الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: زادك الله حرصاً، ولا تعد» (1)، فلم يأمره بإعادة الصلاة ونهاه عن العود.
ثامناً -
المشي للجماعة
والمبادرة إليها مع الإمام:
المشي للجماعة:
يستحب لمن قصد الجماعة أن يمشي إليها، وعليه السكينة والوقار (2)، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة، وعليكم السكينة والوقار، ولاتسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا» (3).
وذكر المالكية (4): أنه يجوز الإسراع لإدراك الصلاة مع الجماعة، بلا خَبَب (أي هرولة: وهي ما دون الجري) وتكره الهرولة؛ لأنها تذهب الخشوع، والجري أولى.
المبادرة للاقتداء مع الإمام:
يبادر المصلي للاقتداء بالإمام، سواء أكان قائماً أم راكعاً أم ساجداً أم نحوه.
وهل له أن يصلي النافلة؟
(1) رواه أحمد وابن ماجه عن علي بن شيبان (نيل الأوطار:184/ 3).
(2)
رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائى، ورواية أبي داود بلفظ:«أن أبا بكرة جاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال: أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصاً، ولا تعد» (نيل الأوطار: 184/ 3). (2) المهذب:94/ 1، كشاف القناع:378/ 1 وما بعدها.
(3)
رواه الجماعة إلا الترمذي عن أبي هريرة، وروى أحمد والشيخان في معناه عن أبي قتادة (نيل الأوطار:134/ 3).
(4)
الشرح الصغير:445/ 1.
قال المالكية (1): يحرم على المتخلف ابتداء صلاة، فرضاً أو نفلاً بجماعة أو لا، بعد إقامة الصلاة لإمام راتب. وإن أقيمت تلك الصلاة بمسجد، والمصلي في صلاة فريضة أو نافلة بالمسجد أو رحبته: فإن خشي فوات ركعة مع الإمام، قطع صلاته، ودخل مع الإمام مطلقاً، سواء أكانت نافلة أم فرضاً غير الصلاة المقامة، وسواء عقد ركعة أم لا، ويقطع صلاته بسلام أو مناف للصلاة ككلام ونية إبطال.
وإن لم يخش فوات ركعة: فإن كانت الصلاة نافلة أتمها ركعتين، ويندب أن يتمها جالساً. وإن كانت الصلاة التي هو بها هي المقامة نفسها ـ بأن كان في العصر، فأقيمت للإمام ـ انصرف عن شفع ولا يتمها، فلو صلى ركعة ضم لها أخرى، وإن كان في الثانية كملها، وإن كان في الثالثة قبل كمالها بسجودها، رجع للجلوس فتشهد، وسلم. هذا إن كان في صلاة رباعية.
فإن كان في صلاة صبح أو مغرب، فأقيمت، قطع صلاته، ودخل مع الإمام، لئلا يصير متنفلاً بوقت نهي. وإن أتم ثانية المغرب، أو الثالثة، أو ثانية الصبح، كملها بنية الفريضة.
وقال الشافعية (2): إن كان المصلي في صلاة نافلة، ثم أقيمت الجماعة: فإن لم يخش فوات الجماعة، أتم النافلة، ثم دخل في الجماعة.
وإن خشي فوات الجماعة، قطع النافلة؛ لأن الجماعة أفضل.
وإن دخل في فرض الوقت ثم أقيمت الجماعة: فالأفضل أن يقطع، ويدخل في الجماعة. وفي المذهب الجديد وهو الأصح: له أن ينوي الدخول في الجماعة من غير أن يقطع صلاته؛ لأنه لما جاز أن يصلي بعض صلاته منفرداً، ثم يصير إماماً،
(1) الشرح الصغير: 431/ 1، القوانين الفقهية: ص68.
(2)
المهذب: 94/ 1، المجموع: 105/ 4 - 110.
بأن يجيء من يأتم به، جاز أن يصلي بعض صلاته منفرداً، ثم يصير مأموماً، ومن المقرر عندهم أنه يجوز أن يغير ترتيب صلاته بالمتابعة، كالمسبوق بركعة.
وإن حضر وقد أقيمت الصلاة، لم يشتغل عنها بنافلة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة» (1).
وقال الحنابلة (2): إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة التي يريد الصلاة مع إمامها، عملاً برواية ابن حبان بلفظ «إذا أخذ المؤذن في الإقامة» ، فلا صلاة إلا المكتوبة، فلا يشرع في نفل مطلق ولا سنة راتبه من سنة فجر أو غيرها، في المسجد أو غيره ولو ببيته، لعموم الحديث السابق: «إذا أقيمت الصلاة
…
»، فإذاشرع في نافلة بعد الشروع في الإقامة، لم تنعقد، لما روي عن أبي هريرة «وكان عمر يضرب على كل صلاة بعد الإقامة» .
