الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفس محمد بيده: لودِدْت أن أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل» (1)، «يُغفر للشهيد كلُ ذنب إلا الدَّيْن» (2).
تعريف الشهيد:
سمي الشهيد شهيداً؛ لأنه مشهود له بالجنة، أو لأنه حي عند ربه حاضر شاهد، أو تشهد موته الملائكة (3). والشهيد الذي يستحق الفضائل السابقة ونحوها هو شهيد المعركة مع العدو. وقد أورد الفقهاء تعريفات متقاربة له بحسب رأيهم في بعض المسائل المتعلقة به.
فقال الحنفية (4): الشهيد من قتله أهل الحرب، أو أهل البغي، أو قطاع الطريق، أو اللصوص في منزله ليلاً أو نهاراً بأي آلة: مثقل أو محدد، أو وجد في المعركة وبه أثر كجرح وكسر وحرق وخروج دم من أذن أو عين، أو قتله مسلم ظلماً عمداً بمحدد، وكان مسلماً مكلفاً (بالغاً عاقلاً) طاهراً (خالياً من حيض أو نفاس أو جنابة)، ولم يرتث بعد انقضاء الحرب، أي لا يموت عقب الإصابة.
والارتثاث: أن يأكل أو يشرب أو يُداوى، أو يبقى حياً حتى يمضي عليه وقت صلاة وهو يعقل، أو ينقل من المعركة حياً، أي وهو يعقل.
أما المقتول حداً أو قصاصاً، فإنه يغسل ويصلى عليه، لأنه لم يقتل ظلماً، وإنما قتل بحق، وأما من قتل من البغاة أو قطاع الطرق فلا يغسل ولا يصلى عليه.
وبه يتبين أن شروط تحقيق الشهادة عندهم: هي الإسلام والعقل والبلوغ، والطهارة من الحدث الأكبر، وأن يموت عقب الإصابة.
(1) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (المصدر السابق).
(2)
رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص (المصدر السابق).
(3)
الدر المختار:848/ 1، اللباب:135/ 1، مغني المحتاج:350/ 1.
(4)
الدر المختار ورد المحتار:848/ 1، مراقي الفلاح: ص103ومابعدها، اللباب:135/ 1 - 137.
وأن كل مقتول في المعركة مع العدو، أو قتل ظلماً، أو دفاعاً عن النفس أو المال فهو شهيد. أما من خرج حياً من المعركة، أو كان جنباً فلا تطبق عليه أحكام الشهيد.
ويلاحظ أن هذا المذهب ومذهب الحنابلة أوسع الآراء في تحديد المقصود من الشهيد ماعدا اشتراط الطهارة من الحدث الأكبر.
وقال المالكية (1): الشهيد: من مات في معترك المشركين، ومن أخرج من المعركة في حكم الأموات وهو من رفع من المعركة حياً منفوذ المقاتل، أو مغموراً (أي يعاني غمرات الموت: شدائده): وهو من لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم إلى أن مات، فإن قتل في غير المعركة ظلماً، أو أخرج من المعترك حياً، ولم تنفذ مقاتله، ثم مات، غسل وصلي عليه في المشهور، كما أن من قتل في المعترك في قتال المسلمين غسل وصلي عليه، ويغسل الجنب.
وقال الشافعية (2): الشهيد: هو من مات من المسلمين في جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب، كأن قتله كافر، أو أصابه سلاح مسلم خطأ، أو عاد إليه سلاحه، أو تردى في بئر أو وهدة، أو رفسته دابته فمات، أو قتله مسلم باغٍ استعان به أهل الحرب.
فإن مات لا بسبب القتال، أو بعد انقضاء المعركة، أو في حال قتال البغاة، فغير شهيد في الأظهر.
ولا تشترط الطهارة من الحدث الأكبر عند المالكية والشافعية، فمن مات جنباً فإنه لا يغسل.
(1) الشرح الكبير:425/ 1 ومابعدها، الشرح الصغير:575/ 1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص94، بداية المجتهد:219/ 1، 232.
(2)
مغني المحتاج:350/ 1،361، المهذب:135/ 1.
فالشهيد عند المالكية والشافعية: هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (1).
وقاتل نفسه كغيره في الغسل والصلاة عليه، لحديث:«الصلاة واجبة على كل مسلم براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر» (2). هذا رأي الجماهير، لكن مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه، بدليل ماروى مسلم عن جابر بن سمرة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقِص ـ سهام عراض ـ فلم يصل عليه.
وقال الحنابلة (3): الشهيد: هو من مات بسبب القتال مع الكفار وقت قيام القتال، أو هو المقتول بأيدي العدو من الكفار، أو البغاة، أو المقتول ظلماً، ولو كان غير مكلف رجلاً أو امرأة. أو كان غالاًّ (خائناً): كتم من الغنيمة شيئاً. ومن عاد إليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو، لكن تشترط الطهارة من الحدث الأكبر كالحنفية، فمن قتل جنباً غسل. كذلك يغسل ويصلى عليه من حمل وبه رمق أي حياة مستقرة، وإن كان شهيداً.
ودليلهم على غير المكلف: عموم حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم» (4)، وقد كان في شهداء أحد حارثة بن النعمان، وهو صغير، وليس هذا خاصاً بهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك
(1) روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل: يقاتل شجاعة، ويقاتل حميّة، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا» (جامع الأصول:194/ 3).
(2)
رواه البيهقي، وقال: هو أصح ما في الباب إلا أن فيه إرسالاً والمرسل حجة إذا اعتضد بأحد أمور، منها قول أكثر أهل العلم، وهو موجود هنا.
(3)
المغني:528/ 2 - 535، كشاف القناع:113/ 2 - 115.
(4)
رواه البخاري.