ممن يكره الاقتداء به، وكونه يخشى وقوع فتنة له أو به.
وأيدهم الحنابلة في عذر تطويل الإمام، وزفاف الزوجة أو العرس. وتسقط الجمعة والجماعة عند المالكية لمدة ستة أيام بسبب الزفاف، ولا تسقط عن العروس في السابع على المشهور. وأضافوا كالشافعية: يعذر من عليه قصاص (قَوَد) إن رجا العفو عنه، ومن عليه حد القذف، إن رجا العفو أيضاً؛ لأنه حق آدم. أما من عليه حد لله تعالى كحد الزنا وشرب الخمر وقطع السرقة، فلا يعذر في ترك الجمعة ولا الجماعة؛ لأن الحدود لا يدخلها المصالحة، بخلاف القصاص.
(1) رواه البخاري ومسلم عن جابر، وفي لفظ:«من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا» .