وإن أقيمت الصلاة، وهو في النافلة، ولو كان خارج المسجد، أتمها خفيفة، ولو فاتته ركعة، لقوله تعالى:{ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد:33/ 47] ولا يزيد على ركعتين، فإن كان شرع في الركعة الثالثة، أتمها أربعاً، لأنها أفضل من الثلاث. فإن سلَّم من ثلاث ركعات، جاز نصاً في المسألتين، إلا أن يخشى المتنفل فوات ما تدرك به الجماعة، فيقطعها؛ لأن الفرض أهم.
وللحنفية تفصيل خاص، يشبه في قطع الفريضة مذهبي المالكية والشافعية في الجملة، ويستقل في ضرورة صلاة سنة الفجر، وهو ما يأتي (3):
(1) متفق عليه بين الشيخين عن أبي هريرة.
(2)
كشاف القناع:539/ 1 وما بعدها.
(3)
فتح القدير:335/ 1 - 342، تبيين الحقائق:180/ 1 - 184. مراقي الفلاح: ص77 ومابعدها.
إذا شرع المصلي في أداء فرض أو قضائه منفرداً، ثم أقيمت الجماعة: فإن شرع في صلاة الفجر أو المغرب: فإن كان في الركعة الأولى، ولو بعد السجود، فعليه أن يقطع صلاته بتسليمة، ثم يدخل في الجماعة. وإن كان في الركعة الثانية، قطعها أيضاً إن كان قبل السجود، وأتمهامنفرداً إن كان بعد السجود.
وإن شرع في صلاة رباعية كالظهر أو العصر: فإن كان المنفرد قبل السجود في الركعتين الأولى (1)، قطع صلاته ولحق الإمام. وإن كان بعد السجود أتم الركعتين أي صلى شفعاً وسلم، ودخل مع الجماعة إحرازاً لفضيلة الجماعة، وصار ما صلاه نفلاً، صيانة للمؤدى عن البطلان.
وإن قام للثالثة، فأقيمت الجماعة قبل سجوده، قطع قائماً بتسليمة واحدة. أما إن أتم الركعة الثالثة من الرباعية أو من المغرب، فإنه يتم صلاته منفرداً؛ لأن للأكثر حكم الكل. ثم يصلي مع الجماعة نافلة؛ لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد، بدليل ما قال يزيد بن الأسود: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حَجَّتَه، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته، انحرف، فإذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا، فقال: عليَّ بهما، فجيء بهما تُرعَد فرائصُهما (2)، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصلِّيا معهم، فإنها لكما نافلة (3).
(1) عبارتهم في ذلك: ثم لم يقيد الركعة الأولى بالسجدة، يقطع ويشرع مع الإمام، وهو الصحيح.
(2)
الفرائص: جمع فريصة: وهي اللحمة من الجنب والكتف التي لا تزال ترعد أي تتحرك من الدابة، واستعير للإنسان؛ لأن له فريصة، وهي ترجف عند الخوف. وسبب ارتعاد فرائصهما: ما اجتمع في رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهيبة العظيمة والحرمة الجسيمة، لكل من رآه، مع كثرة تواضعه.
(3)
رواه الخمسة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار:92/ 3).
ومن دخل المسجد، والصلاة تقام، اشترك مع الجماعة ويترك السنة، لأنه يؤديها بعد الفرض والسنة البعدية، إلا سنة الفجر، فإنه يصليها عند باب المسجد، ثم يدخل، إذا لم يخف فوت الجماعة، لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين. فإن خشي فوت الجماعة، دخل مع الإمام في الفريضة؛ لأن ثواب الجماعة أعظم، والوعيد بالترك ألزم.
وإذا فاتته ركعتا الفجر، لا يقضيهما قبل طلوع الشمس؛ لأنه يبقى نفلاً مطلقاً، وهو مكروه بعد الصبح، ولا بعد ارتفاع الشمس عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الأصل في السنة ألا تقضى، لاختصاص القضاء بالواجب، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قضى السنة تبعاً للفرض غداة طلوع الشمس عليه ليلة التعريس (1) في الوادي، فبقي ما عداه على الأصل: وهو عدم القضاء، وعلى هذا فلا تقضى سنة الفجر إلا تبعاً للفرض إذا فاتت مع الفرض.
وقال محمد: أحب إلي أن يقضيهما (أي ركعتي الفجر) إلى وقت الزوال، لأنه عليه السلام قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس.
وإن شرع في سنة الظهر القبلية، فأقيمت الجماعة، أو في سنة الجمعة فصعد الخطيب المنبر، سلم بعد ركعتين وهو الأوجه، ثم قضى السنة أربعاً بعد أداء الفرض والسنة البعدية، حتى لا يفوت فرض الاستماع والأداء على وجه أكمل. وهذا رأي أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد: تقضى قبل السنة البعدية. قال الشلبي (2): والأولى تقديم الركعتين أي السنة البعدية؛ لأن الأربع أي السنة القبلية فاتت عن الموضع المسنون، فلا تفوت الركعتان أيضاً عن موضعهما قصداً بلا ضرورة.
(1) التعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل يقعون فيه وقعة للاستراحة ثم يرتحلون.
(2)
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق:183/ 1.