الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسنة في هيئة السجود: أن يجلس بين السجدتين مفترشاً: وهو أن يثني رجله اليسرى، ويبسطها ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمداً عليها، لتكون أطراف أصابعه إلى القبلة. وذلك للاتباع، كما سيأتي في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه، ثم هوى ساجداً» وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم «وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى» (1).
ويضع يديه على فخذيه قريباً من ركبتيه، منشورتي الأصابع، اليمنى واليسرى سواء.
الركن الثامن ـ القعود الأخير مقدار التشهد:
هذا فرض عند الحنفية إلى قوله: (عبده ورسوله) على الصحيح، فلو فرغ المقتدي قبل فراغ الإمام، فتكلم أو أكل، فصلاته تامة، وهو مع التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاعداً بمقدار:(اللهم صل على محمد) ركن عند الشافعية والحنابلة. والركن عند المالكية هو بمقدار الجلوس للسلام (2). ويلاحظ أن التشهد الأول كالأخير واجب عند الحنفية، سنة عند الجمهور، كما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير سنة عند الحنفية والمالكية.
استدل الحنفية: بحديث ابن مسعود رضي الله عنه حين علّمه النبي التشهد،
(1) متفق عليه (نصب الراية: 1/ 418).
(2)
فتح القدير مع العناية: 1/ 113، البدائع: 1/ 113، تبيين الحقائق: 1/ 104، الشرح الكبير: 1/ 240 ومابعدها، 251، القوانين الفقهية: ص64، مغني المحتاج: 1/ 172، المغني: 1/ 532 ومابعدها، كشاف القناع: 1/ 453 ومابعدها، بداية المجتهد: 1/ 125.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت هذا، أو فعلت هذا، فقد تمت صلاتك» (1) أي إذا قلت التشهد أو فعلت القعود، فقد تمت صلاتك. فإنه صلى الله عليه وسلم علق تمام الصلاة بالفعل، وهو القعود، سواء قرأ التشهد أو لم يقرأ، لأنه علقه بأحد الأمرين من قرادة التشهد والقعود، والقراءة لم تشرع بدون القعود، حيث لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيه، فكان القعود هو المعلق به تمام الصلاة في الحقيقة، لاستلزامه القراءة، وكل ما علق بشيء لا يوجد بدونه، وبما أن تمام الصلاة واجب، أو فرض، وتمام الصلاة لا يوجد بدون القعود، فالقعود واجب أي فرض؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وكون خبر ابن مسعود خبر آحاد أثبت الفرضية، فلأنه بيان لمجمل الكتاب، ويصلح البيان الظني لذلك، بخلاف قراءة الفاتحة مع نص القرآن؛ لأن نص القراءة ليس بمجمل، بل هو خاص، فتكون الزيادة عليه نسخاً بخبر الواحد، وهو لايجوز.
واستدل المالكية على أن التشهد والقعود ليسا بواجب: بأنهما يسقطان بالسهو، فأشبها السنن.
وأما الشافعية والحنابلة فاستدلوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الجلوس، وداوم على فعله، وأمر به في حديث ابن عباس، وقال:«قولوا: التحيات لله» (2) وسجد للسهو حين نسيه، وقد قال عليه السلام:«صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وقال ابن
(1) هذه رواية مدرجة عند الدارقظني، فهي في حكم الموقوف عليه. وهناك لفظ آخر عند أبي دواد وأحمد:((وإذا قلت هذا، وقضيت هذا، فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد)) (نيل الأوطار: 2/ 298، نصيب الراية: 1/ 424) وسيأتي في ركن السلام حديث آخر للحنفية.
(2)
رواه مسلم وأبو داود (نيل الأوطار: 2/ 281).
والدلالة منه بوجهين:
أحدهما ـ التعبير بالفرض، والثاني: الأمر به وفرضه في جلوس آخر الصلاة. وأما الجلوس له، فلأنه محله، فيتبعه.
وأما فرضية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، فلإجماع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة، فتعين وجوبها فيها، ولحديث «قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
…
الخ» (2) وفي رواية «كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال: قولوا .. الخ» (3) والمناسب لها من الصلاة، التشهد آخرها، فتجب فيه، أي بعده. وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه في الوتر، كما رواه أبو عوانة في مسنده، وقال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» ولم يخرجها شيء عن الوجوب. ومما يدل على الوجوب حديث علي عند الترمذي وقال: حسن صحيح: «البخيل من ذكرت عنده، فلم يصل علي» وقد ذكر النبي في التشهد، ومن أقوى الأدلة على الوجوب ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد
…
» الحديث.
(1) رواه الدارقطني والبيهقي وقالا: إسناده صحيح.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواها الدارقطني وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وقال: إنه على شرط مسلم.