الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمامة الكبرى، لقوله صلى الله عليه وسلم «الأئمة من قريش» (1)، ثم الأقدم هجرة بسبقه إلى دار الإسلام مسلماً (2)، ومثله الأسبق إسلاماً، لحديث أبي مسعود المتقدم:«فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم مسلماً» أي إسلاماً.
ثم الأتقى لقوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13/ 49].
فإن استووا فيما تقدم أقرع بينهم.
ويقدم السلطان مطلقاً على غيره، كما يقدم في المسجد الإمام الراتب، وفي البيت صاحبه إن كان صالحاً للإمامة.
رابعاً ـ من تكره إمامته ومكروهات الإمامة:
تكره إمامة بعض الأشخاص الآتية (3) وهم:
1ً - الفاسق العالم، ولو لمثله عند المالكية والشافعية والحنابلة، لعدم اهتمامه بالدين. واستثنى الحنابلة صلاة الجمعة والعيد، فتصح إمامته للضرورة، وأجاز الحنفية إمامته لمثله. ودليل الكراهة ما روى ابن ماجه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لاتؤمَّنَّ امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجراً، ولا يؤمن فاجر مؤمناً إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه أو سوطه» .
(1) رواه أحمد والنسائي والضياء عن أنس (الفتح الكبير: 504/ 1) ويؤيده حديث «قدموا قريشاً ولاتقدموها» رواه الشافعي والبيهقي عن الزهري بلاغاً، وابن عدي عن أبي هريرة، والبزار عن علي، والطبراني عن عبد الله بن السائب، بأسانيد صحيحة (الجامع الصغير).
(2)
وعلم منه بقاء الهجرة.
(3)
الدر المختار: 522/ 1 - 531، مراقي الفلاح: ص 49، فتح القدير: 347/ 1 - 249، البدائع: 156/ 1 ومابعدها، الشرح الصغير: 439/ 1 - 449، القوانين الفقهية: ص67، 69، مغني المحتاج: 232/ 1، 242، المغني: 193/ 2 - 198، 209 - 211، كشاف القناع: 549/ 1، و566 - 571، 581، الحضرمية: ص70.
وإنما صحت إمامته، لما روى الشيخان: أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج، وروي «صلوا خلف كل بر وفاجر» (1).
2ً - المبتدع الذي لا يكفر ببدعته: كالفاسق، بل أولى. والمبتدع: صاحب البدعة: وهي اعتقاد خلاف المعروف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا بمعاندة، بل بنوع شبهة، كمسح الشيعة على الرجلين، وإنكارهم المسح على الخفين ونحو ذلك.
ويلاحظ: أن كل من كان من أهل قبلتنا لا يكفر بالبدعة المبنية على شبهة، حتى الخوارج الذين يستحلون دماءنا وأموالنا وسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون صفاته تعالى، وجواز رؤيته، لكونه عن تأويل وشبهة، بدليل قبول شهادتهم.
فإن أنكر المبتدع بعض ما علم من الدين بالضرورة (البداهة) كفر، كقوله: إن الله تعالى جسم كالأجسام، وإنكاره صحبة الرسول عليه السلام الصديق، لما فيه من تكذيب قوله تعالى:{إذ يقول لصاحبه} [التوبة:40/ 9]، فلا يصح الاقتداء به أصلاً.
3ً - الأعمى: تكره إمامته تنزيهاً عند الحنفية والمالكية والحنابلة، لأنه لا يتوقى النجاسة، واستثنى الحنفية حالة كونه أعلم القوم، فهو أولى.
وأجاز الشافعية إمامته بدون كراهة، فهو كالبصير، إذ الأعمى أخشع، والبصير يتجنب النجاسة، ففي كلٍ مزية ليست في الآخر، وتصح إمامته عند الكل؛ لأن الصحيح عن ابن عباس: أنه كان يؤم وهو أعمى.
وقال أنس: «إن
(1) أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة، وهو حديث منقطع، ولله الحمد، وروى ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع:«لا تكفروا أهل ملتكم، وإن عملوا الكبائر، وصلوا مع كل إمام، وجاهدوا مع كل أمير، وصلوا على كل ميت من أهل القبلة» وفيه مجهول (نصب الراية: 26/ 2 - 27، نيل الأوطار: 162/ 3).
النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم، يؤم الناس، وهو أعمى» (1)، ولأن العمى فقد حاسة لايخل بشيء من أفعال الصلاة ولا بشروطها، فأشبه فقد الشم. والأعشى وهو سيء البصر ليلاً ونهاراً كالأعمى، والأصم كالأعمى عند الحنابلة والشافعية، الأولى صحة إمامته. وكذلك أقطع اليدين تصح إمامته في رواية اختارها القاضي أبو يعلى، وفي رواية مرجوحة: لاتصح إمامته. ولا يصح الائتمام بأقطع الرجلين.
4ً - أن يؤم قوماً هم له كارهون: والكراهة تحريمية عند الحنفية، لحديث:«لايقبل الله صلاة من تقدم قوماً، وهم له كارهون» (2).
5ً - يكره تطويل الصلاة على القوم تطويلاً زائداً على قدر السنة في قراءة وأذكار، والكراهة تحريمية عند الحنفية، سواء رضي القوم أم لا.
