الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً ـ مفسدات الصلاة عند الفقهاء:
إن أهم مفسدات الصلاة عند الفقهاء هي مايأتي (1)، علماً بأن الحنفية ذكروا ثمانية وستين أمراً مفسداً للصلاة، والمالكية حوالي ثلاثين، والشافعية سبعة وعشرين، والحنابلة حوالي ستة وثلاثين.
1 - الكلام:
أي النطق بحرفين ولو لم يفهما أو حرف مفهم أجنبي عن الصلاة، عمداً أو سهواً؛ لخبر زيد بن أرقم:«كنا نتكلم في الصلاة، يكلّم الرجل منا صاحبه، وهو إلى جنبه حتى نزلت: وقوموا لله قانتين، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» (2) وخبر معاوية بن الحكم السُّلَمي: «بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطَس رجل من القوم، فقلت: يرحمُك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكل أمَّاه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمتونني لكني سكتُّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله، ما كهرني (انتهرني) ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (3).
ومن الكلام المبطل: التنحنح بلا عذر إذا صحبه حرفان فأكثر، ومنه التأوه والأنين والتأفف والبكاء إذا اشتمل على حروف مسموعة، إلا إذا نشأ من مرض أو
(1) الدر المختار: 574/ 1 - 593، البدائع: 233/ 1 - 242، مراقي الفلاح: ص 52 - 54، الشرح الصغير 343/ 1 ـ 356، حاشية الباجوري: 182/ 1 - 186، القوانين الفقهية: ص 51، مغني المحتاج: 194/ 1 ـ 200، المهذب: 86/ 1 ـ 88، كشاف القناع: 465/ 1 - 470، المغني: 1/ 2 - 5، 44 - 62.
(2)
رواه الجماعة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار: 311/ 2).
(3)
رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (المصدر السابق: ص 314 وما بعدها).
قوله لكني سكت، قال المنذري: يريد لم أتكلم لكني سكت. من خشية الله، ومنه تشميت العاطس، ورد السلام ومنه الدعاء بما يشبه كلام الناس، غير أن للفقهاء تفصيلات في ذلك يحسن إيرادها:
قال الحنفية (1): تفسد الصلاة بالكلام عمداً أو سهواً، أو جاهلاً، أو مخطئاً، أو مكرهاً، على المختار، وذلك بالنطق بحرفين أو حرف مفهم، مثل (عِ) و (قِِ)، وكما لو سلم على إنسان، أو رد السلام بلسانه، لا بيده، ويكره ذلك على المعتمد، أو شمَّت عاطساً، أو نادى إنساناً بقوله (يا) ولو ساهياً، لكن لو سلم ساهياً للخروج من الصلاة قبل إتمامها على ظن إكمالها، فلا تفسد الصلاة، ولو صافح بنية السلام، تفسد، لأنه عمل كثير. ولو استعطف كلباً أو هرة أو ساق حماراً بما ليس من حروف الهجاء لا تفسد صلاته؛ لأنه صوت لا هجاء له.
ومن ارتفع بكاؤه لمصيبة بلغته، فسدت صلاته، لأنه تعرض لإظهارها.
وتبطل بالتنحنح بحرفين بلا عذر، فإن وجد عذر، كأن نشأ من طبعه فلا تفسد، كما لا تفسد إن كان لغرض صحيح كتحسين الصوت، أو ليهتدي إمامه إلى الصواب، أو للإعلام أنه في الصلاة، فلا فساد على الصحيح، وهكذا فإن التنحنح عن عذر لا يفسد الصلاة. وتفسد بالدعاء بما يشبه كلام الناس: وهو ما ليس في القرآن ولا في السنة، ولا يستحيل طلبه من العباد، وبالأنين (هو قوله: أه)، والتأوه (هو قوله: آه) والتأفف (أف أو تف)، والبكاء بصوت يحصل به حروف، لوجع أو مصيبة في الحالات الأربع الأخيرة، إلا لمرض لا يملك نفسه عن أنين وتأوه؛ لأنه حينئذ كعطاس وسعال وجشاء وتثاؤب، وإن ظهرت حروف للضرورة.
(1) الدر المختار: 574/ 1 - 593، البدائع: 220/ 1، 232 - 242، فتح القدير: 280/ 1 - 286.
والنفخ بصوت مسموع يفسد الصلاة سواء أراد به التأفف أو لم يرد عند أبي حنيفة ومحمد، لقول ابن عباس:«النفخ في الصلاة كلام» (1).
ولا تفسد بالدعاء لذكر جنة أو نار عند قراءة الإمام، فجعل يبكي ويقول: بلى أو نعم، لدلالته على الخشوع.
وتفسد بجواب خبر سوء، بالاسترجاع على المذهب، أي بقوله:{إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة:156/ 2]، لأنه يقصد الجواب، فصار ككلام الناس.
وتفسد بكل ما قصد به الجواب، كأن قيل: هل مع الله إله؟ فقال: (لا إله إلا الله) أو قيل: ما مالك؟ فقال: الخيل والبغال والحمير. أو سئل: من أين جئت؟ فقال: وبئر معطلة وقصر مشيد.
وتفسد بالخطاب كقوله لمن اسمه يحيى أو موسى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أو (وما تلك بيمينك يا موسى) أو لمن بالباب: (ومن دخله كان آمنا).
