الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضوع الأول - المسافة التي يجوز فيها القصر:
اختلف الفقهاء في تقدير مسافة السفر التي يقصر فيها، فقال الحنفية (1): أقل ما تقصر فيه الصلاة مسيرة ثلاثة أيام ولياليها من أقصر أيام السنة في البلاد المعتدلة (2)، بسير الإبل ومشي الأقدام، ولا يشترط سفر كل يوم إلى الليل، بل أن يسافر في كل يوم منها من الصباح إلى الزوال (الظهر)، فالمعتبر هو السير الوسط مع الاستراحات العادية، فلو أسرع وقطع تلك المسافة من أقل من ذلك كما في وسائل المواصلات الحديثة، جاز له القصر. فإذا قصد الإنسان موضعاً بينه وبين مقصده مسيرة ثلاثة أيام، جاز له القصر، فإن لم يقصد موضعاً، وطاف الدنيا من غير قصد إلى قطع مسيرة ثلاثة أيام لا يترخص بالقصر.
والتقدير بثلاث مراحل قريب من التقدير بثلاثة أيام؛ لأن المعتاد من السير في كل يوم مرحلة واحدة، خصوصاً في أقصر أيام السنة. ولا يصح القصر في أقل من هذه المسافة، كما لا يصح التقدير عندهم بالفراسخ (3) على المعتمد الصحيح، ودليلهم القياس على مدة المسح على الخف المقدرة بالسنة، وهي نص حديث:«يمسح المقيم كمال يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» (4).
والمعتبر في البحر والجبل: مايناسبه أو ما يليق بحاله لقطع المسافة، ففي البحر تعتبر تلك المسافة بحسب اعتدال الريح، لا ساكنة ولا عالية، وفي الجبل يعتبر
(1) الدر المختار ورد المحتار: 732/ 1 - 735، فتح القدير: 392/ 1 - 394، اللباب:106/ 1، مراقي الفلاح: ص71.
(2)
أي البلاد التي يمكن قطع المرحلة المذكورة في معظم اليوم من أقصر أيامها، فلا يرد أن أقصر أيام السنة في بلاد البلغار قد يكون ساعة أو أكثر أو أقل.
(3)
الفرسخ: ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع.
(4)
رواه ابن أبي شيبة عن علي (نصب الراية: 183/ 2).
السير فيه بثلاثة أيام ولياليها بحسب طبيعته، وإن كانت تلك المسافة في السهل تقطع بما دونها.
ومجموع مدة الثلاثة الأيام بالساعات يختلف بحسب كل بلد، ففي مصر وما ساواها من العرض عشرون ساعة وربع، في كل يوم سبع ساعات إلا ربعاً، ومجموع الثلاثة الأيام في الشام عشرون ساعة إلا ثلث ساعة تقريباً في كل يوم ست ساعات وثلثي ساعة إلا درجة ونصفاً.
وقال الجمهور غير الحنفية (1): السفر الطويل المبيح للقصر المقدر بالزمن: يومان معتدلان أو مرحلتان بسير الأثقال ودبيب الأقدام، أي سير الإبل المثقلة بالأحمال على المعتاد من سير وحط وترحال وأكل وشرب وصلاة كالمسافة بين جدة ومكة أو الطائف ومكة أو من عُسفان إلى مكة، ويقدر بالمسافة ذهاباً: بأربعة بُر ُد أو ستة عشر فرسخاً، أو ثمانية وأربعين ميلاً هاشمياً، والميل: ستة آلاف ذراع (2)، كما ذكر الشافعية والحنابلة، وقال المالكية على الصحيح: الميل ثلاثة آلاف وخمس مئة ذراع، وتقدر بحوالي (89 كم) وعلى وجه الدقة:88.704 كم ثمان وثمانين كيلو وسبع مئة وأربعة أمتار، ويقصر حتى لو قطع تلك المسافة بساعة واحدة، كالسفر بالطائرة والسيارة ونحوها؛ لأنه صدق عليه أنه سافر أربعة برد.
والمسافة في البحر كالمسافة في البر.
ودليلهم: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أهل مكة، لا تقصروا في أقل من أربعة برد،
(1) بداية المجتهد:162/ 1، الشرح الصغير: 474/ 1 ومابعدها، الشرح الكبير:358/ 1 - 361، المهذب:102/ 1، المغني: 255/ 2 ومابعدها، المجموع: 213/ 4 ومابعدها.
(2)
الذراع: أربعة وعشرون أصبعاً كما ذكر الشافعية والحنابلة، أو 32 أصبعاً كما بينا في جدول المقاييس، والذراع: 2،46 سم، والإصبع: ست شعيرات معتدلات، وتساوي 925،1سم.
من مكة إلى عُسْفان» (1) وما روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما: كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة بُرُد، فما فوق، ولأن في هذا القدر تتكرر مشقة الشد والترحال، وفيما دونه لا تتكرر.
وهذه المسافة عند الشافعية محددة تماماً، فيضر نقص المسافة مهما قل. وهي تقريباً لا تحديداً عند الحنابلة والمالكية، فلا يضر عند الحنابلة نقصان المسافة عن هذا المقدار بشيء قليل كميل أو ميلين، ولا يضر عند المالكية نقصان ثمانية أميال.
واستثنى المالكية خلافاً لغيرهم (الجمهور) من هذه المسافة أهل مكة ومنى ومزدلفة والمُحَصَّب إذا خرجوا في الحج للوقوف بعرفة، فإنه عملاً بالسنة يسن لهم القصر في الذهاب والإياب إذا بقي عليهم شيء من أعمال الحج التي تؤدى في غير وطنهم، وإلا بأن وصلوا وطنهم أتموا الصلاة.
وناقش ابن قدامة (2) أدلة الجمهور: بأنه روي عن ابن عباس وابن عمر خلاف المذكور، وأنه معارض لظاهر القرآن؛ لأن ظاهره إباحة القصر لكل من ضرب في الأرض بدون تحديد مسافة، وأنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال أنس:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ، صلى ركعتين» (3)،وقال ابن قدامة في نهاية نقاشه: الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه.
(1) رواه الدارقطني عن ابن عباس، وروي موقوفاً على ابن عباس، قال الخطابي: هو أصح الروايتين عن ابن عمر. وقول الصحابي عند الحنابلة حجة، خصوصاً إذا خالف القياس.
(2)
المغني: 257/ 2 ومابعدها.
(3)
رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي أنه سأل أنساً .. والتردد بين الأميال والفرسخ شك من الراوي: شعبة (نيل الأوطار: 205/ 3).