الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح جماعة، فكأنما صلى الليل كله» (1). أما العصر فلأنها الصلاة الوسطى.
و
حكمتها:
تحقيق التآلف والتعارف والتعاون بين المسلمين، وغرس أصول المحبة والود في قلوبهم، وإشعارهم بأنهم إخوة متساوون متضامنون في السراء والضراء، دون فارق بينهم في الدرجة أو الرتبة أو الحرفة أو الثروة والجاه، أو الغنى والفقر.
وفيها تعويد على النظام والانضباط وحب الطاعة في البر والمعروف، وتنعكس آثار ذلك كله على الحياة العامة والخاصة، فتثمر الصلاة جماعة أطيب الثمرات، وتحقق أبعد الأهداف، وتربي الناس على أفضل أصول التربية، وتربط أبناء المجتمع بأقوى الروابط؛ لأن ربهم واحد، وإمامهم واحد، وغايتهم واحدة، وسبيلهم واحدة.
قال في الدر المختار: ومن حِكَمها: نظام الألفة وتعلم الجاهل من العالم. والألفة بتحصيل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران.
ثالثاً ـ حكم صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة إما سنة مؤكدة أو فرض.
فقال الحنفية والمالكية (2): الجماعة في الفرائض غير الجمعة سنة
(1) رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، وفي رواية الترمذي:«ومن صلى العشاء والفجر في جماعة» .
(2)
وهو رأي أيضاً لبعض الشافعية. فتح القدير:243/ 1، الدر المختار:515/ 1، اللباب: 80/ 1، تبيين الحقائق: 132/ 1، الشرح الصغير: 424/ 1، بداية المجتهد: 136/ 1، المهذب: 93/ 1.
مؤكدة، للرجال العاقلين القادرين عليها من غير حرج، فلا تجب على النساء والصبيان والمجانين والعبيد والمقعد والمريض والشيخ الهرم ومقطوع اليد والرجل من خلاف.
وكونها سنة؛ لأن ظاهر الحديث السابق «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة، أو بسبع وعشرين درجة» يدل على أن الصلاة في الجماعات من جنس المندوب إليه، وكأنها كمال زائد على الصلاة الواجبة، فكأنه قال عليه الصلاة والسلام: صلاة الجماعة أكمل من صلاة المنفرد، والكمال إنما هو شيء زائد على الإجزاء. ويؤكده ما روي من حديث آخر:«الجماعة من سنن الهدى، لا يتخلف عنها إلا منافق» (1). وهذا الرأي ليسره أولى من غيره، خصوصاً في وقتنا الحاضر، حيث ازدحمت الأشغال والارتباط بمواعيد عمل معينة، فإن تيسر لواحد المشاركة في الجماعة، وجب تحقيقاً لشعائر الإسلام.
وقال الشافعية في الأصح المنصوص (2): الجماعة فرض كفاية، لرجال أحرار مقيمين، لا عراة، في أداء مكتوبة، بحيث يظهر الشعار أي شعار الجماعة بإقامتها، في كل بلد صغير أو كبير. فإن امتنعوا كلُّهم من إقامتها قوتلوا (أي قاتلهم الإمام أو نائبه دون آحاد الناس)، ولا يتأكد الند ب للنساء تأكده للرجال في الأصح. بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان (3)، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» (4).
(1) قال عنه الزيلعي: غريب بهذا اللفظ، وفي معناه حديث مسلم السابق عن ابن مسعود (نصب الراية: 21/ 1).
(2)
مغني المحتاج: 229/ 1 وما بعدها، المهذب: 93/ 1، المجموع: 88/ 4 وما بعدها.
(3)
أي غلب.
(4)
رواه أبو داود والنسائى وصححه ابن حبان والحاكم.
وقال الحنابلة (1): الجماعة واجبة وجوب عين، للآية السابقة:{وإذا كنت فيهم .. } [النساء:102/ 4] ويؤكده قوله تعالى: {واركعوا مع الراكعين} [البقرة:43/ 2]، وحديث أبي هريرة: «أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر
…
»، وفي حديثه أي أبي هريرة أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب ليحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً، فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم» (2)، وحديث الأعمى المشهور: وهو «أن رجلاً أعمى، قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد!! فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء؟ فقال: نعم، قال: فأجب» (3)، وحديث ابن مسعود السابق:«لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق .. » وحديث جابر وأبي هريرة: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (4).
ويعضد وجوب الجماعة: أن الشارع شرعها حال الخوف على صفة لا تجوز إلا في الأمن، وأباح الجمع لأجل المطر، وليس ذلك إلا محافظة على الجماعة، ولو كانت سنة لما جاز ذلك.
لكن ليست الجماعة شرطاً لصحة الصلاة، كما نص الإمام أحمد.
(1) المغني: 176/ 2 وما بعدها، كشاف القناع: 532/ 1 وما بعدها.
(2)
متفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم، ورواه أيضاً مالك وأبو داود والترمذي والنسائي (جامع الأصول: 369/ 6).
(3)
رواه مسلم، وروى مثله أبو داود بإسناد صحيح أو حسن عن ابن أم مكتوم.
(4)
رواه الدارقطني، وهو حديث ضعيف، ورواه البيهقي عن علي موقوفاً عليه.