الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحده، وينتظر من يأتي، فيصلي معه، فيجوز ذلك أيضاً عند الحنابلة؛ لأن النبيصلّى الله عليه وسلم أحرم وحده، ثم جاء جابر وجبارة، فأحرما معه، فصلى بهما، ولم ينكر فعلهما. والظاهر أنها كانت صلاة مفروضة؛ لأنهم كانوا مسافرين. أما في غير هذه الحالة، فلا يصح الاقتداء لمن لم ينو الإمامة.
2 ـ اتحاد صلاتي الإمام والمأموم:
للفقهاء آراء في تحديد هذا الاتحاد، فقال الحنفية (1): الاتحاد أن يمكنه (أي المقتدي) الدخول في صلاة بنية صلاة الإمام، فتكون صلاة الإمام متضمنة لصلاة المقتدي. فلا يصلي المفترض خلف المتنفل؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام، فلا يتحقق البناء على المعدوم، ولا من يصلي فرضاً خلف من يصلي فرضاً آخر؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة، فلا بد من الاتحاد سبباً وفعلاً ووصفاً. لأن الاقتداء بناء التحريمة على التحريمة، كما بينا أي أن الاتحاد في الفرضية ونوع الفريضة.
ويصلي المتنفل خلف المفترض؛ لأن فيه بناء الضعيف على القوي، وهو جائز، إلا التراويح في الصحيح؛ فلا يصح الاقتداء فيها بالمفترض لأنها سنة على هيئة مخصوصة، فيراعى وضعها الخاص للخروج عن العهدة أي التبعة أو المسؤولية.
ويصح اقتداء متنفل بمتنفل ومنه ناذر نفل بناذر آخر، ومن يرى الوتر واجباً (وهم الحنفية) بمن يراه سنة، ومن اقتدى في العصر، وهو مقيم، بعد الغروب، بمن أحرم قبله، لاتحاد صلاة الإمام مع صلاة المقتدي في الصور الثلاث.
(1) الكتاب بشرح اللباب:84/ 1، الدر المختار ورد المحتار:514/ 1،550 - 552، فتح القدير:261/ 1 - 265.
ويصح اقتداء متوضئ بمتيمم، وغاسل بماسح على خف أو جبيرة، وقائم بقاعد يركع ويسجد، لا مومئ؛ فالمومئ يصلي خلف مثله، إلا أن يومئ المؤتم قاعداً، والإمام مضطجعاً؛ لأن القعود معتبر، فتثبت به القعدة، أما صلاة القائم بالقاعد فلأنه صلى الله عليه وسلم صلى آخر صلاته قاعداً، والناس قيام (1)، وأبو بكر يبلغهم تكبيره، كما يصح اقتداء قائم بأحدب الظهر، وإن بلغ حدبه الركوع على المعتمد، وكذا الاقتداء بأعرج. ويصح اقتداء مومئ بمثله إلا أن يومئ الإمام مضطجعاً، والمؤتم قاعداً أو قائماً فإنه لا يجوز، على المختار، لقوة حال المأموم.
وقال المالكية (2): يشترط الاتحاد في ذات الصلاة، فلا يصح اقتداء بصلاة ظهر خلف عصر مثلاً، وفي صفة الصلاة أداء وقضاء، فلا يصح أداء خلف قضاء ولا عكسه، وفي زمن الصلاة، وإن اتفقا في القضاء، فلا يصح ظهر يوم السبت خلف ظهر يوم الأحد، ولا عكسه، ولا يصح اقتداء في صلاة صبح بعد طلوع شمس بمن أدرك ركعة قبل طلوع الشمس؛ لأنها للإمام أداء، وللمأموم قضاء.
ويصح اقتداء نفل خلف فرض كركعتي الضحى، خلف صبح بعد الشمس، وركعتي نفل خلف صلاة سفرية، أو أربع خلف صلاة حضرية.