وتفسد إن قصد الجواب: إذا قال عند سماع اسم الله تعالى: (لا إله إلا الله) أو قال: جل جلاله، أو عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى عليه، أو عند قراءة الإمام، فقال: صدق الله ورسوله. أما إن لم يقصد الجواب، بل قصد الثناء والتعظيم، فلا تفسد؛ لأن تعظيم الله تعالى بذاته، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم لا ينافي الصلاة.
ولا تفسد الصلاة بالنظر إلى مكتوب وفهمه، غير أنه مكروه، أما القراءة من المصحف فتفسد الصلاة عند أبي حنيفة؛ لأن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير، ولأنه يشبه التلقين من الآخرين. وقال الصاحبان: لا تفسد
(1) رواه سعيد بن منصور في سننه (نيل الأوطار: 317/ 2) وروي نحوه عن أبي هريرة، لكن قال ابن المنذر: لا يثبت عنهما
وإنما تكره؛ لأن القراءة من المصحف عبادة انضافت إلى عبادة أخرى. وتكره لأنه تشبه بأهل الكتاب.
وقال المالكية (1): يشترط لصحة الصلاة ترك الكلام إلا بما هو من جنسها، أو مصلح لها. وتبطل بتعمد كلام أجنبي ولو كلمة، نحو «نعم» أو «لا» لمن سأله عن شيء، لغير إصلاح الصلاة، فإن كان الكلام لإصلاح الصلاة وبقدر الحاجة لا تبطل الصلاة إلا إن كان كثيراً، كأن يسلم الإمام بعد ركعتين في صلاة رباعية، أو يقوم لركعة خامسة، ولم يفهم بالتسبيح، فقال له المأموم: أنت سلمت من ركعتين أو قمت لخامسة، لم يضر عملاً بقصة ذي اليدين، روى أبو هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، إما الظهر، وإما العصر، فسلم في ركعتين، ثم أتى جِذْعاً في قبلة المسجد، فاستند إليها مغضباً، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلما، وخرج سَرْعانُ الناس (أي المتسرعون)، فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا الركعتين، فصلى ركعتين، وسلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم (2). ومن تلا وقصده التفهيم لشخص لم يضره كقوله:(ادخلوها بسلام).
وتبطل أيضاً بتعمد تصويت خال عن الحروف، كصوت الغراب، وبتعمد نفخ بفم، لا بأنف، وبتعمد سلام في حال العلم أو الظن أو الشك بعدم إكمال الصلاة.
(1) الشرح الصغير: 344/ 1، القوانين الفقهية: ص 50.
(2)
أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، كما أخرجاه عن عمران بن حصين، وأخرجه أبو داود وابن ماجه عن ابن عمر (نصب الراية: 67/ 2 وما بعدها).
وقال الشافعية (1): تبطل الصلاة بالنطق بكلام البشر بحرفين مفهمين ولو لمصلحة الصلاة كقوله: لا تقم أو اقعد، أم بحرف مفهم، أو بمدَّة حرف في الأصح؛ لأن الممدود في الحقيقة حرفان. والأصح أن التنحنح والبكاء والأنين، والنفخ إن ظهر به حرفان مبطل للصلاة. ويعذر في يسير الكلام إن سبق لسانه إليه، أو نسي الصلاة عملاً بقصة ذي اليدين السابقة، أو جهل تحريم الكلام في الصلاة إن قرب عهده بالإسلام، وتبطل بكثير الكلام (2) في الأصح، ويعذر في اليسير عرفاً من التنحنح ونحوه كالسعال والعطاس وإن ظهر به حرفان ولو من كل نفخة ونحوها، لغلبة كل ما ذكر عليه فلا تقصير منه، أو لتعذر القراءة الواجبة وغيرها من الأركان القولية في حال التنحنح للضرورة، والجهر بالقراءة لا يصلح في الأصح عذراً ليسير التنحنح. ولو أكره المصلي على الكلام اليسير في صلاته بطلت صلاته في الأظهر؛ لأنه أمر نادر كالإكراه على الحدث.
وقال الحنابلة (3): تبطل الصلاة بكلام الآدميين (وهو ما انتظم حرفين فصاعداً)، لغير مصلحة الصلاة، كقوله: يا غلام اسقني، ونحوه. ولا تبطل إن تكلم من سلَّم قبل إتمام صلاته سهواً بكلام يسير عرفاً لمصلحة الصلاة، عملاً بقصة ذي اليدين، سواء أكان إماماً أم مأموماً. ولا تبطل إن تكلم مغلوباً على الكلام، بأن خرجت الحروف منه بغير اختياره، كأن سلم سهواً أو نام فتكلم لرفع القلم عنه، أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة لا من القرآن، لأنه لا يمكنه التحرز عنه، أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب، فبان منه حرفان.
(1) مغني المحتاج: 194/ 1 وما بعدها.
(2)
مرجع القليل والكثير إلى العرف على الأصح، وقدروا الكلام اليسير بنحو سبع كلمات كما ورد في قصة ذي اليدين.
(3)
كشاف القناع: 469/ 1 وما بعدها، المغني: 575/ 1، 44/ 2 - 54.