واستثنى الشافعية والحنابلة: حالة الرضا بالتطويل من جماعة محصورين فإنه تستحب الإطالة، لزوال علة الكراهة، وهي التنفير.
ودليل كراهة التطويل: أحاديث: منها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، فإذا صلى لنفسه، فليطوِّل ما شاء» (3) وعن أبي مسعود الأنصاري وعقبة بن عامر قالا: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما
(1) رواه أبو أداود وأحمد (نيل الأوطار: 160/ 3) وروى البخاري والنسائي أن عتبة بن مالك كان يؤم قومه، وهو أعمى (المصدر السابق).
(2)
رواه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو، وروى الترمي عن أبي أمامة:«ثلاثة لاتجاوز صلاتهم آذانهم، منهم: وإمام قوم وهم له كارهون» (نيل الأوطار: 176/ 3).
(3)
رواه الجماعة، وروى أحمد والشيخان عن أنس حديثين في تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم صلاته (نيل الأوطار: 3/ 731، نصب الراية: 29/ 2).
يطيل بنا، قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: ياأيها الناس، إن منكم منفِّرين، فأيكم أم بالناس فليوجز، فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة» (1) ومعناه أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة.
6ً - انتظار الداخل: قال الجمهور غير الشافعية (2): يكره للإمام انتظار الداخل لأن انتظاره تشريك في العبادة، فلا يشرع كالرياء، ودفعاً للمشقة عن المصلين؛ لأنه يبعد أن يكون فيهم من لا يشق عليه، والذين مع الإمام أعظم حرمة من الداخل، فلا يشق على من معه لنفع الداخل.
وقال الشافعية (3): يستحب على المذهب للإمام والمنفرد انتظار الداخل لمحل الصلاة مريداً الاقتداء به في الركوع غير الثاني من صلاة الكسوف، وفي التشهد الأخيرمن صلاة تشرع فيها الجماعة، بشرط ألا يطول الانتظار بحيث لو وزع على جميع الصلاة لظهر أثره، ولا يميز بين الداخلين لصداقة أو شرف أو سيادة ونحو ذلك، للإعانة على إدراك الركعة، أو إدراك فضل الجماعة. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم، ولأن منتظر الصلاة في صلاة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر الجماعة، وشرع الانتظار في صلاة الخوف لتدركه الطائفة الثانية.
ووافق ابن قدامة الحنبلي الشافعية، وقال القاضي من الحنابلة: الانتظار جائز غير مستحب، وإنما ينتظر من كان ذا حرمة، كأهل العلم ونظرائهم من أهل الفضل.
(1) متفق عليه، وروى البخاري ومسلم مثله عن معاذ، لاتكن فتاناً، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر» (نصب الراية: 29/ 2 - 30).
(2)
الشرح الصغير: 432/ 1، القوانين الفقهية: ص 69، كشاف القناع: 55/ 1، المغني: 236/ 2.
(3)
الحضرمية: ص65، المغني، المكان السابق، مغني المحتاج: 232/ 1.
7ً - تكره إمامة اللّحّان (كثير اللحن) الذي لا يحيل المعنى كجر دال (الحمد) ونصب هاء (الله) ونصب ياء (الرب) ونحوه من الفاتحة، وتصح صلاته بمن لا يلحن؛ لأنه أتى بفرض القراءة.
8ً - تكره إمامة من لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف، وتصح إمامته، سواء أكان أعجمياً أم عربياً. وتكره عند الجمهور غير الحنفية كما بينا: إمامة التمتام (وهو من يكرر التاء) والفأفاء (وهو من يكرر الفاء)، وتصح الصلاة خلفهما؛ لأنهما يأتيان بالحروف على الكمال، ويزيدان زيادة، وهما مغلوبان عليها، فعفي عنها، ويكره تقديمهما لهذه الزيادة.
9ً - تكره إمامة الأعرابي (وهو ساكن البادية) لغيره من أهل الحاضرة ولو بسفر لا لمثله. وذكر الحنفية أن التركمان والأكراد والعامي كالأعرابي، لما فيه من الجفاء والإمام شافع، فينبغي أن يكون ذا لين ورحمة، وبسبب الجهل، وإمامة الجاهل سواء أكان بدوياً أم حضرياً مكروهة مع وجود العالم. وقال الحنابلة: لا بأس بالصلاة وراء الأعرابي إذا صلح دينه.
10ً - يكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين بقدر ذراع فأكثر، سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد، لحديث حذيفة وأبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أم الرجل القوم، فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم» (1) وكان ابن مسعود ينهى عن ذلك. ويكره أيضاً عند الحنفية والمالكية والشافعية ارتفاع المقتدين عن مكان الإمام بقدر ذراع أيضاً، وتتقيد الكراهة عندهم بما إذا لم يكن في الحالتين مع الإمام في موقفه واحد على الأقل من المقتدين، فإ ن وجد معه واحد فأكثر لم يكره، واستثنى المالكية من ذلك صلاة الجمعة فإنها على سطح المسجد باطلة، كما
(1) رواهما أبو داود (نيل الأوطار: 193/ 3).