وقال الحنابلة (3): الاتحاد في نوع الفرض وقتاً واسماً، فلا يصح ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، أو غيرهما كالعشاء، وعكسه، كما لا تصح صلاة مفترض خلف مفترض بفرض غيره وقتاً واسماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه» ،ولا يصح اقتداء مفترض بمتنفل، لهذا الحديث، ولأن
(1) أخرجه البخاري ومسلم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعو د (نصب الراية:41/ 2).
(2)
الشرح الصغير:451/ 1.
(3)
كشاف القناع:561/ 1 ومابعدها،570 ومابعدها، المغني:220/ 2 - 227.
صلاة المأموم لا تؤدى بنية الإمام، فأشبه صلاة الجمعة خلف من يصلي الظهر. ولا يصح أن يؤم من عدم الماء والتراب، أو به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بأحدهما بمن تطهر بأحدهما.
ولا يصح الاقتداء في صلاة تخالف الأخرى في الأفعال، كصلاة الكسوف أو الجمعة خلف من يصلي غيرهما، وصلاة غيرهما وراء من يصليهما؛ لأنه يفضي إلى مخالفة إمامه في الأفعال، وهو منهي عنه.
ويصح اقتداء متنفل بمفترض، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في إعادة الصلاة جماعة:«من يتصدق على هذا؟ فقام رجل فصلى معه» ويصح ائتمام متوضئ بمتيمم؛ لأنه أتى بالطهارة على الوجه الذي يلزمه، والعكس أولى. ويصح ائتمام ما سح على حائل بغاسل، لأن الغسل رافع للحدث.
ويصح ائتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها، وعكسه؛ لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت.
ويصح ائتمام قاضي ظهر يوم، بقاضي ظهر يوم آخر، لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت. ويلاحظ أن هاتين الحالتين خلاف مذهب المالكية.
ويجوز للعاجز عن القيام أن يؤم مثله.
ولا يؤم القاعد من يقدر على القيام إلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون إمام الحي؛ لأنه لا حاجة بالناس إلى تقديم عاجز عن القيام إذا لم يكن الإمام الراتب، فلا يتحمل إسقاط ركن في الصلاة لغير حاجة، والنبي صلى الله عليه وسلم حيث فعل ذلك، كان هو الإمام الراتب.
الثاني: أن يكون مرضه يرجى زواله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجى برؤه، ولأن
اتخاذ الزَّمِن ومن لا يرجى قدرته على القيام إماماً راتباً، يفضي إلى تركهم القيام، ولا حاجة إليه.
وعليه لا تصح الصلاة خلف عاجز عن القيام؛ لأنه عجز عن ركن من أركان الصلاة، فلم يصح الاقتداء به، كالعاجز عن القراءة إلا بمثله، إلا إمام الحي، المرجو زوال علته: وهو كل إمام مسجد راتب.
وإذا صلى إمام الحي جالساً، صلى من وراءه جلوساً، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون» (1)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:«صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، وهو شاكٍ، فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم: أن اجلسوا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً، فصلوا جلوساً أجمعون» (2)، ولأنها حالة قعود الإمام، فكان على المأمومين متابعته كحال التشهد.
فإن صلوا قياماً خلف إمام الحي المرجو زوال علته، صحت صلاتهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر من صلى خلفه قائماً بالإعادة، ولأن القيام هو الأصل.
والأفضل لهذا الإمام إذا مرض أن يستخلف؛ لأن الناس اختلفوا في صحة إمامته، فيخرج من الخلاف، ولأن صلاة القائم أكمل، فيستحب أن يكون الإمام كامل الصلاة.
(1) متفق عليه قال ابن عبد البر: روي هذا مرفوعاً من طرق متواترة.
(2)
وروى أنس ونحوه، أخرجهما البخاري ومسلم، وروى جابر عن النبي ص مثله، أخرجه مسلم، ورواه أسيد بن حضير، وعمل به. قال ابن عبد البر: روي هذا الحديث عن النبي ص من طرق متواترة، من حديث أنس، وجابر، وأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، كلها بأسانيد صحاح.