الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الميت وتكون التعزية في بيت المصاب، وليس في ألفاظ التعزية شيء محدد، فيقول المعزي للمسلم:«أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك» وإن عزى مسلماً بكافر يقول: «أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك» ويمسك عن الدعاء للميت؛ لأن الدعاء والاستغفار له منهي عنه. وإن عزى كافراً بمسلم قال: «أحسن الله عزاءك، وغفر لميتك» وإن عزى كافراً بكافر قال: «أخلف الله علينا وعليك، ولانقص عددك» .
وقال الحنابلة: تحرم تعزية الكافر؛ لأن فيها تعظيماً للكافر كبداءته بالسلام، ويقول المعزَّى:«استجاب الله دعاءك، ورحمنا وإياك» ولا تكره المصافحة أو أخذ المعزي بيد من عزاه.
والتعزية تستحب للرجال والنساء اللاتي لا يفتن، في الصغير والكبير، والذكر والأنثى، بلا خلاف بين العلماء، إلا أن الثوري قال: لا تستحب التعزية بعد الدفن، لأنه خاتمة أمره. وتكره تعزية الرجل لامرأة حسناء أجنبية غير محرم له، خشية الفتنة.
ودليل استحباب التعزية أحاديث، منها:«من عزى مصاباً فله مثل أجره» (1) ومنها: «من عزى أخاه بمصيبة، كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة» (2).
ثانياً ـ البكاء والرثاء والنياحة واللطم والشق:
يجوز بالاتفاق البكاء على الميت قبل الدفن وبعده؛ بلا رفع صوت أوقول قبيح، أو ندب أو نواح (3)، لما روى جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا إبراهيم، إنا
(1) رواه الترمذي وابن ماجه، قال الترمذي: غريب، وقال ابن الجوزي: موضوع.
(2)
رواه ابن ماجه.
(3)
الدر المختار:841/ 1، الشرح الصغير:566/ 1،579، الشرح الكبير:421/ 1، مغني المحتاج:355/ 1 ومابعدها، المهذب:139/ 1، المغني:545/ 2 - 547، كشاف القناع:188/ 2 ومابعدها، المجموع:276/ 5 - 280.
لا نغني عنك من الله شيئاً، ثم ذرفت عيناه، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يارسول الله، أتبكي، أو لم تنه عن البكاء؟ قال: لا، ولكن نهيت عن النوح» (1). وورد في الصحيحين:«أنه صلى الله عليه وسلم لما فاضت عيناه، لما رفع إليه ابن بنته، ونفسه تقعقع كأنها في شَنَّة (2) ـ أي لها صوت وحشرجة كصوت ما ألقي في قربة بالية ـ قال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة، جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» .
والبكاء لا ينافي الرضا، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه.
وأما حديث «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» (3) فمؤول عند جمهور العلماء على من وصى أهله أن يبكى عليه، ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه، ونوحهم؛ لأنه بسببه ومنسوب إليه، وكان من عادة العرب الوصية بذلك، ومنه قول طَرَفة بن العبد:
إذا متّ فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب ياابنة معبد
أما من بكى عليه أهله وناحوا عليه من غير وصية منه، فلا يعذب ببكائهم ونوحهم، لقوله تعالى:{ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام:164/ 6].
ولا بأس ـ كما ذكر الحنفية ـ برثاء الميت بشعر أو غيره، لكن يكره الإفراط في مدحه، لا سيما عند جنازته، لحديث «من تعزى بعزاء الجاهلية،
فأعضّوه بهَنِ أبيه
(1) رواه الترمذي، وهو حديث حسن، ومعناه في الصحيحين من رواية غير جابر.
(2)
الشنة: القربة الخلق أي البالية.
(3)
رواه البخاري ومسلم عن عمر، وعن عائشة أن ابن عمر يقول:«الميت يعذب ببكاء الحي» وردته بآية {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام:164/ 6].
ولا تكْنوا» (1) وهذا أمر تأديب ومبالغة في الزجر عن دعوى الجاهلية.
ويحرم الندب بتعديد شمائله، والنوح، والجزع بضرب صدر أو رأس وشق جيب ونحوهما.
أما الندب: فهو تعداد محاسن الميت، وما يَلْقون بفقده بلفظـ النداء، بالواو بدل الياء، مثل قولهم: وارجلاه، واجبلاه، وانقطاع ظهراه، واكهفاه، ياعزي، ياسندي ونحوه، لحديث:«ما من ميت يموت فيقدم باكيهم، فيقول: واجبلاه، واسنداه، أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهَزانه، أهكذا كنت» (2) وذلك إن أوصى بما ذكر، أو كان كافراً.
وأما النوح: فهو رفع الصوت بالندب، لخبر «النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب» (3) وخبر «لعن الله النائحة والمستمعة» (4).
وأما الجزع: بضرب الصدر ونحوه كشق جيب ونشر شعر، وتسويد وجه، وإلقاء رماد على رأس، ورفع صوت بإفراط في البكاء، فهو حرام أيضاً، لخبر الشيخين:«ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» وفي الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة» فالصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثيابها.
(1) المراد به قولهم في الاستغاثة: يالفلان، وقولوا له: اعضض بذكر أبيك، ولا تكنوا عن الذكر بالهن، رواه أحمد والنسائي وابن حبان عن أبي بن كعب (كشف الخفا:332/ 2).
(2)
رواه الترمذي وحسنه، واللهز: الدفع في الصدر باليد، وهي مقبوضة. والفعل لهز يلهز على وزن فتح يفتح.
(3)
رواه مسلم، والسربال: القميص.
(4)
رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد، وهو صحيح.